وبها قِوام فَهْم كُتبهم المقدَّسة، فقد كان هذا مع علماء اللغة الهنود؛ كما كان لليونان أثرهم البيِّن في بلورة مفاهيمَ لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، وكان أفلاطون يميل إلى القول بالعلاقة الطبيعية بين الدالِّ ومدلوله، فكان يقول باصطلاحية العلاقة، وذهَب إلى تقسيم الكلام إلى كلام خارجي وكلام داخلي في النفس، فقد خصصوا للبحوث اللغوية حيزًا واسعًا في إنتاجهم الموسوعي الذي يضمُّ إلى جانب النظرية - كالمنطق والفلسفة - علومًا لغوية قد مسَّت كلَّ جوانب الفكر عندهم، وقالوا في أمور اللغة بالسماع والقياس، وكان البحثُ في دلالات كلمات اللغة العربية مما تنبَّه إليه اللغويون القدماء، يهدي إلى ذلك الأعمالُ العِلمية المبكِّرة عندهم، وعادُوا بما اجتمع لديهم من كلام العرب، ولسَادَتِ اللهجاتُ العربية المختلفة، وقد قام أبو الأسود بنَقْطِ كلمات المصحف الشريف عندما فسَدت السَّليقة العربية، وقد كان ذا اطلاعٍ واسع بعلم العربية، ونجد مثل هذه العناية كذلك من الكلاميين والفلاسفة؛ وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركَّب، فلا وجودَ لألفاظٍ فارغةِ الدلالة في عِلمَيِ المنطق والفلسفة، إنما الألفاظُ ودلالاتها وجهانِ لعملة واحدة، فإن دلالةَ الأداة قد يكتنفها غموض، واللفظ لا يدلُّ على ذاته، على أنه ليست له دلالة على ذاته)[16]. فما كانت دلالته واحدةً لا تتجزأ فهو اللفظ المفرد، وتناول ابن سينا تعيينَ العلاقة بين اللفظ والمعنى من جوانب ثلاثة: فكلما تحقق مسموع اسم ارتسم في الخيال مدلوله؛ تمنع من وقوع الالتباس بين الدلالات الثلاث؛ وإذا عنينا به (الضوء) كانت العلاقة بينهما تضمُّنًا)، ويورِد ابن سينا أمثلة يوضح فيها أقسام الدلالة الثلاثة؛ وهي دلالاتٌ تجمع الأنساق كلَّها. فهو الذي يدل كل جزء فيه على معنى، ومن قبل الغزالي وبعده نَلمِس اهتمام الأصوليين عامة بهذا الفن، يُعبِّر عنه بقوله: (واعلم بأن الخط بيان عن القول والكلام، كما أن القول والكلام بيانٌ عما في النفس والضمير من المعاني، فلا بد لكل منهما أن يكونَ واضح الدلالة)[26]؛