المشكلات التي يعاني منها قطاع النقل التجاري البحري في الوطن العربي وسبل معالجتها يعدُّ النقل البحري الذي يتحمل مسؤولية نقل 90% من إجمالي حجم التجارة العالمية هو بحق شريان الاقتصاد العالمي. ولنا أن نتخيل أنه بدون النقل البحري سوف نكون عاجزين عن إنجاز المعاملات التجارية بين مختلف قارات العالم. وهو ما يعني أن نصف العالم سيموت جوعاً فيما سيتجمد النصف الآخر. حيث تصل تكلفة بناء سفينة واحدة ما يربو على /150/ مليون دولار, بينما تقترب الإيرادات السنوية للسفن التجارية من /500/ مليار دولار وهو ما يمثل 5% من حجم الاقتصاد العالمي. ومع زيادة الاهتمام بهذا النشاط الاقتصادي الكبير، إلَّا أنَّه يواجه في الآونة الاخيرة تحديات كبيرة في الدول العربية، ونحاول في هذه الدراسة قدر الإمكان عرض أهم المشكلات والتحديات التي يعاني منها هذا القطاع الهام في العالم العربي وسبل تجاوزها ومعالجتها. المشكلات والتحديات: من أولى المشكلات التي تواجه صناعة النقل البحري العربي، هي حالة أكثر الموانئ البحرية من جهة عدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة للتعامل مع السفن الحديثة، وعدم توافر التقنيات المناسبة لتفريغ وتخزين وتحميل السفن بأسرع وقت وبكلفة أقل، وعدم ربط الكثير من الموانئ العربية بشبكات الطرق الدولية البرية أو الحديدية التي تعمل على إعادة توزيع البضائع على الدول المجاورة، أو مشكلة وجود المناطق الحرة التي تسمح بإعادة شحن البضائع على سفن أصغر حجماً للدول المجاورة، إضافة إلى أن معظم الحكومات العربية تتعامل مع النقل البحري على أنه قطاع خدمي يعمل كأحد مفردات أجهزة الدولة وليس ككيان اقتصادي مستقل يعمل على زيادة الموارد، ويكون تحت مظلة إدارية أفضل بعيداً عن الروتين والتعقيدات التي تشكل عائقاً أمام تطوير أدوات هذا القطاع الهام. هذه المشكلات خلقت واقعاً سلبياً للنقل البحري في وطننا العربي، والتوقف عن إدخال التطورات المطلوبة عليها كي تتناسب مع الزيادة السنوية لحجم التجارة العالمية، وهيمنة أجهزة الدولة عليها الأمر الذي يفقدها الكثير من حرية الحركة نحو الإنجاز السريع المطلوب من تحميل وتفريغ . الخ. إضافة إلى أن معظم هذه الموانئ لم يتم تطويرها باعتبارها أحد الأنشطة الخدمية التي تحتاج إلى الدعم المالي من خزينة الدولة، حيث ما تزال تعاني من القصور الدائم بسبب كونها ليست من الأنشطة الاقتصادية المستقلة ذات القيمة الاقتصادية المضافة للدولة. من هنا نستطيع حصر المشكلات التي يعاني منها قطاع النقل التجاري البحري العربي بالآتي: افتقار معظم الموانئ البحرية العربية إلى الأيدي العاملة المتدربة والمتخصصة في إنجاز أعمال الموانئ، وعدم وجود إجراءات واضحة ومحددة لكل وظيفة داخل الميناء، عدم وجود القيادات الفعَّالة التي تمتلك الخبرة الإدارية من أجل إدارة أداء العاملين، ووجود مستويات إدارية كثيرة في الموانئ يبطئ بشكل كبير صناعة القرارات بالنسبة للتعامل مع السفن التي ترتاد هذه الموانئ. الافتقار للدراسات المتكاملة والصحيحة والواضحة بأسعار الخدمات داخل هذه الموانئ باعتبارها من أهم العوامل التي تجذب السفن إليها. سوء التخزين للبضائع مما يتسبب في تلفها، غياب الإدارة اللوجستية الملائمة لرسوها وتخصيص وتحديد أعداد العاملين والمعدات المتعلقة بمسائل الشحن والتفريغ والتخليص الجمركي. عدم وجود برامج صيانة دورية للمعدات المستخدمة في الميناء الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الأعطال، أو عدم وجود المعدات اللازمة من أجل تأدية الخدمة المطلوبة للحفاظ على سير العمل وعدم تعرض البضائع للتلف. عدم مطابقة معظم الموانئ العربية للمواصفات الحديثة من أجل استقبال سفن الحاويات من الجيلين الخامس والسادس, وذلك لعدم توفر محطات خاصة بالحاويات, انخفاض استثمارات معظم الدول العربية في مجال النقل البحري، حيث تعتمد أغلب الدول العربية على ناقلات النفط وسفن نقل البضائع مع قصور واضح في أنواع السفن المتخصصة بنقل الحاويات التي تمثل العمود الفقري الحديث للتجارة الدولية . عدم تحديث سفن شركات الملاحة العربية، مما يجعلها تحافظ على حمولاتها المنخفضة. من أجل توفير الحماية لهم والحفاظ على مصالح هذه الشركات. ارتفاع تكاليف إصلاح سفن الأساطيل العربية نتيجة لقدمها وتعرضها للغرامات الدولية بسبب عدم مطابقتها للمعايير وقوانين السلامة المعمول بها في العالم. ارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض حجوم الحمولات يؤدي إلى تدني مستوى الأرباح المطلوب تحقيقها من قبل معظم شركات النقل البحري. هدر الوقت والجهد جراء تكرار الإجراءات المتبعة لدى الإدارات في كل ميناء والمتعلقة بالدورة الخاصة بالشحن والنقل واستلام البضائع. الأمر الذي يجعلها متأخرة عن الموانئ العالمية من حيث الإمكانيات والقدرة على استيعاب سفن الحاويات الضخمة التي تدر عليها فوائد مادية كبيرة. افتقار أغلب الدول العربية إلى آليات نظم الملاحة الساحلية الذي يشمل كل من السفن, والموانئ الخاصة بالملاحة الساحلية, وأنظمة الإرشاد والسلامة, إضافة إلى ما ذكرناه من مشكلات تواجه صناعة النقل التجاري البحري العربي، هناك تحديات عالمية تواجه هذه الصناعة نذكر من أهمها: *تغيير التوجه العالمي فنياً وتكنولوجياً واقتصادياً نحو صناعة النقل البحري التجاري، نتيجة لتأثر هذه الصناعة بالتقدم العلمي والتكنولوجي والتغيرات الاقتصادية التي تتطلب سرعة نقل المعلومات وزيادة استخدام سندات الشحن الإلكترونية. وظهور ما يسمى بالموانئ المحورية التي تتمتع بالمعايير الإنشائية الحديثة التي تنطبق عليها الشروط والمواصفات المطلوبة من قبل شركات الشحن لخدمة السفن الضخمة ذات الغاطس العميق والسطح العريض. هذه الموانئ قادرة على سرعة تفريغ وتحزين وإعادة شحن البضائع بسرعة وكفاءة عاليين، سبل معالجة التحديات التي تواجه صناعة النقل التجاري البحري العربي الحجز, ب- عناصر نظام الإدارة المتكاملة للميناء هذه العناصر تشمل البنيتين التحتية والمعلوماتية، حيث يعتمد أي مشروع من أجل تطبيق برامج تكامل المعلومات على فريق متخصص لتحديد الوظائف اللازمة وتصميم هياكل المعلومات المراد الاحتفاظ بها وتبادلها لتحقيق الأهداف الواجب تحقيقها. ه- توافر محطة للحاويات ومعداتها فمحطة الحاويات هي المكان الذي يتم تخصيصه داخل الميناء ويكون مجهزاً بأرصفة ذات غاطس عميق من أجل استقبال سفن الحاويات الضخمة، كالرافعات الجسرية ذات الإطارات المطاطية، وروافع الحاويات الفارغة وعربات المناولة للأعلى، والرافعات الشوكية، وتوافر المعدات الخاصة بتناول البضائع الجافة "بضائع الصب" كالحبوب والملح والفحم والحديد والسكر . الخ ن- تفعيل مبدأ التنافسية في الموانئ العربية حيث يعدُّ تفعيل التنافسية في الموانئ العربية أمراً ضرورياً للخروج من المأزق الحالي الذي تجابهه معظم موانئنا العربية مقارنة بمثيلاتها من الموانئ العالمية، فقد خضعت أعمال النقل البحري إلى عمليات التحليل الدقيق من قبل المجتمع البحري الدولي، ممثلاً بالمنظمة البحرية الدولية، وتقديم كافة المعلومات والبيانات الخاصة بتلك التهديدات للسلطات المختصة، ومنع إدخال أدوات الاشتعال والمتفجرات والأسلحة إليها. كما أوجدت المدونة المشار إليها العديد من المعايير التي يجب اتباعها من أجل توفير الأمن للسفن الزائرة للميناء، وتوافر المراقبة الأمنية في جميع مناطق الميناء، ي- تفعيل النقل المتعدد الوسائط في الدول العربية تأتي أهمية مساهمة قطاع النقل في التنمية الاقتصادية في أنه يساعد بشكل فعّال في ربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك وتأمين انتقال الأفراد، ويعدُّ عاملاً مساعداً في استغلال الموارد الطبيعية، فصناعة النقل هي الدعامة الرئيسية التي ترتكز عليها البرامج التنموية للدولة. حيث تعتبر تكلفة النقل من أهم العناصر المؤثرة فيه، ومن هنا تأتي أهمية دراسة اقتصاديات النقل التي ترمي إلى تخفيض تكلفة عنصر النقل ومن ثم تكلفة المنتج النهائي، حيث إن تخفيض تكلفة النقل بنسبة 10% مثلاً يؤدي إلى انخفاض تكلفة المنتج النهائي بنسبة 2% تقريباً، وهذه النسبة تكون قابلة للزيادة مستقبلاً من خلال تحسين جودة الطرق ووسائل النقل.