الجهاد والتحرير من قوات الاحتلال المسيحي الأوروبي بعد أن أقام الصليبيون ممالكهم الأربع الرها وإنطاكية وبيت المقدس وطرابلس استطاعوا الاستيلاء على مناطق واسعة من بلاد الشام والجزيرة الفراتية، وسرعان ما أصبحت هذه الممالك بعد توسعها وتوطدها، تشكل خطرا كبيرا على البلاد الإسلامية ثم أخذ هذا الخطر يتوسع يوما بعد آخر نتيجة لمواقف القوى الإسلامية غير الموحدة واستغل الصليبيون الظروف التي كانت تواجه العالم الإسلامي بتوسع نطاق نفوذهم والاستحواذ على مصادر الثروة والرخاء. هي تحديد وضع البلاد التي استحوذوا عليها وطريقة تنظيمها وكيفية بناء دولة غربية على أرض شرقية، ليلقى بها جميعا في صعيد واحد ولعل الصليبيين تمكنوا في نهاية الأمر من تذليل هذه الصعوبات بفضل المساعدات التي تلقوها من الدولة البيزنطية وبفضل كثرتهم وتفرق وحدة المسلمين من الناحيتين السياسية والعسكرية. كما تحقق للمدن الإيطالية التجارية التي بذلت مساعداتها للصليبيين، تبين لنا من قبل أن إمارة الرها كانت من أولى الإمارات التي أسسها بلدوين لي بور في جهات أعالي الجزيرة الفراتية 492هـ/ 1098م، كما أنها من أول الإمارات التي سقطت بيد الجيش الإسلامي عام 539هـ / 1144م. فقد تمكن ثوروس Thoros ابن هيثوم وهو زعيم ارمني من الوصول إلى حكم الرها عام 488هـ / 1095م وقد تنازل ثوروس إلى بلدوين لي بور البولوني بحكم الرها عام 492هـ / 1098م لكي لا يكتسحها المسلمون، وعندما تولى بلدوين حكم الرها، أحسن بضرورة القيام ببعض الأعمال التي تعلى من شأنه في نظر رعاياه الجدد من الأرمن وتضفي إلى حكمه في الرها قسطا من الشرعية والأهمية. لقد قامت سياسة بلدوين لي على أساس الربط بين العناصر المختلفة التي صارت تتألف منها الإمارة وخاصة الصليبيين والأرمن، فعاش هؤلاء بعيدا عن الاختلاط بالأرمن مما أساء كثيرا إلى شعورهم وكون الصليبيين في الرها طبقة أرستقراطية عسكرية تحكم شعبا من الأرمن يشتغل أفراده بالتجارة والزراعة وسرعان ما استولى الوافدون الجدد من الصليبيين على الضياع الزراعية التابعة للرها خارج أسوارها واضطر من عليها من الفلاحين الأرمن وقد ضرب بلدوين نفسه مثلا لهذا الترابط بزواجه من الأميرة أراد ARDA وهي ابنة أحد زعماء الأرمن إلى العمل في ظل قيود النظم الإقطاعية المعروفة في الغرب الأوروبي، ومن الجدير بالذكر إن بلدوين لي بور البولوني أصبح سيد الرها وحاكمها المطلق واستطاع أماله ووصل إلى أهدافه، بل إنه كان أول أمير من زعماء الحملة الصليبية الأولى، استطاع أن يمكن لنفسه في الشرق ويحقق أطماعه السياسية بتأسيس إمارة لنفسه بحكمها وتعتبر الرها إمارة حاجزة تحمي إنطاكية من المسلمين وهي أكبر منها حيث تمتد على جانبي نهر الفرات من رواندان وعينتاب إلى موضع غير معروف بالجزيرة من القرى المجاورة وهذه المنطقة مثل سروج، وتولى الجند جباية الضرائب والجزية من القرى المجاورة وهذه المنطقة بأكملها اعتبرت إقليم حدود واشتملت على أراضي خصبية ومدن زاهرة وكلفت الضرائب الحكومة الرها موردا ماليا وافرا وكان بلدوين لي بور من الثروة وهو كونت الرها ما يزيد على ثروته بعد أن أصبح ملك بيت المقدس. وأخذت الراوابط الإقطاعية لهذه الإمارة مع مملكة بيت المقدس بالوهن تدريجيا منذ أواخر حكم بلدوين الثاني، وفي عهد ابنة جوسلين الثاني استطاع المسلمون أن يحاصروا هذه الإمارة ويسقطوها فانهارت بذلك دعامة من دعائم المملكة