لم يكن حفظ القرآن جميعه شــائعا فى عهد النبى كما شــاع بعد، فكان حفظ القــرآن موزعا على الصحابة، قال أبو عبد الرحمن الســلمى: حدثنا الذيــن يقرأون القرآن كعث¦ن بن عفان وعبد الله بن مســعود وغيرما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبى آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا فيها مــن العلم والعمل كان يحفظ ولا ينتقل من آية إلى آية حتى يفهم. فى القــرآن آيات كثيرة محكمة واضحة المعنى، وهى التى تتعلق بأصول الدين وأصــول الأحكام، وخاصة منها الآيات المكية التى تدعو إلى أصول الدين كســورة الأنعام؛ وهذا النوع من الآيات يســتطيع فهمه جمهور الناس ولا سيما من كانوا عربا بسليقتهم؛ وفى القرآن آيات غامضة هى التى سميت متشابهة، ولم يصل إلى معرفتها إلا الخاصة. وكان من الصحابة على العموم أقدر الناس على فهــم القرآن، ومع هذا فقد اختلفوا فى الفهم على حسب اختلافهم فى أدوات الفهم، ١ - أنهــم كانوا يعرفــون العربية على تفاوت فيما بينهــم وإن كانت العربية لغتهم، فمنهم من كان يعرف كثيرا من الأدب الجاهلى، ويستعين بذلك فى فهم مفردات القرآن، ويشــاهد الأسباب التى دعــت إلى نزول الآية، ومعرفة أســباب التنزيل من أكبر ما يع ين على فهم المقصود من الآية، والجهل بها يوقع فى الخطأ. ٣ - كذلــك اختلافهم فى معرفة عادات العرب فى أقوالهم وأفعالهم، فمن عرف عــادات العرب فى الحــج فى الجاهلية اســتطاع أن يفهم آيــات الحج أكثر ممن لم يعرف، وهكذا وكذلك الآيات التى وردت فى التنديد بمعبودات العرب وطريقة عبادتهم لا يكمل فهمها إلا لمن عرف ماذا كانوا يفعلون؟ ٤ - ومثــل هذا معرفة ما كان يفعلــه اليهود والنصارى فى جزيرة العرب وقت نزول الآيات، ففيها إشــارة إلى أعمالهم ورد عليهم، وهذا لا يتم فهمه إلا بمعرفة مــا كانوا يفعلون، من ذلك ونحــوه كان الاختلاف بين الصحابــة فى الفهم، وكان التابعون ومن بعدهم أشد اختلافا. هناك تفسير يسمى التفسير بالمنقول ويعنون به: حتــى كانت كتب التفســير المؤلفة فى العصور الأولى مقصورة على هذا النحو من التفسير. يعرف المفسر كلام العــرب ومناحيهم فى القول، ويعــرف الألفاظ العربية ومعانيهــا بالوقوف على ما ورد فى مثله من شــعر الجاهلى ونحوه، ويقف على ما صح عنده من أســباب نزول الآية مســتعينا بهذه الأدوات ويفسرها حســب ما أداه إليه اجتهاده، مثل كثير مما ورد عن ابن عباس وابن مسعود، فهذا الاختلاف نتيجة اختلاف فى الرأى، لا نتيجة اختلاف فى المنقول، وقد اختلفوا فى معانى الآيات خلافهم فى معانى الألفاظ. فإذا سمعوا قصة كلب أصحاب الكهف قالوا: ما كان لونه؟ وإذا سمعوا «فقلنا اضربوه ببعضها» تساءلوا: ما ذلك البعض الذى ضربوا به؟ وما قدر سفينة نوح؟ وما اســم الغلام الذى قتلــه العبد الصالح فى قصة مــوسى معه؟ وإذا تتلى عليهــم «فخذ أربعة من الطير «قالوا: ما أنواع هذا الطير؟ وما هى الكواكب التى رآها يوســف فى منامه؟ وكذلك إذا ســمعوا قوله تعالى فى قصة موسى مع شعيب سألوا: أى الأجلين قضى موسى؟ وهل تزوج الصغرى أو الكبرى؟. فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم. وأكثر من روى عنه منهم: على بن أبي طالب، وإذا نحن ألقينا نظرة على ما روى من التفسـير عن ابن عباس وغيره وجدنا منبعه هو الأشــياء الثلاثــة التى ذكرناها ٌ قبل: نقل عــن النبى أو رواية حوادث وقعت أمامهم توضح معنى الآية، واجتهادهم فى الفهم معتمدين على الأدب الجاهلى ومعرفتهم بلغة العرب والعادات التى كانت فاشية فى الجاهلية وصدر الإسلام،