الذكاء يظهر لنا الطفل أن الذكاء لا بينى ويتكون ببطء ومن الخارج، كما أسس لذلك علماء النفس الآليين. ومازال هذا سائدا في كل من النظرية والتطبيق التربوي. وطبقا لنظريتهم المعرفية، والانطباعات التي نستقبلها من الموضوعات الخارجية، وتدريجيا، تتضافر معا لتبدأ في تنظيم وبناء العقل. إن المقولة القديمة : «لا يوجد شئ في العقل، تماما مثلما يحدث بصورة أو بأخرى مع بداية الإحساس»، يمكن تطبيقها على هذه العملية. من هنا، مفهوم مشابه، هو أن الطفل ليس سلبيا من الناحية العقلية فقط بل هو مثل آنية الزهور الفارغة، وأنه موضوع أو شئ يمكن ملئه وقولبته. وكما هو معروف، فإن نظامنا التربوي يقدر بيئة الطفل، كما نعطي اهتماما بالغا. التقدير حواس الطفل وإحساسه، لكن، هناك بين مفهومنا ووجهة النظر الاقدم، فرق في رؤية الطفل ككائن سلبي تقريبا، إنه . تمكنه من ا استيعاب الصور من . لكن هذا لا يعني أنه يستقبلها كالمرآة. إن هذا المراقب الحقيقي يتصرف وفقا لبنض داخلي. إنه نوع من الشعور أو المذاق الخاص. وهو - بالتالي - انتقائي في اختياره للصور. وقد ساد هذا المفهوم وانتشر بواسطة «جيمس» حين قال أن أحدا لا يرى الشئ - أبدا - في كلية خصوصية. وهكذا، فالشئ ذاته يوصف بطرق مختلفة بواسطة أفراد مختلفين. فقد لاحظ أن، «إذا كنت مسرورا - بشدة - بحلة جديدة، فستبدأ في ملاحظة ملابس الآخرين، علينا أن نتساءل، ما الشغف والاهتمام الخاص لأطفال صغار، الذي يجعلهم يلتقطون صورا محددة بأعداد لا تحصى مما يصادفونه. ومن الواضح أنه لا يمكن وجود نبض خارجي يظهر النزوع إلى التفكير، إنها المراحل الحساسة المتعاقبة. إن عملية التفكير أو الاستنتاج - وهي طبيعية وخلاقة - تنمو تدريجيا مثل شئ حي. ثم تجني قوة تتمثل في الصور التي تستقبلها من البيئة الخارجية المحيطة بها. فالتفكير بين الطاقة والقوة الأولية التي يبدأ فيها التكوين، والصور المتنوعة تنظم الخدمة التفكير. ويمتص الطفل صوره الأولى ويستوعبها لمساعدة العقل. وكما سنعرف، ومع هذا، فهي - هنا - مجرد بداية. ثم ينمي عقله، وهو يبدأ من هذا المعبر، حتى قبل أن يتمكن من السير على إن هذا يمكن إيضاحه - بصورة أفضل - بمثال يبرز المعنى، أكثر من الشرح. إذ يمكنني رواية حالة خاصة لرضيع في الأسبوع الرابع من عمره، والذي لم يتواجد - إطلاقا - خارج المنزل الذي ولد فيه. ذات يوم كانت الممرضة تحمله على ذراعيها، وكان الرجلان - تقريبا - في الطول والعمر ذاتها. وأبدى الطفل دهشة، ثم خوفا من رؤية الرجلين. وقد كانا مطلعين على ما نقوم به، ويشيعون الهدوء لإزالة خوف الطفل. وقد افترقا مع استمرار الرضيع في التحديق فيهما. أحدهما اتجه يمينا والآخر يسارا. بدا قلقا متوترا. ولم يبتسم له إلا بعد مضي بعض الوقت. لقد كرر هذه الافعال اثنتي عشر مرة، يدير رأسه من جانب إلى آخر. وكان كلاهما يلعب معه، في مناسبات مختلفة. ولقد أدرك الطفل أن هناك كائنا مختلفا عن