اللاتينية، وأصبح وادي الفرات خالصا للمسلمين وعلى أية حال فأمارة الرها الصليبية لم تدم طويلا بسبب تذبذب الأرمن وموقفهم غير الواضح من الصليبيين والمسلمين على حد سواء، وكانن القوافل التجارية القادمة من حلب والجزيرة تجتاز أبواب إنطاكية في طريقها إلى البحر المتوسط. أنشأ هذه الإمارة بوهمند النرمندي الذي أطلق علي الصليبيون لقب (أمير إنطاكية اعترافا منهم بأن الفضل الأول في الاستيلاء على المدينة وانتزاعها من المسلمين إنما يرجع إليه وقد أسسها على الرغم من معارضة رفيقه القائد الصليبي ريموند كونت تولور. فاتفق فيروز مع بوهيمند على خطة معيبة للدخول إلى المدينة واحتلالها وبذلك استطاع أن يؤسس إمارة له. فضلا عن أنها المدينة التي أطلق فيها على إتباع المسيح لأول مرة اسم المسيحيين، وكان سقوط إنطاكية بيد الصليبيين قد أثار موجة من الذعر في البلدان الإسلامية كما كان له دوي هائل في العالم المسيحي لا يفوقه إلا أثر سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبين ولانها كانت مفتاح بلاد الشام على حد قول المؤرخين، أما علاقتها بمملكة بيت المقدس فكانت تدين لهذه الأخيرة بالتبعية ولكن من الناحية النظرية فقط، نظرا لما كان المملكة بيت المقدس من تأثيرات سياسية ودينية تتيح لها أن تفرض نفوذها على المماليك الصليبية وتعترف لها بالتبعية، كما أن لها الحق في أن تكون وصية عند شغور العروش لهذه المماليك، ومن واجبات ملك بيت المقدس، التوفيق بين إنطاكية والرها كلما وقع الخلاف أو القتال بينهما، فقد اتخذت النظام البيزنطي بما اتصف به موظفو المكاتب من كفاية وبما اشتهروا به من أساليب بارعة في جباية الضرائب فلكل من إنطاكية واللاذيقية وجبله، ولبيت المال عندهم جهازه الإداري ولا يعتمد في تحصيل الخراج على المحاكم المحلية مثلما كان سائدا في بيت المقدس. وقام أمراء إنطاكية بتوجيه سياستهم كيفما شاءوا دون أن يحفلوا بالمحكمة العليا في بيت المقدس فعقدوا معاهداتهم مع الدول الأجنبية وأتاح ذلك للتجار الجنوبيين أن يعقدوا اتفاقيات تجارية مع صليبي إنطاكية وقدم كثيرا من هؤلاء الجنوبيين بسفنهم وحرصوا على أن يكونون أول من يظفرون بتجارتهم فمنحهم أميرها عهدا يقضي بأن يكون لهم سوق وكنيسة وثلاثون بيتا ومنذئذ صار الجنوبيون يدافعون عن دعاوي أمير إنطاكية فأصبح في وسعه أن يرتكن إلى تأييدهم. ظهرت مملكة طرابلس على أثر استيلاء الصليبيين على مدينة طرابلس وانتزاعها من الجيش الإسلامي الذي حشدته الدولة الفاطمية للدفاع عنها واستهدف الصليبيون تكوم إمارة صليبية في طرابلس تدين بالتبعية لمملكة بين المقدس، مما جعلهم يكرسون كل قواتهم لإسقاط المدينة. وكانت هذه المدينة تحت حكم فخر الملك أبى علي بن عمار الذي حاول عبثا الاحتفاظ بها عن طريق التقرب من الصليبيين، فأقام معسكرا في أرياض المدينة وشرع في تشييد قلعة على تل بمسافة ثلاثة أميال من المدينة، ولكنها ظلت صامدة لقوة استحكاماتها وسيطر ريموند على جميع الطرق المؤدية إليها ولا زال بنو عمار بفضل ثرواتهم الوافرة يسيرون أسطور تجاريا ضخما ويجلبون إلى مدينتهم المون والتجارات من الموانئ المصرية الواقعة إلى الجنوب منهم. ويبدو أن الصليبيين لم يكونوا قادرين على الاستيلاء على مدينة طرابلس لولا المساعدات التي تلقوها من الأساطيل الإيطالية الجنوبية كما مر ذكره من قبل وقد استطاع الصليبيون دخول طرابلس بالغدر والخيانة حيث تسلم بلدوين الأول