فكل إعلام لا بد أن تكون له غاية أو هدف محدد يسعى للوصول إليه، لذلك تتخذ معظم الدول من وسائل الإعلام وسيلة لتحقيق أهدافها التي تسعى إليها، فالإعلام يؤسس لتلبية احتياجات وتحقيق أهداف وطموحات محددة للمجتمع الذي يصدر عنه، غير أن ذلك يكون من خلال إحساس القائمين على الصحف بأهمية تناوله وفق تحديد الأهداف وترتيب الأولويات في ضوء الموازنة بين الإمكانات والواجبات وتتحدد على أساسها عملية النشر من عدمه، وأن تكون متجانسة مع القيم الفكرية والاجتماعية لمجتمع الصحيفة. وهناك من يُرجع فشل الاتصال إلى عدم القدرة على ربط المادة التي يقدمها بالأهداف، أو لسوء فهم الفرد نفسه لتلك الأهداف، لأن الاتصال يهدف في النهاية إلى تحقيق التأثير في الآخرين تعريف الأهداف: ويذكر سعيد الصيني أن "الأهداف. هي الخطة التي تحدد المسؤوليات والواجبات وتختلف عن الوظائف في أن الأهداف والواجبات تمثلها الرغبة التي نرسمها لعمل محدد، عرف سعيد الصيني الوظيفة " بأنها الانعكاسات الظاهرة الملموسة في "() الواقع للأهداف التي قد تكون كامنة في الذهن أو تكون معلنة. أما الوظيفة عند سيد ساداتي فهي "ما يلقى على أجهزة الإعلام من مهام وواجبات ومسؤوليات تشكل في مجموعها نظاماً إعلامياً متكاملاً له منطلقاته وأهدافه وتوجهاته ووسائله، أو مراقبة البيئة وربط الاستجابة بها ونقل الثقافة من جيل إلى جيل فالهدف جهد ذهني لا يمكن إدراكه إلا لصاحب الهدف نفسه، إذ إن الوظيفة رصد لما تقدمه وسائل الإعلام في الواقع، فهي آليات وميكانيكيات لتحقيق الأهداف. إضافة إلى ذلك فإن معد التحقيق الصحفي عندما يختار موضوعاً أو يعرض مشكلة أو قضية ما، في جانب منه، إلى سياسة الصحيفة، هل هي مصادر بشرية أم وثائقية؟ لا توجد - حسب اطلاع المؤلف على الدراسات الإعلامية أهداف محددة للإعلام عامة وللصحف أو للتحقيق الصحفي بشكل خاص، أن للتحقيق أهدافاً متعددة لخصتها مؤسسة (Thomson) فيما يلي في حين يرى فاروق أبو زيد أن أهداف التحقيق الصحفي تتمثل في الآتي: ١ - إقناع القارئ بأهمية وخطورة القضية أو المشكلة المطروحة. ويذكر جمال عبدالعظيم ثلاثة أهداف للتحقيق الصحفي تتلخص في الآتي : أو التنبيه على ممارسات معينة. ويكون ذلك من خلال عرض التحقيق الصحفي لأوضاع سلبية والمطالبة باتخاذ قرارات أو تبني مواقف عملية محددة بشأن قضية أو مشكلة ما، فالتحقيق لا يكتفي بالكشف أو التنبيه فقط، وإنما يطالب باتخاذ موقف تجاه ما يطرح في متنه. فالتحقيق يهدف هنا إلى تأييد موقف أو رأي أو قرار أو رفضه ومهاجمته، والمطالبة باتخاذ قرارات ومواقف عكس ما اتخذته السلطة السياسية، وترى أسماء حافظ أن هدف التحقيق الصحفي العام هو تحقيق المصلحة العامة، وأن تحقيق هذا الهدف مرتبط بتجاوب الرأي العام مع ما ينتهي إليه التحقيق من نتائج وحلول ، وهي الإعلام والإخبار والشرح والتفسير والتعليق والتثقيف والتوعية والتعليم والتسلية ، والترفيه وتقديم الفكر الراقي، وتوثيق الروابط الاجتماعية، وإذا نظرنا إلى أهداف التحقيق المذكورة آنفاً