أمه، أو الممرضة، أو أي من السيدات العاملات بالمنزل. لكنه - فقط - لم ير رجلين معا. فاصبح مذعورا. ثم حدث أن واجهه الآخر، فاكتشف خطأه الأول. ففي عمر مبكر جدا - أربعة أسابيع - أدرك القابلية للخطأ لدى العقل البشري، كما كان يناضل ويجاهد في عملية التجسيد. وإذا لم يدرك الرجلان أو يعيا وجود حياة نفسية للطفل منذ لحظة ميلاده، لم يكن باستطاعتهما أن يساعداه في عملية اكتساب التنبه والتيقظ والوعي. طفل الستة أشهر جالسا . كان . على الارض يلعب بوسادة. وكان غطاؤها مزينا بصور الزهور والأطفال. والطفل يشم الزهور ويُقبل الأطفال ببهجة واضحة. ولم تكن الخادمة موثوقا بها في رعايته، لذا، اعتقدت أن الطفل سيكون مبتهجا مسروراً إذا ما اشتم وقبل - بالمثل - أشياء أخرى. وعليه، فقد اجتهدت في إحضار أشياء أخري له وهي تقول : «شم هذه ! قبل هذا!». لكن النتيجة كانت أن عقل الطفل أصبح مشوشا، فهذا العقل كان يمر بعملية ترتيب وتنظيم نفسه، لذلك كان يبدو سعينا ومطمئنا وهو يحمل على عاتقه تكوين بنيته الداخلية. لقد تم تخريب جهوده الغامضة لتحقيق التناغم الداخلي. والسبب في ذلك، هذه الكبيرة (الخادمة) التي لم تدرك - بل أخفقت في إدراك - ما كان يحدث. ويستطيع الكبار أن يعيقوا هذا الكدح الداخلي، عندما يفسدون - ببداءة - ردود الانعكاس لدى الطفل، دون الأخذ في الاعتبار، يستطيع الكبار كبح رغبات الطفل الأولية. أن يستوعب الطفل جميع الصور التي يستقبها، وبكل وضوحها. وأن يختزن في عقله هو، لقد تم إجراء تجربة مثيرة - بواسطة طبيب أطفال متخصص - حول إشباع الرضع. عند إشباع الاطفال. وقد وجد أنه لا بديل عن لبن الأم يمكن أن يقدم الجميع الأطفال ( على الأقل حتى يصلوا إلى عمر محدد). نظرا لان ما قد يصلح لطفل، وكانت إجراءاته قد اثبتت نتائج رائعة مع اطفال الستة شهور. وكان هذا مريكا ومحيراً، نظرا لأن إشباعهم - بالرضاعة الصناعية - في هذا العمل كان أسهل بكثير، وداخل العبادة كان الطبيب يقدم الخدمات والأدوية مجانا للأممات الفقيرات غير القادرات على رعاية أطفالهن، لم يظهروا أي أعراض مزعجة بعد الأشهر الستة، مثل هؤلاء الذين بقوا في العيادة. وبعد الملاحظات المتكررة، توصل البروفيسور إلى محصلة مؤداها أنه لابد من وجود عوامل نفسية خلف هذه الظاهرة. وحينما وفر وهياً لهم اللهو والتسلية باصطحابهم في نزهات خارج العيادة، استعادوا صحتهم. لقد خلصت تجارب عديدة إلى نتائج أوضحت أن الأطفال - في عامهم الأول - يستقبلون تلك الانطباعات عن محيطهم الذي يمكنهم إدراكه، إلى أن يتجدد غيرها . وهكذا . ومن بداية عامه الثاني، لا يصبح الطفل مأخوذا ومنبهرا بالأشياء المبهرجة والألوان البراقة، للدرجة التي تنتقل معها البهجة إلى خصائص المراحل الحساسة. لكنه يبدأ الاهتمام بالأشياء الدقيقة التي تغيب عن ملاحظتنا، وقد لاحظت هذه ا الحساسية - لأول . خمسة عشر شهرًا. سمعت ضحكتها تأتي . وهو أمر غير اعتيادي