الأحفاد الإمام سعود بن فيصل الذين اعتمدوا في تحرّكاتهم ، على فئات من قبيلة عتيبة . ولقد حاول الملك عبد العزيز أن يتفادى تدهور العلاقات بينه وبين الشريف ، فأرسل إليه صالح بن عَدّل للتفاوض - ومعه هدية مُكوّنة من أربع من الخيل وأربع من الإبل - فاستقبله الحسين استقبالا حسنا ، لكن بلغه مقتل عَفَاس بن محيّا ، أحد فرسان عتيبة المشهورين ، ولم يصغ إلى ما عرضه ابن عَدّل من آراء بَنَاءة ) . فازدادت العلاقات توتُرَا . كان الملك عبدالعزيز عازما على توحيد منطقة الأحساء والقطيف مع ما وَحَده من أقاليم نجد لأسباب متعددة أهمها : 1 - أنها كانت جزءا من الدولتين السعوديتين الأولى والثانية . ۲ - أن استيلاء العثمانيين عليها ، كان بمثابة حيلة مهد الها استنجاد الإمام عبدالله بن فيصل بهم في نزاعه مع أخيه سعود . فأصبح من قدم منجدًا في الظاهر مُحتلا حقيقة . ۳ - أن العثمانيين وقفوا مع خصمه ابن رشيد ، وأن سلطاتهم في المنطقة المتحدّث عنها كانت تقف ضد تحرّكاته ونشاط أتباعه ، وكانت تؤوي خصومه ) . 4 - أن تلك المنطقة ضرورية لأي دولة تقوم في نجد لأنها المنفذ البحري التجارتها . 5 - أنها غنية بمواردها الزراعية ، وأنها مُهمّة بموانئها البحرية تجاريًا وجمركيًا . 6 - أن دخولها تحت رايته فيه تعزيز لقوته أمام خصومه شمال بلاده وغربها . وكان الملك عبد العزيز يُفكر في توحيد منطقة الأحساء والقطيف منذ قضائه على الأمير عبد العزيز بن رشيد عام ۱۳۲۶ هـ ) . لكنه ظل ينتظر بثاقب بصيرته ، أن تلك الظروف قد تهيّأت مع بداية عام ۱۳۳۱ هـ ؛ الحسين بن علي ، قد ضايق التجار النجديين و السنتين السابقتين لذلك العام ، ومنع الاتصال التجاري بين الحجاز ونجد ، رغم أن الملك عبد العزيز قد اعترف بالسيادة العثمانية عام ۱۳۲۸ هـ . ولذا كان لا بد من البحث عن جهة أخرى يتحقق فيها ما فقد في الحجاز . ۲ - أن السلطات العثمانية في الأحساء سمحت لخصوم الملك عبد العزيز من البادية ، عامي ۱۳۲۹ و ۱۳۳۰ هـ ، بأن تلجأ إلى مدن تلك المنطقة عند مهاجمته لهم ) 3 - أن الملك عبدالعزيز قد انتصر على خصومه في نجد ، وأصبحت جبهته مع إمارة جبل شمر هادئة نسبيًا . 4 - أن الدولة العثمانية قد انهزمت أمام إيطاليا في ليبيا ، وانشغلت بالحرب في البلقان ، فاصبحت سلطاتها في الجهات النائية عن مركز قوتها ضعيفة . ولعل مما يدل على شعورها بضعف حامياتها في الأحساء والقطيف - مثلا - أنها طلبت من الملك عبدالعزيز نفسه أن يرسل قوة الدعم تلك الحاميات . لكنه اعتذر عن عدم تمكنه من ذلك ؟ ) . ومن المحتمل أنه قد أدرك أن تلك المنطقة آيلة إليه لا محالة ، وأن ذهابه إليها منجدّا للسلطات الحاكمة فيها سيملي عليه أخلاقيًا ألأ يسيطر عليها ، لأنه لن يتصرّف تصرّف العثمانيين مع عمه عبد الله . - أن السلطات العثمانية قد أرهقت سكان المنطقة بالضرائب ) . وعجزت عن حفظ الأمن خارج أسوار المدن ، بحيث أصبحت فئات من البادية تعتدي على الممتلكات دون رادع ، وأصبح الحاضرة من السكان يتطلعون إلى من يُخلصهم من الوضع الذي هم فيه . وكان الملك عبد العزيز يدرك أن أولئك السكان ، الذين عرف آباؤهم ما حققه أسلافه من حزم وعدل ، سيرون فيه القائد الذي ينتظرون . 6 - أن البوادر توحي بأن بريطانيا ستنجح في إبعاد العثمانيين عن شرقي الجزيرة العربية . فإن تحقق ذلك فإن من الصعب إخراج البريطانيين من المنطقة . فلا بد إدًا من الحيلولة دون استيلاء بريطانيا عليها بالسبق إليها . ولقد مهد الملك عبدالعزيز لإقدامه على توحيد منطقة الأحساء والقطيف بخطوات ذكية . منها أنه اتصل بمن يثق بهم من سكانها ليمدّوه بالمعلومات المفيدة له ، ويهيئوا له ما كان في حاجة إليه من الوسائل الميرة لدخوله الأحساء ( ۳ ) . ومنها أنه ذهب بأتباعه إلى تلك المنطقة ، فلما اقترب منها سأله المسؤولون فيها عن هدفه ، والتزوّد بالأطعمة . ودخل أتباعه الأحساء فاشتروا ما أرادوا . أو أكثرهم ، في الخفس ( 4 ) . وأتبع ما تقدم بأن أغرى قبيلة المُجَمان بالغزو معه ضد مطير ، وواعدها في مكان بعيد نسبيًا عن الأحساء ، وذلك أنه خشي أن تقوم بما ولما تيقن من ذهابها إلى المكان الذي واعدها فيه هب مسرعا نحوهدفه : مدينة الهفوف ، قاعدة الأحساء ، وقوّتهم ، وتحرّكاتهم ، وهُيّأوا له الحبال وغيرها من الوسائل المعينة على دخوله البلدة . لكن أغلب أفراده كانوا من الحاضرة ؛ خاصة أهل العارض وما جاورها . وتختلف المصادر في كيفية دخوله البلدة ، لكن من الممكن الخروج مما ذكرته بأنه قسم رجاله إلى قسمين : قسم أبقاه خارجها بقيادة عبد الله بن جلوي ليحمي ظهور الداخلين إليها من أي هجوم قبلي عليهم . وقسم بقيادته يدخل البلدة ويستولي عليها ( ۳ ) . وقد بدأت العملية بإعطائه إياهم تعليمات يجب عليهم تنفيذها بعد الدخول . وأدلوا الحبال ، فتسؤر الآخرون ، ثم انتشروا في البلدة بسرعة . أما الحامية التركية فتحسّنت بقصر إبراهيم ومعها المتصرّف . وقد عملت فتحة في سور البلدة دخل منها الملك عبدالعزيز وباقي رجاله ) . وذهب فور دخوله تلك البلدة إلى منزل الشيخ عبد اللطيف الملا ، وسارع أعيان البلاد إلى مبايعته هناك ( 9 ) . ثم أرسل مندوبًا إلى المتصرّف يخبره بأن عليه أن يستسلم وإلا فإنه سيهاجمه . فاشترط ا ن يسلم بشرطين : أولهما الأمان على أنفس رجاله وأموالهم وجميع ما لديهم من سلاح وذخائر . وثانيهما أن يكتب أعيان البلاد كتابا بأنهم لا يريدون بقاء عسكر الدولة لديهم . فقيل الملك الشرط الثاني ، كما قبل الشرط الأول على ألا يخرجوا إلا بسلاحهم الشخصي . واستسلم هو ورجاله ) وكان ذلك في الثامن والعشرين من جمادى الأولى ( ۱۹۱۳ / ۵ / 4 م ) ( ) . ثم قام الملك عبد العزيز بترحيلهم إلى العُقَير . فالبحرين . وبعد ذلك أرسل سُريّة بقيادة عبدالرحمن بن سويلم إلى القطيف ، فتمكنت من دخولها دون صعوبة ) . وهكذا تم توحيد تلك المنطقة تحت راية الملك عبد العزيز . ومن الواضح أن العثمانيين قد ساءهم ذلك العمل الجريء ، الذي فاجأهم الملك عبد العزيز به ، وأجبرهم على مغادرة الأحساء والقطيف ، ولذلك فإن إغراء من أغراهم بالعودة إليها قد لقيت منهم آذانا صاغية ) . وقد أقبلوا من البحرين صوب العَقير . فلما وصلوا إليها بعث قائد سريّة الملك فيها من أخبره بذلك ، وصمد مع رجاله أمام المهاجمين ، بل تمكنوا من أسر أعداد منهم . ولما رأى المهاجمون طليعة خيل النجدة المرسلة من الأحساء سارعوا إلى ركوب سفنهم عائدين إلى البحرين ) . ومكث الملك عبدالعزيز مدة في الأحساء حتى اطمأن إلى استتباب الأمور فيها . ثم عُيّن عبد الله بن جلوي أميرًا عليها ، وعاد إلى الرياض في العشر الأواخر من رمضان . ولقد حاول العثمانيون إرسال قوة من العراق بحرًا لاسترداد الأحساء والقطيف ، لكن بريطانيا حَذَرتهم من مُفيّة ذلك ( ۳ ) . وكانت رياح الحرب العالمية الأولى قد أوشكت أن تهب ، فاجتمع هذا مع صعوبة اتخاذهم أي خطوة عسكرية ضد الملك عبد العزيز ، وأدركوا أن من الأفضل لهم أن ينهجوا في تعاملهم معه نهجا آخر . ولعل مما شجّعهم على ذلك أيضًا ، أن الوكيل السياسي البريطاني البحرين قد اجتمع به في العقير أوائل عام ۱۳۳۲ هـ ) . فخافوا من توثق علاقته بالبريطانيين . وبدأوا بالاتصال السلمي به ، إلى أن أرسلوا إليه وفدًا برئاسة السيد طالب النقيب ، واجتمع به في الصّبيحيّة ، واتفق معه على أمور من أهمّها اعترافه بالسيادة العثمانية مقابل مساعدته بالمال والسلاح . وقد صدّق الباب العالي على ذلك الاتفاق ، وشكر الملك عبد العزيز ، كما منحه نيشانا عثمانيًا من عليه على أي حال . الدرجة الأولى ) . على أن قيام الحرب العالمية الأولى حال دون تنفيذ ما اتُفق عليه على اي حال بدأت الحرب العالمية الأولى عام ۱۳۳۲ هـ ، وقد مرّت خلالها أوضاع الملك عبد العزيز داخليًا وخارجيًا بحوادث مُهمّة ١ - علاقته بأمراء جبل شمر كان لدي سعود الصالح بن سبهان طموح إلى تولي مكانة قريبه زامل بن سبهان في الإمارة ، فأوغرصدر الأمير سعود بن رشيد على ذلك القريب ، واحتل مكانته ) . ولقد كان زامل ذا رأى راجح ، فاختار مهادنة الملك عبد العزيز فترة ، لكن سعودًا لم يكن مثله ؛ بل رمي بثقل الإمارة مع الدولة العثمانية ، فأمدّته بالمال والسلاح . وأهذ كل منهما يستعد لمجابهة الآخر ، حتى وقعت بينهما معركة جراب . استنفر الملك عبد العزيز من استطاع من أتباعه ؛ حاضرة وبادية ، وسار بهم حتى وصل إلى جراب ؛ وهو موضع قريب من بلدة الزّلفي . أما ابن رشيد فجمع قواته ومن استجاب له من قبيلة شمّر ، ونزل بهم حول قبة . وشدّ الملك من جراب متجها صوبه ، لكنه ما إن سار قليلا حتى فوجئ بخصمه أمامه مستعدًا لقتاله . وذلك في اليوم الثامن من ربيع الأول عام ۱۳۳۳ هـ / ۱۹۱۵ / ۱ / ۲۳ م . وقد حدث أن كان الملك عبد العزيز وأتباعه فرجعت كفة الملك عبد العزيز ومن معه على كفة من أمامهم ، وتقهقروا . أما أتباع الملك عبد العزيز من أهل القصيم فكان أمامهم أهل القصر وأهل مغيضة وفئات من شمّر . وقد تغلب هؤلاء على أولئك الأتباع ، ولما رأى الملك ومن معه ما حَلّ بهذا الفريق من أتباعه حَلَت بهم الهزيمة أيضا . وكانت فئات من شمّرقد أغارت على إبل الملك عبد العزيز في أثناء القتال ، وأخذت منها ما استطاعت أخذه . لكن الأكثر إيلامًا أن فئات من البادية التي كانت معه وفي مقدمتها العُجمان أخذوا ما استطاعوا أخذه من تلك الإبل ، ومضوا بها . وكانت قبيلة مطير المتحالفة معه لم تصل إلى ميدان المعركة إلا وقد بانت نتائجها ، فانتهزت الفرصة بالإغارة على إبل ابن رشيد ، والاستيلاء على أعداد كبيرة منها ) . وقد قتل من أتباع الملك عبد العزيز عدد من المشاهير بينهم محمد بن جلوي ، ومحمد بن شريدة " ، وصالح الزامل أمير غزو أهل عنيزة ) . وكان من بين القتلى الضابط البريطاني شكسبير ، الذي كان قد أتى إلى نجد للتفاوض مع الملك عبد العزيز ، وأصرّ على حضور المعركة ( 5 ) وبعد تلك المعركة وصل الملك عبد العزيز إلى الأرطاوية ، حيث التحق به بعض أتباعه ، ثم انطلق من هناك إلى بُرَيدة ) . أما ابن رشيد فوصل إلى فَبَة . فانتقل من موضعه إلى الأسياح تم الاستيلاء على القصيم . لكن ما إن علم بوصول الملك عبد العزيز إلى بريدة التحاق أتباعه به حتى رحل من الأسياح مُتّجها شمالا . وبعد محاولة غير ناجحة الضرب فئات من مطير عاد إلى حائل . أما الملك عبد العزيز فتوجه ببعض أتباعه شمالا حتى وصل إلى الكهفة ، ثم عاد إلى الرياض . وفي شهر رجب تصالح الطرفان ) ، لكن صلحهما لم يستمر إلا شهرًا وأيامًا . ذلك أن هزيمة الملك عبد العزيز أمام العجمان في كنزان أغرت ابن رشيد بنقض الصلح ومحاولة التوسع على حسابه . وأخذ إبلا وغنما لأهل يُرَيدة الذين كانوا يعتقدون أنه متمسك بالصلح . ثم نزل الطرفية في منتصف رمضان ، وأرسل رسالتين : إحداهما إلى أمير عُنيزة ، والأخرى إلى زعماء بريدة ؟ ) . يطلب من الجميع أن ينضمّوا إليه مشيرًا إلى أنه مُتأكد من مقتل الملك عبد العزيز . لكن هؤلاء رفضوا طلبه ، ولاموه على نقض العهد ، وحَذَروه من مُغيّة ذلك ( ۳ ) . ولكون ابن رشيد نازلاً قرب بُرَيدة طلب أهلها من أمير عُنيزة نجدة ترابط لديهم وتساعدهم في الدفاع عن بلدتهم ، فبعث إليهم ذلك الأمير ۱۲۰ رجلا بقيادة ابن أخيه عبدالله الخالد . وقد هاجم ابن رشيد حُب القبر ، فعاد إلى معسكره في الطرفية . وبينما هو ذلك المعسكر قدم إلى القصيم سعود بن عبد العزيز السعود الكبير ) ، ومعه فئات من مُطير وعتيبة ، فخشي ابن رشيد أن ينضمّ إليه اهل القصيم ، فيقوم الجميع بمهاجمته ، فانسحب من مكانه ، مُتجها شمالا أواخر اشوال سنة ۱۳۳۲ هـ . وقام سعود بهجمات ناجحة على فئات من شمّر . وقد شهد عام ۱۳۳۵ هـ غارات لابن الملك عبد العزيز ، الأمير تركي ومعه أتباع بينهم فئة من مُطير ، على مواضع قريبة من حائل . وكان الأمير سعود بن رشيد حينذاك قد خرج من قاعدة إمارته غازيًا الأطراف الشمالية الشرقية من جزيرة العرب . فأسرع عائدًا إلى جبل شمر للدفاع عن بلاده ( ۱ ) أما عام ۱۳۳۵ هـ فشهدت بدايته تغلغل نفوذ سعود بن سبهان في إمارة جبل شمر لدرجة أنه بدأ يفكر في عزل الأمير سعود بن رشيد نفسه عن الإمارة لكن هذا الأمير اكتشف أمره ، فاضطره إلى الفرار إلى العراق ، حيث بقي هناك حتى قتل عام ۱۳۳۹ هـ . وقد حَلَ مَحله في مساعدة أمير الجبل عقاب بن عجل ( ۲ ) . وفي أواخر عام ۱۳۳۹ هـ قام الملك عبد العزيز بغارة على أطراف جبل شمّر . فخرج الأمير سعود بن رشيد المدافعته ) . وفي بداية العام التالي أدرك هذا الأمير أن موقفه قد بات ضعيفا لعدة أسباب منها أن الدولة العثمانية التي كانت إلى جانبه قد هزمت في الحرب . ومنها أن فئات من شمر اعتنقت حركة الإخوان المشهورة ، فأصبح ولاؤها السياسي للملك عبد العزيز . ولذا طلب الصلح من الملك ، فاستجاب له ) . ۲ - قضية العجمان سبقت الإشارة إلى ما حدث من قبيلة العجمان في معركة جراب . وكان ذلك مما أغضب الملك عبد العزيز عليها . لكن تعامله معها ارتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقة مع الكويت . فقد توجهت تلك القبيلة بعد المعركة المذكورة إلى شمال شرقي الجزيرة العربية ، وأخذت تعتدي على قوافل التجارة وبعض العشائر هناك ، وكان من تلك القوافل والعشائر ما هو تابع لأمير الكويت وأهلها ) . فاستنجد ذلك الأمير بالملك عبد العزيز لردّ ما أخذته من أتباعه . وتردد الملك في بداية الأمر في اتخاذ إجراء ضد قبيلة العجمان لعدم ثقته بصدق موقف من استنجد به عند الحاجة . ثم استجاب له بعد أن عاهده على أن يُمدّه برجال وسلاح ) ، على أن زعماءها لم ينتظروا ، فقد توجهوا بقبيلتهم إلى الأحساء ذاتها ، وكان هذا وذاك من بين الأسباب التي دفعت الملك عبد العزيز إلى التوجه إلى الأحساء لمحاربتهم . ووصل إلى هناك في شهر شعبان ، سنة ۱۳۳۳ هـ ، ومعه مئات من الحاضرة ، وانضم إليه آخرون من حاضرة تلك المنطقة وباديتها ، ثم انطلق بهؤلاء المهاجمة العَجمان ليلا في كنزان . لكنهم كانوا على علم بتحرّكه ، وانسحبوا من خيامهم إلى مكامن تحيط بها . وانطلى الأمر على المهاجمين ، ولما كادت ذخائرهم تنفد انقض عليهم العَجمان من كل اتجاه ، فَحَلَت بهم الهزيمة ، وجرح الملك عبد العزيز ، وقتل أخوه سعد . وكان ذلك في ۱۳۳۳ / ۸ / ۱۰ هـ ( 4 ( ۱۹۱۵ / ۹ / ۲۷ م ) . وانسحب المنهزمون إلى بلدة الهفوف قاعدة المنطقة فتعقبهم العَجمان ، وفرضوا حصارًا على تلك البلدة وقراها . ثم وصلت إليه نجدة أخرى من الكويت بقيادة سالم الصباح . وبات موقف العُمان يضعف تدريجيًا حتى قُرّروا الانسحاب من مواقعهم ، وتوجه أكثرهم شمالا . فخرج الملك عبد العزيز في إثرهم ، وقسم أتباعه إلى فرقتين : إحداهما بقيادته تهاجمهم ، والأخرى بقيادة أخيه محمد وسالم الصباح تطاردهم إذا انهزموا ولما فعلت المدافع التي معه فعلها انهزم العجمان ، فتبعهم محمد وسالم ، لكن سالما توقف عن مهاجمتهم لأسباب تختلف المصادر في تحديدها ) . وقد أثار ما فعله سالم غضب الملك عبدالعزيز ، ثم اشتد غضبه حينما قبل مبارك التجاء العُجمان إلى الكويت . على أن الأجل وافي مباركا في شهر المحرم سنة ۱۳۳۶ هـ ( ۲ ) . فحاول خليفته جابر أن يُحسّن علاقته بالملك عبد العزيز ، وطلب من العجمان النزوح عن بلاده ، فتوجه أكثرهم شمالا ، وتعهدوا بضمانة بريطانية كويتية مشتركة - ألا يقوموا بأعمال عدائية ضد الملك عبد العزيز . لكن وفاة جابر بعد عام وشهرين تقريبًا من توليه الحكم جاءت بأخيه سالم إلى ذلك الحكم . ومنذ بدأ عهد هذا الأخير بدأ يتلاشى ما تعهد به العَجمان ، وأخذوا يُشنون غارات على أتباع الملك عبدالعزيز عبر الأراضي الكويتية . فاضطروا في نهاية الأمر إلى تغيير موقفهم را با بالانقياد للملك عبد العزيز ، فعفا عنهم ، وعادوا إلى مواطنهم السابقة منطقة الأحساء ، والتحق بعضهم بحركة الإخوان . ٣ - الملك عبدالعزيز والملك حسين : بدأ شريف مكة ، الحسين بن علي ، نشاطا واسعًا لتقوية وضعه العسكري مام ۱۳۳۳ هـ . ومن ذلك أنه فتح الباب أمام من يريدون أن ينخرطوا في سلك جيشه . فالتحق به عدد كبير من أهل نجد ) . وفي العام التالي اشتد الخلاف بينه وبين حكومة الاتحاد والترقي التركية . وكانت تلك الحكومة قد عمدت إلى تتريك ولاياتها العربية ؛ إدارة وتعليما ، مما زاد من الشعور القومي العربي ضدها . وحاولت أن تطبق على ولاية الحجاز ما تُطبّقه على الولايات الأخرى من حيث تعميق السياسة المركزية ) . وبذلك أصبح الحسين بن علي في صف واحد مع الوطنيين القوميين في بلاد العرب الأخرى ؛ وكانت بريطانيا في تلك المرحلة تواجه عقبات عسكرية من تركيا وألمانيا ، ما دفعها إلى التحالف مع الحسين بن علي ومن يقف معه ؛ أملا في التغلب على تلك العقبات . وبذلك التقت مصالحها مع مصالحه ، واتّفقا على العمل معًا . المخض عن ذلك ما عُرف تاريخيًا بالثورة العربية ، التي أطلق الحسين رصاصتها من مقره في مكة يوم التاسع من شعبان سنة ۱۳۳۶ هـ ( ۱۹۱۹ / ۹ / ۱۰ م الأولى من مقرّه في مكة يو وليس المجال ، هنا مجال حديث عما دار بين هذه الدولة الماي والحسين من محادثات ووعود واتفاقيات ، مما فصلته كثير من المصادر والبحوث . اطلب الأتراك من الحسين إرسال مُتطوّعين من الحجاز ، بأنهم يأملون أن يكونوا تحت قيادة فيصل بن الحسين ، الذي كان لدي ذلك الوالي حينذاك . فانطلت عليه الحيلة ، الذي كان عند قائد الجيش التركي فيها ، خُدع بكلامهما ، فأمدّهما بمال وذخيرة ، وجمعا المتطوعين للثورة ضد العثمانيين لا للقتال معهم . وبعد إعلان الحسين الثورة في مكة استسلمت حامية جدة لقواته المدعومة ببوارج بريطانية . ثم تلتها حامية مكة ، ثم حامية الطائف . ورَدًا على ذلك عَيْن العثمانيون على حيدر ، الذي كان حينذاك في الآستانة ، فتوجه من هناك إلى دمشق حيث جهزه جمال باشا بسرعة إلى المدينة المنورة . وكان فخري باشا قد حقق بعض الانتصارات على الثائرينا الدنة وقد استمال الشريف علي حيدر بعض القبائل هناك . لكن انهيار المقاومة العثمانية في الشام أضعف موقف فخري باشا رغم ما أبداه من صمود ونشاط . وقاسى أهل المدينة حصارًا شديدا ، فشجعهم فخري باشا على الخروج منها . ولعل من أسباب ذلك خوفه من انقلابهم عليه ، ورغبته في الحفاظ على ما فيها من مؤن لقواته " . ولما أعلنت هدنة الحرب العالمية أوائل صفر من عام ١٣٣٧ المتضمنة جلاء العثمانيين عن بلاد العرب أمرت الحكومة العثمانية فخري بالتسليم ، لكنه لم يمتثل ، بل ظل يقاوم حتى رأي فرق جيشه نستسلم للجيوش المحاصرة ، فاضطر إلى الاستسلام في الخامس من ربيع الأول سنة ۱۳۳۷ ه ولقد شهد عام ۱۳۳۳ هـ عدم نجاح الملك عبد العزيز في جراب ، ثم هزيمته في كنزان ) . وكان هذا وذاك من بين العوامل التي دفعته إلى عقد معاهدة دارين المشهورة مع بريطانيا في صفر من العام التالي . ومع أن بعض بنود هذه المعاهدة تمنح تلك الدولة نوعًا من النفوذ عليه ، وتحدّ من حركاته ضد بلدان الخليج المرتبطة معها بمعاهدة حماية ، فإن في بعض بنودها الأخرى اعترافا بسيادته على ما تحت يده من مناطق وتعهدًا بحمايته ضد أي عدوان خارجي ضدّه ) . ولما قام الحسين بن علي بثورته وقف الملك عبدالعزيز منه موقفا حذرًا ، لكنه أقرب ما يكون إلى الحياد ؛ انسجاما مع الظروف التي كان يمرّ بها . كان يخشى أن تصبح تلك الثورة وسيلة يتقوّى بها الحسين مستقبلا ، فَيهدّد بلاده وحكمه . ومن هنا فاتح المسؤولين البريطانيين في الخليج بشأنها . وقد حاول هؤلاء طمأنته بأنه لن يحصل عليه أي اعتداء ، فتبادل الرسائل الودية والهدايا مع الحسين ، وسمح لأتباعه بالانخراط في جنديته . لكن الحسين ما لبث أن أعلن نفسه ملكا للبلاد العربية كلها . وكان هذا مما زاد من مخاوف الملك عبد العزيز وغضبه . وقد قام مُمثل بريطانيا في الخليج بدعوته إلى الكويت ، وأسفر الاجتماع به عن أمور منها تخصيص مساعدة مالية شهرية له ، وإمداده بشيء من الأسلحة ، وضمان عدم تدخل الحسين في شؤونه الخاصة أو التحدث باسم العرب باعتباره ملكا عليهم ) ، على ألا يقوم الملك عبد العزيز بأي نشاط ضده . ولعل من أسباب تجاوب بريطانيا النبي مع الملك عبد العزيز خشيتها من أن يفتح جبهة ضد الحسين ، الذي كانت حينذاك تعتمد عليه كثيرًا ضد العثمانيين في جزيرة العرب والشام والعراق . ومَرّ عام ۱۳۳۵ هـ بهدوء نسبي في العلاقات بين عبد العزيز والحسين واستمرت الرسائل الودية بين الطرفين . وختم ذلك العام بحج عشرات الآلاف من النجديين بقيادة محمد بن عبد الرحمن ، أخي الملك عبد العزيز ، لكن نوعا من التوتر طرأ على تلك العلاقات في العام التالي . وكان من أسبابه انضمام فئات من القبائل الموجودة على الحدود ما بين نجد والحجاز إلى حركة الإخوان . على أن الذي أوقد شرارة الخلاف بين الملكين العربيين إظهار كثير من سكان تربة والخرمة التابعتين إداريًا حينذاك للحسين حماسهم للمبادئ التي قام عليها الحكم السعودي ، وهو أمر تعود جذوره إلى عهد الدولة السعودية الأولى . وفي طليعة هؤلاء أمير الخرمة الشريف خالد بن لؤي من انت أيام مختلفة إلى خروجه من طاعة الحسين سنة ۱۳۷۹ م ، منها ما كان بقيادة الشريط از او بود . لكن خائدًا وأنواعه ومن انضم إليهم من الإخوان ، ألحقوا مرائم ساحة بتلك العملات ، وكانت قائمة المعارك