ي وصف رجل عجوز فقير قد تاه القلم، هناك في بيت بعيد قد وضع العجوز كرسيًّا يجلس عليه ليطالع المارَّة بعينين تحكي قسوة السنون التي قضاها في حياته قبل أن ينطق لسانه بحرف، كان لِوجه هذا العجوز الفقير اللون البرونزيّ الذي غطّى جسمه كذلك، ولكن لم يحصل عليه من حمامات الاستجمام الصيفية أو من رحلات الشاطئ الترفيهية، إنّما أهدته إيّاه الشمس لقاء عمله الكادح تحت أشعتها المحرقة، فقد أفنى شبابه وعمره وهو يعمل بجد كي يؤمن لقمةً شريفةً يقتات عليها أطفاله. ولم يكن لونه المحروق هو الهديّة الوحيدة التي تلقاها في حياته، بل أهدته السنون خطوطها ولمساتها على مُحيّاه، فأصبحت تلك الأخاديد والحفر التي رسمت طريقها على وجنتيه وتحت عينيه، تروي للبشرية قصة كفاحٍ قد عاشها هذا العجوز، وضدّ من هذا ما لم يستطع أن يحدّده ذاك العجوز، نزلت دمعةٌ من عينيه اللتيْن رأتا الكثير في حياته، ولكنها تاهت في تلك الأخاديد قبل أن تعرف طريقًا لنهايتها، وقفت تلك الدمعة لتتحدث عن حجم هذا القهر الذي كابده هذا العجوز المسكين، وعن ذاك الفقر الذي ظل رفيقه على مدى أيام حياته. وقف الرجل متململًا يستند على الجدران بجسده البالي أكثر من ثيابه، ثيابه التي لم يعد يذكر متى كانت آخر مرةٍ ابتاع بها بعضًا من تلك الثياب المستعملة كي يستر جسده، كان لوصف الثياب دورٌ يستحق الذكر في وصف رجل عجوز فقير، فتلك الرقع التي تاهت هنا وهناك في ردائه كانت تبدو عليها لمسة أنامله العجوزة، حاول هذا العجوز جاهدًا أن يقف بظهر مستقيم، فقد نسي ذاك الصندوق الذي يحمله على ظهره، تلك الهموم التي تركت لمستها هي الأخرى على ظهر هذا العجوز المسكين، فقد اعتاد أن يتناسى همومه ليعيش يومه، واعتاد تناسي فقره كي يبقى عنده أملٌ بأيامٍ قادمة، ولكن الهموم والفقر لم ينسياه من رسم معالمهما على ظهره. ذاك العجوز الذي اشتعل رأسه بالشيب فكانت تلك الشعيرات البيضاء، بقايا شعرٍ كان يحمي جلدة رأسه يومًا من أشعة الشمس، تفرقت تلك البقايا من الشعر على رأسه ليبدو جلد رأسه من هنا وهناك، ولم يبقَ في فمه إلّا بضع أسنان تُعينه على مضغ لُقَيْمات عسى أن يُقِمْنَ صُلبَه، أغلق فمه عله يخفي هذا الجمال في فمه لتبدو شفتاه كوادٍ قد شققت أرضه الجفاف وقلة الماء. رفَعَ العجوز يدَه ليمسحَ غبارًا دخل في عينيه ليبدو كلوحةٍ بديعةٍ،