من طفلة صغيرة كهذه. لقد ذهبت - بمفردها - وكانت تجلس فوق كتلة مستطيلة مضغوطة بداخل الحديقة. وبالجوار، كان هناك سرير رائع لونه أحمر قان، يزهر احمراره ويزيده بريقا أشعة الشمس. لكن الطفلة لم تكن تنظر إلى كل ذلك. لقد وضعت عينها - تماما - على الأرض، حيث لم ييد شيئًا يمكن رؤيته. لقد وقعت أسيرة إحدى هؤلاء الأطفال ممن يمكنهم إرباكنا، وما لبثت الطفلة أن شرحت لي في لهجة واثقة: «شئ صغير يتحرك هناك». تجري بسرعة فائقة. بل والجري أيضًا. حتى بهذا الصغر يمكن السير. بل والجري أيضًا. لقد كانت الطفلة الصغيرة سعيدة ومندهشة في آن معا. ولا ألوانها الزاهية ! وبطريقة مشابهة، فقد وضعت أمه - له - مجموعة ضخمة من الكروت الملونة ليلعب بها. بدا الطفل سعيداً وحمل إلى تلك المجموعة، وبكلامه الطفلي، قال لي: «بام - بام» ومعناها وتوموبيل». وأدركت أنه أراد أن يجعلني أشاهد صورة «سيارة». وكان واضحا أن أمه قد جمعتها بغرض إسعاده، الأسود، حمير، وكائنات حية. لكن المثير للغرابة، لم يكن بينها صورا - أو حتى صورة واحدة - السيارة. قلت للطفل: «لم أر أية سيارة». نظر إلي ملتقطا كارت، ثم قال بانتصار: «ها هي هنا!». في وسط الصورة يمكن رؤية كلب صيد، وفي هذا الطريق يمكن رؤية بقعة صغيرة سوداء. أشار إليها الطفل بأصبعه وقال: «بام - بام». وفي الحقيقة، ورغم كونها صغيرة لدرجة - غالبا - لا يمكن رؤيتها ، فجأة قال الطفل: «إنه نائم». أجاب الطفل بجدية: «يسوع . وأوما إلي بإشارة لاعيد الصفحة حتى أرى بنفسي. ورأيت أنها تقدم المسيح ينظر لأسفل. مثل شخص كان ناتما. لقد انجذب انتباه الطفل إلى تفاصيل ما كان ليلحظها الكبير. واصلت شرحي للصور، قلت : «انظر . بعث يسوع إلى الأرض، والناس خائفون، أنظر كيف يحرك الولد عينيه، وكيف تمد المرأة ذراعيها ؟». وأدركت كم كنت غير موفقة في اختيار الصورة المناسبة، وكيف أن الشرح لم يكن ملائما لطفل. لكني شغفت بتحققي من الاختلاف من رد فعل طفل صغير، وآخر كبير حيال هذه الصورة المعقدة. لكن استمري في تقليب الصفحات وتغييرها». ولم يبد وجهه الصغير أيا مما يدل على اهتمام. بدأت في تقليب الصفحات مرة ثانية، بعد ذلك قال «باني . ثم فجأة، فعلت ذلك، ولاحظت أن هناك - فعلا - أرنب صغير موضوعا على جانب صورة «التجلي». لكن سؤال الكم أو درجة الاختلاف، لكن، هذا التأثير ذاته، حين يصرخ طفل الطفل آخر . عظيم كي ظنا منه أن أن الأخير لاخير طفل : «لكني يسمعه، لقد اطمئن الكبار إلى كون الصغار حساسين - فقط - للأشياء المبهجة. الألوان البراقة، وكلنا لاحظنا كيف ينجذب الأطفال للأغاني، وللاضواء اللامعة البراقة . انجذاب خارجي ومؤقت، ويمكن أن يكون تسلية ولهوا، أكثر من كونه نعمة أو هبة. وعلينا أن نجري مقارنة مع أسلوبنا في التصرف. إذا كنا مستغرقين في قراءة كتاب شيق، وفجأة سمعنا صوت فرقة موسيقية تمر بجوار الشارع، إذا ما رأينا أحدا يفعل هذا، فمن الصعب أن نخلص إلى أن الإنسان ينجذب بشكل خاص إلى الاصوات المرتفعة. نستنتج هذا بالنسبة للاطفال الصغار. يخطف انتباه الطفل، هي - تقريبا - موقف عرضي طارئ، وليست حقيقة ثانية علميا. إذ ليس لذلك علاقة في الطريقة التي يستغرق بها تفكيره - كلية -في أشياء دقيقة وصغيرة جدا، . لكن . من ينجذب لاصغر الاشياء ويركز انتباهه عليها بهذه الدرجة، لكن - ببساطة - لأن استغراقه فيها، انطباع عن حبه للفهم. بالنسبة للكبار، إنه أمر مربك ومحير لهم. أكثر مما لديه من طاقات نفسية داخلية، علينا أن نحاول فهم أن هناك سبب يدرك بالعقل فقط، وهو ما وراء نشاطات الطفل. إنه لا يفعل شيئًا دون سبب ما، محرك ماء من السهل القول أن كل رد فعل طفلي لا يتخطى كونه نزوة أو طيشا، لكن هذه النزوة هي شئ أكثر من ذلك. إنها مشكلة لابد من حلها، ولغز لابد من إجابة له. ربما يصعب - في بعض الاوقات - العثور على الإجابة، لكن البحث عنها يمكن أن يتحول إلى متعة لا حدود لها. وان يعمق إحساسه بالمسئولية تجاهه. أكثر . أو قاض مستبد. عليه د منه - فقط - أن يغلب احترامه البالغ للطفل. أستطيع أن أعيد مناقشة سيدات حول كتب الأطفال. كانت إحدى الأمهات الشابات تقول : «هناك بعض كتب». وهي أم لابن صغير عمره حوالي ثمانية عشر شهرًا، وكان بصحبتها. ثم أضافت: «إن معي أحد هذه الكتب، وهو كتاب سخيف ملئ بالصور الغريبة . إنه «سامبو الأسود الصغير». و سامبو » هو ولد زنجي صغير، تلقى هدايا متنوعة من والديه في عيد ميلاده منها : قبعة حذاء جوارب، وكنزة صوفية براقة اللون. وفي الطريق التقى كثيراً من الحيوانات البرية. وحتى يأمن شرورهم، وأخيراً عاد إلى البيت عار وباكيا، لكن القصة تنتهي نهاية سعيدة. فو الداء يسامحانه، كما يمكنكم أن تقرأوا في الصفحة الاخيرة من الكتاب». ودارت السيدة بالكتاب حول الأخريات لرؤيته. إذ ما الذي يحاول الصغير قوله وهو لكن بعد قليل بدأ ابنها الصغير في البكاء، «لولا»، وبصوت أعلى، حتى بدا وكانه يدخل في نوبة صراخ. لم تكن بداخل نص القصة، لكن على أحد جانبي الغلاف وتصور الطفل الزنجي المسكين وهو يبكي. بعدها فهمنا ماذا يعني بـ «لولا». إنها طريقته في نطق الاسبانية للوراء»، ومعناها «أنه يبكي . L فهذا الغلاف يظهر «سامبو» باكيا، ولم يلفت ذلك انتباه أحد. لقد كان اعتراض الطفل منطقيا حين استمع إلى امه وهي تقول: «كل شئ انتهى بسعادة». واضح أن الطفل قد نظر - بإمعان - إلى الكتاب مما لم تلحظه أمه. ورأي في النهاية صورة سامبو» وهو يبكي. ولم يتمكن - بعدها - من متابعة حديث السيدات حول قدرته على التحديد الدقيق اللافت للنظر. وهو اختلاف نوعي وليس كميا سهل تحديده. فالطفل الذي يتعلق بأدق التفصيلات وأصغرها، ينظر إلينا بدرجة محددة من الازدراء، طالما لم يع التكوين العقلي الذي أصبحنا عليه الآن. سينظر إلينا ككائن عاجر - بصورة أو بأخرى - كافراد لا يجيدون الرؤية. فمن وجهة نظر الطفل، نحن لسنا مكتملين تماما.