ملك بيت المقدس المدينة بموجب معاهدة بينه وبين شرف الدولة والي المدينة الفاطمي وعندما دخلها الصليبيون أحرقوا معالم المدينة وكتبتها التي تعتبر من أروع مكتبات العالم حينذاك وحل الدمار بكل ما تحتويه وصار براتراند بن ريموند أميرا على طرابلس واتخذ لقب كونت وأكد تبعيته إلى مملكة بيت المقدس. تعد مملكة بيت المقدس من أهم المماليك والإمارات الصليبية في الشرق الإسلامي على الإطلاق، فقد ادعت هذه المملكة لنفسها السيادة على إمارات الصليبيين جميعها ورأى ملكها إن من حقه أن يطلب من أمراء الصليبيين إرسال العساكر للانحياز إليه في حملاته. إن المكانة الدينية التي تحتلها بيت المقدس بوصفها مدينة مقدسة للمسلمين والمسيحيين فضلا عن كونها من أضخم المعاقل والحصون في عالم العصور الوسطى، لقد كان تأسيس مملكة بيت المقدس عام 494هـ / 1100م يمثل في الواقع أكبر تحد موجه للكنيسة في أوروبا وللعنصر النورماني في إنطاكية ففي الوقت الذي كان الاعتقاد السائد إن إنطاكية يجب أن تكون عاصمة المسيحية اللاتينية في الشرق نظرا لأهميتها، ولكن بدأت مملكة بيت المقدس تحتل مكانة خاصة، واجتذبت المدن الإيطالية مقابل الحصول على امتيارات بلغت من الضخامة أنها أضعفت موارد المملكة التي أسهمت هذه المدن في قيامها. فأكثرية مرافق البلاد أضحت رهن احتكارات مدن إيطاليا التجارية، كما أن الثروات التي تحصل عليها الدولة من أسلاب المدن المحتلة لم تكن تشكل موردا يعتمد عليه، أما الرسوم المالية على الوافدين من الصليبيين الجدد والقوافل التجارية البرية أكثرها رهن بالظروف فهي غير ثابتة ولا محددة في جميع الأحوال، فقد تزوج الملك بلدوين من الأميرة الأرمنية أرادا ARDA ثم أدليد ADLED أم الأمير روجر الثاني وهما موسرتان فابتلع ثرواتهن. الإشارة هنا إلى عامل جديد فيما يتعلق بالسياسات الشرقية بما جرى من تدخل المدن التجارية الإيطالية، حيث لم يتوافر أول الأمر لدى هذه المدن من الثقة ما يحملها على الاشتراك في الحملة الصليبية الأولى، إلا بعد أن أدرك أن الحرب ستكون لصالح الصليبيين، بعد أن بذلت وعودها بالمساعدة مقابل إقامة منشآت في كل مدينة أسهمت المدن الإيطالية باحتلالها، لأنها كانت تمد الصليبيين بالقوة البحرية التي لولاها لما استطاعوا أن يخضعوا المدن الإسلامية الساحلية خاصة، دل على أن حكومات الصليبيين في الشرق الإسلامي فقدت جانبا كبيرا من مواردها القوية على أن صليبي بيت المقدس كانوا يبذلون كل جهودهم كما يحولون أكبر قدر من التجارة إلى ميناء يافا الصليبي ويشجعون المدن الإيطالية بكل ما استطاعوا على أن يمنعوا التجارة بين المدن الساحلية الإسلامية وبين مصر وعلى أن يجعلوا هذه المدن تعتمد في تجارتها على الصليبيين وذلك في إطار سياستهم الرامية لتحقيق عائدات عاجلة في الثروة والرخاء للمملكة الصليبية ولإظهار فلسطين وكأنها إقليم مندمج في وحدة اقتصادية شاملة بما صار لها من علاقات عبر البحر مع أوروبا. فلم تقم صناعة كبيرة بمدينة من المدن بل إن ملوك بيت المقدس في ذروة قوتهم لم يبلغوا من الثروة ما حازة کونت طرابلس أو أمير إنطاكيا. كما أن المتاجر القادمة من سورية إلى مصر سلكت طرق فلسطين. أما القوافل التي تجلب التوابل من جنوب بلاد الغرب فاجتازت في جميع العصور صحراء النقب إلى البحر المتوسط ولضمان الإبقاء على مصدر ثروتهم الأساسي وهو الرسوم لابد من إغلاق سائر المنافذ، بل كان لزاما عليهم أيضا