مقدمة رحل أبو تمام حبيب بن أوس الطائي بعد الثلث الأول من القرن الثالث الهجري بعام أو عامين، ومخلفا كذلك اختيارات شعرية، وبصيرة في النقد حتى قيل: إنه كان فيها (( أشعر من شعرة )) . وأستمر إلي عصرنا هذا الحديث. لقد تصدي لشرحه كبار العلماء في مختلف العصور، منهم في القدماء أبو عبد الله النمري، والحسن بن بشر الآمدي، وأبو هلال العسكري وأبو علي المرزوقي، وأبو الفتح عثمان بن جني، وأبو العلاء المعري، والشيخ إبراهيم الدلجموني، إن احتفال العلماء بديوان الحماسة كان عظيما، دل علي ذلك ما قمنا به من إحصاء لشروحهم، أو علي الأقل لا يعرف مكانها حتى الآن. بدأت في القرن الماضي عند المستشرق (( غيورنغ ولهلم )) الذي أخرج شرح التبريزي المتوسط محققا سنة ١٨٢٨ م، ثم تلاه شرح المرزوقي الذي حققته لجنة التأليف والترجمة والنشر بعناية أحمد أمين وعبد السلام هارون في سنة ١٩٥١ م. ومع قيمة هذين الشرحين من شرح المادة الشعرية التي ضمها ديوان الحماسة، فإن هناك شروحا مخطوطة متناثرة في مكتبات العالم، وبعضها لا يزال ينتظر دورة في خدمة أهل البحث العلمي. وهذا الشرح الذي نقدم له بهذه الكلمات يعد ثالث شرح من عمل القدماء يخرج للقراء بعد شرحي المرزوقي والتبريزي السالفي الذكر، وهو شرح قام الترجيح علي أنة لأبي القاسم زيد بن علي الفارسي المتوفى بطرابلس الشام عام ٤٦٧ هـ. لقد كانت دراسة هذا الشرح وما قمنا فيه من تحقيق جزءا من رسالة جامعية تقدمنا بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهي رسالة جاءت في كتابين: أحدهما (( الموازنة بين شروح حماسة أبي تمام إلي نهاية القرن السادس الهجري )) والآخر دراسة ها الشرح وتحقيقه. وإذا كانت ظروف الطباعة قد أتاحت للكتاب الأول (( الموازنة بين الشروح )) أن يري النور قبل هذا الكتاب فإن هذا الأخير له من الفضل والقيمة ما يدركه كل قارئ له، وهو منهج اختصاري تسهيلي يختلف عن منهج المرزوقي (( الإبداعي الفني )) ومنهج (( التجميعي الإنتخابي )) ، إنه منهج يقدم للقارئ المعلومات المختلفة التي أثارها العلماء السابقون للشارح حول النص وعناصر شرحه مختصرة موجزة، ومساهمة في قضايا العصر الذي نعيشه، وهي كثيرة لا تحصي، والأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن،