فإن الإسلام اكتفى بتعديله ، فإن الإسلام اعترف به ، لكنه جنح فيه إلى الاعتدال ؛ واشترط أن يكون هذا التملك الشخصي بالأساليب المشروعة التي أحلها الله . هي نصيب الجماعة من أموال أصحاب الأموال ، حتى لا يكون في المجتمع الإسلامي إلا المحبة والتراحم ، والتعاون على البر والتقوى . وجنح فيه إلى الاعتدال ، ونظمه تنظيماً يسعد به المجتمع ، وهو تفاوت الناس في مواهبهم ومداركهم ومقدرتهم على الكسب لأنفسهم وعلى النفع للمجتمع ، فهذا التفاوت موجود في كل زمان ومكان ؛ وجعل لذلك قيمة رفيعة في المجتمع الإسلامي ؛ وقطعه لدابر المراباة في المجتمع الإسلامي. لا نظن أن أمة من أمم الأرض -حتى ولا المحكومة بالشيوعية- تمتعت بمثلها في نظام غير نظام الإسلام . وتزعم الشيوعية أنها نزعت عوامل الاستغلال ووسائل استعمال الثروة من أيدي الأفراد ، ودفعت بها إلى الجماعة . والذي يتأمل في الواقع يرى أن ما زعموا أنهم فوضوا أمره إلى الجماعة في وسائل الإنتاج وتوزيع المنتجات والمصنوعات ، إنما تولته في النظام الشيوعي هيئة قليلة العدد من الرجال المنظمين ، فبعد أن كان هذا التملك خفيف الوطأة بما هو معرض له من المنافسة وتعدد المالكين ، يتمتعون الآن بمعايش وقصور لا تقل فخامة وسرفاً وغطرسة واستعداداً عما كان في قصور القياصرة ، بينما الجماعة كلها مجندة في السلم والحرب لتقضي حياة مملة على وتيرة واحدة لا تزيد عن حياة العمال في البلاد الأخرى ، غير أن العمال يملكون في البلاد الأخرى أمرهم ، أما جمهور الأمة في النظام الشيوعي ، فمسلوب الإرادة ولا يملك حق الانتقال من مصنع إلى مصنع آخر ؛ لأن المصانع كلها لا تتمتع بمزية التنافس ما دامت إدارتها في يد واحدة ، تتصرف في جميع العمال كما تتصرف في المواد الخام . وبذلك تحول أغنياء البلاد المحكومة بالنظام الرأسمالي إلى رجل واحد في النظام الشيوعي ، يتصرف بلا منافس في كل ما في البلاد من بشر وشجر وحجر ، وكما تحول إقطاعيوا البلاد الأخرى إلى أقطاعي واحد في النظام الشيوعي ، وأما في أمور الدين وحرية التدين ، فإن المسلمين يزيدون على ذلك: أن دينهم لا يقتصر على أنه دين عبادة ومسجد ، بل إن نظامه المالي والاجتماعي هو من صميم الدين، وحرمان المسلم من حريته في نظامه المالي والاجتماعي يعد حرماناً له من عناصر مهمة هي أيضاً من كيان الدين ، ولاسيما النظام الشيوعي الذي يضطهد كل الأنظمة المخالفة له ، ونظام الإسلام في طليعة الأنظمة المخالفة له من كل وجه . وتهذيب فطرتهم بعد إقرارها والاعتراف بها، وبذلك جمع التشريع الإسلامي في نظامه الاجتماعي والمالي جميع الحسنات والمزايا التي توجد في كل نظام آخر، وكان من أعظم ما أسيء به إلى الإسلام: إطلاق يد الأقوياء في معايش الضعفاء، حتى خرجوا عن نظام الإسلام إلى ما حرمه من الاستغلال المحرم، والبغي المنظم من الأقوياء على الضعفاء ، التي كانت سائدة في بعض بلاد المسلمين، فاحتجوا بها عند قليلي العلم بمزايا دينهم من عوام المسلمين ، فامتلأت بهم السجون ، فقد زال ما كان يحتج به دعاة الأنظمة الباطلة والمنافية للإسلام ، ليبثوا في الوعي القومي أن الإسلام باعتداله وعدالته ورحمته، وأحسن توجيهها إلى الحق والخير.