كان يعلم أن طليطلة بيتاً مغلقاً لم يُفتح على مر السنين والأيام. وكان الملوك المتعاقبون لا يتجرأون على فتحه لعلمهم أنه أمانة في أعناقهم، وأصر لذريق على فتحه فاستدعى القيم عليه، وهو رجل قوطي أمين اشتهر بأنه حارس البيت المغلق، وقال له: وإذا علم سكان طليطلة بذلك فإنهم يخشون العاقبة، وربما تصاب المملكة ضحك لذريق من كلام الحارس. ولم يجد المال الذي كان يظنه مطموراً فيه، ورفعوا الرايات على الرماح ولبسوا العمائم على رؤوسهم. ها هو الآن أمام كارثة لا يعرف نهايتها إلا الله : فرت فلورندا من قصره، بل فضحه أمام مجمع الأساقفة وفتح البيت المغلق فرأى فيه ما كان يخشاه !! ألم يهدّده يوليان بعد أن رفض إعادة ابنته إليه؟ وحرك يده كأنه يطرد عن نفسه الكابوس الثقيل. لكن الصورة تسمرت أمام عينيه، ويتقلدون السيوف، علينا أن نقرر الحرب، ونجمع الجند ونسرع إلى مقاومتهم لكننا لا نستطيع إعلان الحرب قبل أن نستشير مجلس الأساقفة أو مجلس الكونتات على الأقل، فأجاب كوميس: لكن الوقت أثمن شيء الآن يا مولاي. واستقدامهم يتطلب وقتاً طويلاً. ويمكننا أن نقرر إعلان الحرب ونعلمهم به بعد ذلك. كان كوميس يؤثر على الذريق أشدّ التأثير. بل إن مركزه الرفيع يجعله يخالف الملك إذا رأى غير رأيه. فأراد أن يفكر بما حدث له. ثم همس في أذن قائد الجيش قائلاً: والأسقف أوباس. هل نبقيه في السجن أم ندعوه إلى الاجتماع عندما تهدد المملكة بغزو خارجي تفتح السجون فوراً يا مولاي لأن الوطن يكون في حاجة لكل فرد من أفراده. والأسقف أوباس ذو نفوذ واحترام لدى السكان وابن أخيه ألفونس أحد القادة المشهورين، فيجب أن نتناسى كل الأحقاد الداخلية، ونكون يداً واحدة ضد جيوش الغزاة. وحضر الاجتماع قائد الجيش والأسقف أوباس الذي دعاه للتشاور معه. وكان بعض الكونتات يعتقدون أن هؤلاء العرب لم يأتوا من أجل الفتح، وإنما بقصد الغزو ليحصلوا على الغنائم ويعودوا إلى بلادهم، لكن قائد الجيش أكد لهم أنهم قادمون لاحتلال البلاد والسيطرة عليها، وطلب من المجلس أن يتخذ قراراً بإعلان الحرب وتعبئة البلاد. ويقاتل المسلمين، ثم تابع الجيش طريقه إلى نهر لكة. فهو جيش القوط فلنقترب منه. واقتربت فلورندا من المكان المتوسط بين الجيشين. انظري إلى تلك الخيمة الكبيرة المنتصبة في الوسط، إنها خيمة طارق بن زياد. ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم. وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرْفَه الألذ طويلاً. فما حظكم فيه بأوفر من حظي. ثقة منه بارتياحكم للطعان، واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه. واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله.