عرفت الجزائر في الآونة الأخيرة تزايدا ملموسا لجرائم الفساد الأمر الذي دفع بالمشرع لإعادة النظر في ترتيبات مواجهتها فسارع على خطى العديد من الدول للانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتنفيذا لهذا الالتزام الدولي قام بتخصيص قانون مستقل لذلك يتضمن جرائم وعقوبات وتدابير جديدة متماشية معها. وبالرجوع إلى هذا القانون الذي أصطلح على تسميته قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجده قد تضمن العديد من التدابير والآليات لقمع ومكافحة هذه الجرائم ومن بينها الآليات الموضوعية والإجرائية التي من خلالها عمد المشرع إلى حصر السلوكيات التي تعد جرائم فساد. فبالنسبة للأحكام الموضوعية التي تضمنها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجد انه ، ماتعلق بتحديد السلوكيات المجرمة وما تعلق بالعقوبات المطبقة على من تبث ارتكابهم لها . وجرائم الفساد كغيرها من الجرائم المذكورة في قانون العقوبات وجب توافر فيها الركن المفترض ، ومنه إظهار صفة مرتكب الجريمة والذي قد نص عليه قانون الوقاية من الفساد وإعطائه مفهوم خاص وهو الموظف العمومي وذالك من خلال المادة 02 الفقرة الثانية من القانون 06/01 وانطلاقا من هذا التعريف نرى انه يعتبر موظفا عموميا كل شخص ينتمي الى احد الفئات التالية (ذوي المناصب التنفيذية القضائية و الإدارية عامة ، كذالك الأشخاص الذين يتولون وظيفة او وكالة ومن هم في حكم الموظف) وبالرجوع الى قانون مكافحة الفساد ، فقد نص على مجموعة من الجرائم منها من كانت موجودة في قانون العقوبات مثل جريمة الرشوة ولكن انتقل المشرع من المفهوم الضيق لها ، ليشمل مختلف الجرائم المماثلة لها ، حيث قام بالتفصيل فيها باعتبارها اهم مظاهر الفساد واخطر الجرائم التي يرتكبها الموظف العمومي ، اذ ميز المشرع بين الرشوة في القطاع العام والقطاع الخاص والعقوبة المقررة لهما ، وكذالك جريمة الرشوة في الصفقات العمومية ، ورشوة الموظفين العموميين للأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية ، كذالك ذكر القانون جريمة الاختلاس وميز بين الاختلاس في القطاع العام والقطاع الخاص ، أيضا ذكر جرائم الغدر والإعفاء او التخفيض في القانون من الضريبة او الرسم ، اخذ الفوائد بصفة غير قانونية، التصريح الكاذب بالممتلكات او عدم التصريح ، تلقي الهدايا غير مستحقة ، كذالك ذكر المشرع جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية وجرائم أخرى مرتبطة بالفساد. لكن وبالرغم من تجريم كل هذه الأفعال التي تشكل جرائم فساد ومنه رصد عقوبات لمرتكبيها لا يكفي وحده مالم يتم إقرار قواعد قانونية تضمن الكشف والتحري عنها والوصول الى مرتكبيها ، بحيث تبقى جسما قانونيا غير قادر على إنتاج آثاره القانونية التي شرع من اجلها ، وعليه ومن اجل هذا الغرض ارفق المشرع الجزائري القواعد الموضوعية لقانون مكافحة الفساد بجملة من القواعد الإجرائية المختلفة ، فذكر المشرع وجوب تتبع طرق وأساليب في البحث والتحري فجاء في نص المادة 56 من قانون 06/01 عن إمكانية اللجوء الى التسليم المراقب وإتباع أساليب تحري خاصة كالترصد الالكتروني والاختراق باذن من السلطة القضائية ، كذالك تطرق إلى مايعرف بأسلوب الاختراق والتسرب ، وإضافة الى كل هذه الإجراءات تطرق المشرع الى مايعرف بالتعاون القضائي الدولي في قضايا الفساد بما يشتمل عليه هذا التعاون سواء في إطار التعاون المتبادل وعن طريق الإنابة القضائية ، وأيضا التحقيقات المشتركة بين هيئات القضاء للدول ، ايضا تطرق المشرع إلى إجراءات وطرق مختلفة في إطار التعاون الدولي من اجل تجميد وحجز الأموال واسترداد الممتلكات عن طريق المصادرة الدولية.