مثل التسلية والإمتاع والشرح والتحليل نجد أن بعضها يصنف من قبل العديد من الدراسات الإعلامية على أنها وظائف وليست أهدافاً، كما أن الإقناع يصنف أحياناً ضمن الأهداف، ونخلص من ذلك إلى أنه لا يوجد في الدراسات الإعلامية تحديد دقيق لأهداف الصحافة، ٣- النقد والتقويم. :أولاً: الشرح والتحليل يعد الشرح والتحليل في المجال الصحفي على جانب كبير من الأهمية في التعرف على خلفيات القضايا والموضوعات، كما أن له دوراً كبيراً في التأثير وتكوين الآراء حولها، وذلك لمقدرة هذا الفن على إشباع حاجات القراء في معرفة الإجابة عن تساؤلاتهم المختلفة. ومع أن الصحافة تعيش اليوم تحدياً كبيراً مع التلفزيون والوسائط الإلكترونية لعجزها عن مجاراة هذه الوسائل في مجال نقل الأحداث حال وقوعها، إلا أن الصحف نجحت بشكل ملحوظ، في استخدام شكل مهم يغطي الأحداث عبر الشرح والتفسير وتوضيح الحقائق من خلال تحقيق صحفي مفصل يرضي فضول القارئ الذي سمع أو شاهد الحدث. وعلى ضوء ماسبق يرى محمود أدهم أن ما وراء الخبر وما يمكن أن يطلق عليه تعزيز الخبر وشرحه وتفسيره بعد نشره وتأكيد ذلك النشر يتجه ويرتبط ارتباطاً قوياً بفنين تحريريين قبل ارتباطهما بغيرهما وهما فن التحقيق الصحفي وفن المقال الصحفي، ولكن التحقيق يقف في المقدمة من اهتمام الصحافة بما وراء الخبر لأن للتحقيق من الخصائص التحريرية ومن المادة المعلوماتية والواقعية المهمة وكذا من مادة الرأي المتجمعة، بالإضافة إلى طرقه الفنية ومن الصور المصاحبة له ما يجعله محل اهتمام العدد الأكبر من القراء، بعد أن تكون الإذاعة أو التلفاز قد قدمت الخبر نفسه وبذلك يكون اعتماد الصحيفة عليه أكثر من اعتماد غيرها من وسائل النشر، وعلى ذلك فإنه بالرغم من أهمية المعلومات وأنها تعتبر الركيزة التي يقوم على أساسها الأفراد بصياغة قراراتهم ومواقفهم، فالصحف لابد أن تقوم بتحليل الأحداث والمشكلات وتفسير الأنباء والكشف عن أبعادها الاجتماعية والاقتصادية ودلالاتها السياسية، إذ إن كثيراً من القضايا والأخبار والأحداث لا يمكن فهمها دون معرفة خلفياتها وتطوراتها. وفي هذا الصدد يرى منير حجاب " أن قارئ اليوم أصبح غارقاً في بحر متلاطم من المعلومات، لذلك فإن وسائل الإعلام تحتاج إلى أن توسع من دائرة اهتمامها بالرأي والتعليق والتفسير، وأن تربط بين القطع المتناثرة من الأخبار والمعلومات وتضعها في إطار منطقي مفهوم يساعد الفرد على تكوين الرأي الصائب واتخاذ الموقف المناسب في عالم تتصارع فيه التيارات والاتجاهات، أما محمد البادي فيرى أن للشرح والتحليل جوانب سلبية على القراء تتمثل في زيادة التماثل أو التطابق بين أفراد المجتمع وأنها تقلل من فرص إحداث التغيير الاجتماعي، وأنها قد تضعف من قدرة الأفراد على النقد وبالتالي زيادة شعورهم السلبي بالاعتماد على الغير وما يراه الدكتور البادي من تأثير الشرح والتفسير) على قراء التحقيق الصحفي ومن ثَمَّ سلبيتهما من خلال تقليلهما لفرص إحداث التغيير الاجتماعي وإضعاف قدرتهم على النقد غير الدقيق، نظرا