و انار دون حول الوانين معركة تربية المشهورة التي حددت بعد انتهاء الحرب المالية الأولى ، أو التحسين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، منذ عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب لكنها أصبحت ذات دلالة تاريخية مز نوطة بحركة ولقد كتب عن هذه الحركة كثير من المؤرخين والباحثين ، نشأة ، ثم محاد مع الملك ( 1 ) والمتأمّل في سيرة الملك عبد العزيز يَتَضح له ما حباه الله به من صفات قيادية . ومن هذه الصفات مقدرته على استنتاج العبر من التاريخ ، وما يم به من تجارب . وتطبيقهم للشريعة الغرّاء ، وأدرك أيضا ، أن العمود الفقري لقوة أولئك الأسلاف في مواجهاتهم مع خصومهم كان الحاضرة من السكان ، وأن القبائل الرجُل - بسبب ما توارثته من تقاليد وما تفتقر إليه من معرفة بالدين حينذاك - كانت تقف بجانب المنتصر في أوقات انتصاره لكن غالبيتها سرعان ما تغيّر موقفها إذا بدت بوادر ضعفه . ولقد زادته تجاربه الخاصة ، خلال السنوات العشر الأولى من مسيرة توحيده للبلاد ، اقتناعا بأن البدو الرحل ليس من السهل صرفهم عن أمور درجوا عليها من مئات السنين ؛ كتبادل الغزوات ، ومهاجمة القوافل التجارية ، وليس من الممكن أن يعتمد عليهم في المعارك كما يعتمد على الحاضرة . بل إن من الصعب السيطرة عليهم الإخوان ) . أمنيًا . ويحثونهم على هجر ما كانوا عليه من أمور نق مع أحكامه ، والاستيطان في أمكنة مُعيّنة لتسهل عليهم معرفة تلك الأحكام تطبيقها ، وبدأت تلك الجهود تؤتي ثمارها عندما قدمت إلى حرمة جماعة من قبيلة حرب من أعيانهم سعد بن مثيب ، ثم انتقلوا في العام نفسه إلى مورد الأرطاوية ، وبدأوا يبنون مساكن لهم هناك ، وأطلقوا على مستوطنتهم الجديدة اسم « هجرة » ؛ إشارة إلى هجرهم نمط حياتهم الأول ، والانتقال إلى نمط جديد يعتمد على أسس دينية . وهكذا نشأت الهجرة الأولى التي أصبحت ، فيما بعد ، مركز الزعيم قبيلة مطير فيصل الدويش . وكان من أعظمها شأنا هجرة المُطفط مقر زعيم أحد فرعي قبيلة عتيبة الكبيرين : سلطان بن بجاد . ولقد شجّع الملك عبد العزيز أولئك الذين رغبوا في الاستقرار ببعض المساعدات خاصة بناء المساجد ، وتأمين الكتب الدينية ، وإرسال الدعاة والمعلمين . وأصبح أولئك المستقرون الجدد والمنضمُون إلى تلك الحركة يتخذون اسم « الإخوان » : إشارة إلى أن ما أصبح ايربط بينهم ليس رباط القبيلة ، بل رباط الأخوّة الدينية المقتبس من قول الله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إخوة [ الحجرات : 10 ] . وقوله : وقاصبحمُ بِنِعمَتِه إخوانا و [ آل عمران : ۱۰۳ ] وبلغ نحمسهم لحياتهم الجديدة درجة جعلتهم يعارضون من لم ينضم إلى الحركة وإن كان من قبائلهم ؛ ناهيك عن أن يكون من قبائل أخرى ، بل نتيجة خوف من بأس أولئك تضمين ومن يُؤيّدونهم ، أو رغبة في مشاركتهم الغنائم التي يكسبونها . وكان من فوائد الحركة لمسيرة توحيد البلاد ما يأتي : لم يكن انضمامهم إليها ناب - القضاء ، بدرجة كبيرة ،