أن تكون لهم السلطة على الطرف الممتد من جبال لبنان إلى نهر الفرات، وكانت شروط البنادقة تقضي بأن تطلق لهم حرية التجارة في سائر المملكة وأن يكون لهم بكل مدينة في الإمارة كنيسة وسوق وأن يكون لهم ثلث كل مدينة يسهمون في احتلالها وأن تكون لهم مدينة طرابلس التي سوف يؤدون عنها أتاوه للملك وفي مقابل ذلك يبذلون المساعدة للصليبيين، وتقرر أن تبدأ بالعمل الأول وهو الهجوم على المدن الإسلامية واحتلالها وتم الاتفاق على أن تبدأ بالعمل الأول وهو الهجوم على المدن الإسلامية واحتلالها وتم الاتفاق على أن تكون عكا هي الهدف الأساس ثم مهاجمة حيفا بعد ذلك ويمكن القول إن عكا كان الميناء الوحيد المأمون في فلسطين في جميع فصول السنة، ويذهب الأستاذ رنسيمان إلى أن المال والرجال هما أهم ما احتاجته مملكة بيت المقدس في الداخل، فلن يستطيع الملك إقامة مملكته ما لم يتوفر له من الثروة والقوة ما يكفي لضبط إتباعه، ربما يسهمون به من أموال وما يجرونه من أحباس على المنشآت الدينية في البلاد المقدسة. كانت الأحباس تجري لصالح الكنيسة والملك ولابد لهذا الأخير أن يكون سيدا على الكنيسة حتى يضمن استخدامها المصلحة المملكة. وعلى الرغم من ادعاء ملك بيت المقدس لنفسه السيادة على الإمارات الأخرى في الشرق الإسلامي، غير إن هذه السيادة لم تظهر إلا حينما كان الملك قويا يستطيع أن يفرض وجوده ولم يحقق ملوك بيت المقدس الأوائل إلا سيادة شخصية على طرابلس، وهناك مشكلة أخرى واجهتها مملكة بيت المقدس، تتعلق هذه المشكلة بموقف الطوائف الدينية العسكرية التي قامت في مملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية الأخرى. ويبدو أن هذه الطوائف سدت حاجة سياسية للأمارات الصليبية، ولكن مساوئ الطوائف الدينية العسكرية الخطيرة هي أنها لك يكن للملك عليها سلطان لأنهم لم يدينوا بالسيادة إلا للبابا وما جاوره من أراضي احتفظوا بها، وحرصت كل طائفة على أن تلتزم بما وضعته من خطة لدبوماسيتها دون أن تحفل بالسياسة الرسمية المملكة بيت المقدس، وأقامت لنفسها أساطيل بحرية صغيرة في الوقت الذي لم يكن للملكة قوة بحرية كافية نظرا لقلة الموانئ الصالحة وافتقارها إلى الأخشاب اللازمة لصناعة السفن وامتلاك كل من إنطاكية وطرابلس أسطولين صغيرين سخرتهما لخدمة أغراضها الدفاعية الخاصة بها. وهكذا كان لا بد المملكة بيت المقدس من التماس مساعدة دولة بحرية لتقف أمام قوة مصر الإسلامية التي كانت تمثل أكبر وأقوى دولة بحرية لتقف أمام قوة مصر الإسلامية التي كانت تمثل أكبر وأقوى دولة بحرية متحدية للوجود الصليبي في المنطقة والمعروف إن الإيطاليين وفرنسي الجنوب كانوا حلفاء للصليبيين في مجال القوة البحرية. استند الحكم في دولة بيت المقدس على الأسس الإقطاعية والقضائية التي احتواها دستورها Assize of Jerusalem الذي وضعت خطوطه الأساسية في عهد الملك كودفري، إذ قسمت البلاد إلى أربع إقطاعات كبرى وهي يافا والكرك والجليل وصيدا وإلى اثنتي عشرة أقطاعية صغرى وكونت كل من القدس وعكا وطبرية إقطاعات خاصة بالملك مباشرة ويمكن لرؤساء الإقطاع بتوعية الكبير والصغير إن يقطعوا أجزاء من أراضيهم تتألف أجهزة الحكم من المؤسسات التالية : أولا : المؤسسة الملكية وعلى رأسها الملك وهو القائد العام للجيوش. ثانيا : المؤسسات القضائية: وتتألف من: 2) المحاكم الصغرى وهي محاكم المدن يرأسها نائب الملك يساعده (12) محلفا يختارهم الرئيس من بين أتباعه اللاتين . (4) المحاكم التجارية الممتازة: خاصة بتجار المدن الإيطالية وتفصل في خصوماتهم حسب قوانين حكوماتهم. 