لما يتوافر لهذا الشكل التحريري من إمكانات لا تتحقق لسواه، سواء من خلال حيوية الموضوع الذي يغطيه، الأمر الذي يسمح باجتذاب العديد من المشاركين الذين يتولون شرح أبعاد القضية وتوضيحها أو المشكلة المطروحة وعرض كافة وجهات النظر ووصف القضية أو المشكلة أو الحدث من كافة جوانبه وهو ما يجعل الجمهور يرى الحقيقة من جميع زواياها، فشرح القضية بدقة واكتمال يمكن على الأقل، ثانيا: التنبيه: كما أنها تحيط الجمهور علما بما يحدث من وقائع وأحداث، وقد أصبح الإنسان في عصرنا الحاضر أكثر اهتماماً بهذا الجانب، إما لدرء أخطاء أو لتجنب حوادث أو لجلب منفعة . وتقوم الصحف من خلال التحقيق الصحفي بنشر وتحليل المعلومات والآراء التي يحتاجها القراء وتوظيفها لبلورة ما يجري في المجتمع من مشكلات وفهمها وإدراكها على مختلف المستويات الشخصية والاجتماعية وهو ما يساعد المتلقي على تحديد استجابته وموقفه من القضايا المعروضة في متن التحقيق والتصرف إزاءها عن علم ومعرفة. وعلى ذلك تسعى الصحف - من خلال التحقيق الصحفي- إلى تنبيه المسؤولين والجمهور إلى الأوضاع السلبية أو الأخطار التي تواجه المجتمع، فهو يمثل عونا لها في تسليط الضوء على أي شكل فاسد أو خطر يمكن أن يحدث. وعليه فإن مصلحة المجتمع من أهم الأمور التي لابد أن يراعيها معد التحقيق وأن يعمل على تحقيقها، وهي تتمثل في الحفاظ على الدين وحمايته، وعلى النفس والعقل والعرض والمال؛ فمن خلال تركيز التحقيق الصحفي على قضايا معينة، ثالثاً: النقد والتقويم: يعد التحقيق الصحفي من أهم الوسائل الصحفية المؤهلة لممارسة النقد في ظل تفاعل الصحافة مع قضايا وهموم ومشكلات المجتمع، فالصحف من خلال طرحها لعدد من القضايا والمشكلات تسهم إلى حد كبير، فيصبح قوة كبيرة في بناء المجتمع وتطويره والنهوض به في مختلف المجالات، فكل مجتمع ولاسيما المجتمع النامي يحتاج إلى تعبئة جهوده الوطنية من أجل التنمية، وكشف أشكال الفساد والمحاباة والمحسوبية وعدم الكفاءة والفشل في إدارة المشاريع وتنفيذها، فالنقد وطرح الحلول الناجحة الذي يقوم به التحقيق الصحفي وظيفة أساسية لتقدم المجتمع ورقيه. وهي عملية أصبحت وسائل الإعلام الجماهيرية وفي مقدمتها الصحافة وبخاصة في الآونة الأخيرة، من خلال الأشكال التحريرية التي تقدمها، ومن ضمنها التحقيق الصحفي كما تذكر بعض الدراسات لها دور مهم في وقاية المجتمعات من الانحراف وشروره بما تملكه من إمكانات متعددة إذا أحسن استخدامها فبمقدورها أن تؤثر إيجابيا في هذا المجال، وأن تقدم وجهات النظر المختلفة بعكس ما يراه البعض من أن مهمة الصحافة الأساسية هي تقديم الأخبار وتحليل الأحداث وشرحها وتفسيرها، فالصحيفة الجيدة تكرس أفضل جهودها لتحقيق هذه الغاية. وعلى ضوء ذلك، فالصحيفة التي تفشل في تحقيق أو أداء هذا الدور يمكن أن تحدث آثاراً سيئة في المجتمع من جانبين : الجانب الأول هو الشعور بالإحباط النفسي في الوجدان العام للمجتمع، أما الجانب الثاني فهو دفع القراء إلى الإعراض وعدم التجاوب واللامبالاة ثم البحث بعد ذلك عن مصادر صحفية بديلة تحقق لهم هذا الدور، إن تحديد الأخطاء ومعالجتها بدلاً من السكوت عنها، أمر بالغ الأهمية في الحياة الاجتماعية، وأن يكون النقد المقدم عبر التحقيقات الصحفية بناءً وبعيداً عن الاعتبارات الشخصية والذاتية وبأسلوب حكيم يبني ولا يهدم. وهو من الأهداف التي يجب أن تهتم بها الصحف من خلال التحقيقات الصحفية، والصحف بذلك تلعب دوراً مسانداً للحكومة في تأدية دورها على أكمل وجه، كما أنها تلعب دوراً أساسياً للدفاع عن مصالح الناس. وعليه فإن قيام التحقيق الصحفي بهذا الهدف يؤدي إلى توفير الحقائق اللازمة والهادفة من أجل توضيح مختلف وجهات النظر حول القضايا المطروحة في متن التحقيق وتوفير الأدلة اللازمة والمطلوبة لدعم الاهتمام والمشاركة الشعبية على نحو أفضل بالنسبة لكل الأمور التي تهم المجتمع محليا وقومياً. فواجب الصحف تجاه القراء هو إطلاعهم على الأمور المهمة التي تمس حياتهم ومصالحهم وأن تكون بمثابة الرقيب على الممارسات الخاطئة، فالمشكلات التي تعترض المجتمع تتطلب مواجهة حاسمة من قبل مؤسسات المجتمع ومن ضمنها الصحافة التي ينبغي عليها أن تتعرض لها بالحوار والرأي والمناقشة والعرض والتحليل لتوفر إحساساً لفئات المجتمع بها، مما يعني أن هذا سيؤدي إلى مواقف إيجابية يكون لها تأثيرها في توجيه سلوك الناس وتحويل توجهاتهم وسلوكهم نحو البحث عن حلول لهذه المشكلات. رابعاً: النهوض الثقافي: فالتعريف بالتراث وبالآداب والفنون والمعارض جميعها معطيات ثقافية تجد الصحف نفسها ملزمة بتقديمها لجمهورها، أو لخدمة توجهات هذا الجمهور والاحتفاظ به باعتبار أن الثقافة حاجة يسعى إليها الناس ويرتبطون بمن يقدمها لهم. حيث يتم بذلك المحافظة على الإرث الثقافي والحضاري للمجتمع، والتحقيق الصحفي بهذا يعد من أقدر أشكال التحرير الصحفي على طرح القضايا الثقافية من جميع جوانبها. وتثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات، وتطبيع الناس على عادات وتقاليد المجتمع، مما يهيئ الفرد للتعامل مع الناس والتكيف مع البيئة. ويعمل التحقيق الصحفي من خلال هذا الهدف على التعبير عن الثقافة السائدة في المجتمع والكشف عن الثقافات الفرعية والثقافات النامية ودعم القيم الشائعة والمتمثلة في قيم التواصل الاجتماعي وما يرتبط بها من عادات وعلاقات اجتماعية بين مختلف فئات المجتمع، وكذلك قيم التواصل الفكري عن طريق اللغة والكلمة وعادات المثقفين والمتعلمين في التواصل مع بعضهم ومع غيرهم، وإضافة لما سبق يعمل التثقيف من خلال التحقيق على نقل التراث الثقافي من جيل إلى آخر، خامساً: التسلية والترفيه تعد التسلية والترفيه من الأهداف ذات الأهمية في وسائل الإعلام ومنها بطبيعة الحال الصحافة بما في ذلك التحقيق الصحفي؛ خصوصاً في ظل تعقد الحياة والضغوط الكبيرة التي يعيشها الإنسان، من خلال ذلك على الابتعاد بالإنسان عن هذه الضغوط، من خلال تقديم جوانب مسلية وممتعة في الحياة، بعيداً عن اهتماماته الأخرى، أو المتعلقة بنجوم المجتمع.