1 - التعهدات الإقطاعية : ومن شروط التبعية العسكرية هي الخدمة العسكرية والاستعداد للقتال في الجيش المركزي لعدد من الأسابيع أو خدمة سنوية وكان أمراء المدن يجهزون عدد معين من الفرسان . 2 - الحرس الملكي الخاص : وهو يعتمد على الإقطاعات التابعة للتاج مباشرة مقابل رواتب نوعية أو نقدية . 3 - فرق الفرسان الدينية : أ - فرسان المعبد : Knihts of The Temple ب - فرسان القديس يوحنا الاسبتارية) وهم أصحاب المستشفيات ويشار لهم في كتب المسلمين بالداوية لاشتغالهم بالتطبيب وقد شكلوا في بادئ الأمر فرقة دينية خيرية ثم تحولت إلى مؤسسة عسكرية دينية ولعبت دورا مهما في الحروب الصليبية. ثم كونوا لهم فرقة عسكرية . ولكن على ما يبدو، إن بيت المال لم يكن إلا إدارة مفككة التنظيم نقلها الصليبيون عن العرب الذين كانوا قد منه أخذوها بدورهم عن البيزنطيين. الهدنة مع الاستعمار المسيحي وهي إما من هدن بفتح الدال ويهدن بكسرها هدونا إذا سكن، وهو جعله في صوان يصونه، ومعناها المحاكمة مفاعلة من القضاء بمعنى الفصل والحكم. 3 - المواصفة، سميت بذلك لأن الكاتب يصف ما وقع عليه الصلح من الجانبين. ولقد رتب الفقهاء رحمهم الله باب الهدنة في كتبهم مفصلة واضحة المعاني وهي في الشرع عقد أمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة لازمة ولا يجور لغيرهما عقد المهادنة لأنه لو جاز ذلك للأحاد لزم تعطيل الجهاد، فعلى هذا لو هادنهم غير الأمام أو نائبه لم يصح، [التوبة]، وقوله تعالى: ﴿وَإِن جنحوا للسلم فَاجنَحْ لَهَا . ﴾ [الأنفال]. وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، شروط عقد الهدنة في الإسلام وهي الشروط الشرعية المعتبرة في صحة العقد بحيث لا يصح عقد الهدنة مع إهمال شيء منها وهي أربعة شروط : الأول: في العاقد ويختلف الحال فيه باختلاف المعقود، فإن كان المعقود عليه إقليم كالهند والروم ونحوهما أو مهادنة الكفار مطلقا فلا يصح العقد فيه إلا من الأمام الأعظم أو من نائبه العام المفوض إليه التحدث في جميع أمور الدولة الإسلامية، الثاني: أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين، فإن لم تكن مصلحة فلا يهادنون بل يقاتلون حتى يسلموا أو يقرروا الجزية إن كانوا من أهلها الثالث : إن لا يكون في العقد شرط يأباه الإسلام كما لو شرط أن يترك بأيديهم مال مسلم أو أن يرد عليهم أسير مسلم انفلت منهم أو شرط على المسلمين مال من غير خوف على المسلمين أو شرط رد مسلمة إليهم، وفيما دون وفوق أربعة أشهر قولان للإمام الشافعي رضي الله عنه أصحهما أنه لا يجوز، أما إذا كان في المسلمين ضعف وهناك خوف فإنه تجوز المهادنة إلى عشر سنين فقد هادن رسول الله ﷺ أهل مكة عشر سنين كما رواه أبو داود في سنته، ولا تجوز الزيادة عليها على الصحيح، وفي وجه تجوز الزيادة على ذلك للمصلحة، فلو أطلق المدة فالصحيح من مذهب الشافعي أنها فاسدة غير جائزة وقيل : إن كانت في حال ضعف المسلمين حملت على عشر سنين، وإن كانت في حال القدرة فقد قيل تحمل على الأقل وهو أربعة أشهر وقيل على الأكثر وهو ما يقارب السنة، ولو صرح بالزيادة على ما يجور عقد الهدنة عليه. فإن زاد على أربعة أشهر في حال قوة المسلمين أو على عشر سنين في حال ضعف المسلمين فإن عقد المهادنة يصح فقط في المدة المعتبرة ويبطل في الزائد، فإن احتاج المسلمون إلى زيادة المدة على عشر سنوات جاز لهم عقد عشر سنوات أخرى ثم عشر ثم عشر قبل أن تنقضي المدة الأولى وهذا عند الشافعية بينما ذهب أصحاب الإمام مالك إلى أن مدتها غير محدودة، والخلاصة لا بد من أن تكون المهادنة معلومة محدودة لأن تركها من غير تقدير يقضي إلى ترك الجهاد بالكلية . والمهادنات المذكورة لا تكون إلا في حالة ما يكون العدو في بلاده أو بأطراف البلاد الإسلامية على الحدود كما قلنا عن بلاد الإسلام وادعى ملكيته لهذا الجزء، ومن الدلائل على ذلك أيضا أن عقد الهدنة ينبغي أن يتضمن أمور هامة منها : 1 - أن يشترط المسلمين أو ولي على أمرهم على الطرف الآخر ما لا يحمله إليه في كل سنة أو أن يسلم إليه ما يختاره من حصون وقلاع وأطراف وسواحل مما وقع الاستيلاء عليه من بلاد المسلمين أو أحب انتزاعه أو استضافته من بلاد من يهادونه من ملوك الكفر وأن يبقى من بها من أهلها ويقررهم فيها نساؤهم وأولادهم ومواشيهم وازوادهم وسلاحهم والاتهم دون أن يلتمس عن ذلك أو عن شيء منه ما لا أو يطلب عنه بدلا وما ينخرط في هذا السلك . 2 - أن يشترط عليه عدم التعرض لتجار مملكته والمسافرين من رعيته برا وبحرا بنوع من أنواع الأذية والأضرار في أنفسهم ولا في أموالهم وللمجاورين للبحر عدم ركوب المراكب الحربية التي لا يعتاد التجار ركوب مثلها . 6 - أن يشترط ما لا يحمله إليه في الحال أو في كل سنة أو حصونا أو بلادا يسلمها من بلاد أو مما يغلب عليه من بلاد مهادنة إلى غير ذلك من الأمور التي يجري عليها الاتفاق مما لا تحصى كثرة والمدقق في هذه الشروط يستدل على أن المصالحة أو المهادنة إنما هي لفترة زمنية وليس على سبيل الأبدية، ولقد كان المسلمون في عصر الحروب الصليبية التي استغرقت قرنين من الزمان في فلسطين خاصة هكذا فلم يعقدون في حال ضعفهم إلا هدنة قصيرة وفق الشروط الشرعية التي ذكرناها، وفي الإسلام لا يسقط الحق، ولقد اجتهد المسلمة في أن تكون الهدنة الشرعية في كل شيء ومن ثم وضعوا شروطا يلزم الكاتب في كتابه الهدنة مراعاتها وأن يقوم بترتيب قوانينها وأحكام معاقدها ومن ذلك الأمور الآتية : 4 - إن كانت الهدنة من قوي لضعيف أخذ في الاشتداد آنیا بما يدل على علو الكلمة وانبساط القدرة وحصول النصرة واستكمال العدد وظهور الأيد ووفور الجند ومنعة الدولة لا سيما إذا كان القوي مسلما والضعيف كافرا فإنه يجب الازدياد من الأمور التي توقع الخوف والهلع في نفس العدو. وإن كانت الهدنة من ضعيف لقوي أخذ في الملاينة بحسب ما يقتضيه الحال مع إظهار الجلادة وتماسك القوة خصوصا إذا كان القوي المعقود معه الهدنة كافرا ومن أعداء الإسلام، وإن شرط له ما لا عند ضعف المسلمين للضرورة جاز ذلك رغبة في الصلح المأمور به لا عن خور طباع وضعف قوة إذ يقول تعالى : و فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم . 5 - على كاتب الهدنة أن يتحفظ من احتوائها على كل شيء ليس من الإسلام ويحذر كل الحذر من خلل يتطرق إليه من إهمال سيء من الشروط أو ذكر شرط خلل على الإسلام أو ضرر على السلطان أو ذكر لفظ مشترك أو معنى ملتبس يوقع شبهة توجب السبيل إلى التأول، وأن يأخذ المأخذ الواضح الذي لا تتوجه عليه معارضة ولا تتطرق إليه مناقضة ولا يدخله تأويل . 6 - أن تكون الهدنة بعد تشاور وتروية النظر وظهور الخير فيها ومشاورة ذوي الرأي وأهل الحجي وموافقتهم على ذلك .