حيث تولى الامبراطور دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية وفكر في تقسيمها إلى قسم شرقي وآخر غربي بسبب الظروف التي طرأت على الامبراطورية في ذلك الوقت أو ما عرف بأزمة القرن الثالث. لكن يمكن القول إنه كان ضروريا لمواجهة أزمة القرن الثالث التي عانت منها الإمبراطورية الرومانية القيام بإصلاحات جذرية على كافة المستويات وقد تصدي لتلك الأزمة كلا من الإمبراطور دقلديانوس (٢٨٤-٣٠٥ م) والإمبراطور قسطنطين، قام الأول وهو بصدد الإصلاح الإداري بتقسيم الإمبراطورية إلى قسمين شرقي وغربي يحكم في كل منهما إمبراطور وهو ما عني تواجد إمبراطوران في وقت واحد أحدهما في القسم الشرقي والثاني في القسم الغربي، بل زاد على ذلك بأن جعل لكل إمبراطور قيصرًا يساعده ويكون خلفًا له حال وفاته وتحول الحكم الثنائي بعد قليل إلى ما عرف بالحكومة الرباعية. ولم يكن يعني ما قام به الإمبراطور دقلديانوس- كما افترض بعض المؤرخين - ظهور إمبراطورية جديدة على أي من الجانبين، لذلك يمكن اعتبار ما قام به دقلديانوس لم يكن إلا مقاربة منه لحل المشكلة الخاصة بالعرش الإمبراطوري، وليست عملية تقسيم الهدف منها الفصل نهائيا بين قسمي الإمبراطورية. ويلاحظ في تلك الفترة تعدد العواصم حيث لم يعد مناسبا للسيطرة على إمبراطورية مترامية الأطراف بمساحاتها الواسعة وأعدائها الكُثر أن تحكم من مركز وحيد - أي روما - التي لم تعد مناسبة لمثل ذلك الدور فقد توقفت عن كونها مدينة مؤثرة سياسيًا. كما هوت الحكومة الرباعية بعد تقاعد دقلديانوس عام ٣٠٥م في أتون حرب أهلية تمكن قسطنطين الخروج منها منتصرا، وعادت الإمبراطورية الرومانية عام ٣٢٤م مرة أخري تحت إمرة حاكم وحيد، والذي أخذ يدير شئونها من عاصمة جديدة شيدها عند شواطئ البوسفور عام ٣٣٠م وهي التي أراد لها أن تحمل اسم روما الجديدة، وكذلك تشييد مدينة القسطنطينية ونقل كرسي الإمبراطورية إليها، أن فترة قسطنطين شهدت تدعيم الجزء الشرقي من الامبراطورية في الوقت الذي كان فيه القسم الغربي يسر بسرعة نحو الانهيار امام جحافل العناصر المتبربرة. النظرية الثالثة: يذهب مؤيدي هذا الرأي إلى ان سنة 330 م تحديدًا هي بداية التاريخ البيزنطي؛ لأنها السنة التي تم فيها تأسيس مدينة القسطنطينية تحت اسم روما الجديدة أو روما الثانية، فيري أصحاب هذه النظرية أن اتخاذ القسطنطينية مقرا للحكم هو نقطة البداية في التحول التدريجي من إمبراطورية روما الوثنية إلى ما عرف بالإمبراطورية البيزنطية، بيد أن الإمبراطورية البيزنطية التي تعود أصولها إلي الإمبراطورية الرومانية المتأخرة ظلت في أعين المعاصرين رومانية على الأقل حتى القرن الثاني عشر وكان قاطنوها يدعونها إمبراطورية الرومان خاصة في الفترة المبكرة. كما أن ظاهرة تغيير العواصم ظلت مستمرة بعد قسطنطين الذي سرعان ما اكتشف خلفاؤه أن الإمبراطورية أكبر من أن تحكم من قبل فرد واحد ومن مقر واحد أيضًا. وكان من الطبيعي قيام حكم جماعي بين أباطرة تربطهم وشائج القربى هم أبناء قسطنطين نفسه الذي قسم الإمبراطورية مرة ثانية بين أفراد عائلته وهو على فراش الموت، واتخذت إلى جانب القسطنطينية مدنا أخرى مقرًا مثل تريفي وسالونيك وأنطاكية رغم بعد المسافة بينهم. إن ما قام به خلفاء قسطنطين لا يعني الإقلال من قيمة القسطنطينية، وبالإمبراطور ثيودوسيوس الأول. فقد كان ثيودوسيوس آخر إمبراطور حكم الإمبراطورية بأكملها بمفرده وعلى الرغم من حرصه على وحدة الإمبراطورية طوال فترة حكمه، إلا أنه قسمها وهو على فراش الموت عام ٣٩٥ م بين ولديه هونوريوس وأركاديوس، حيث كان القسم الغربي من نصيب الأول بينما جاء القسم الشرقي من نصيب الأخير. لقد قسمت الإمبراطورية في وقت خطر ساده عدم الاستقرار الذي سببه الغزو الجرماني والقوط الشرقيون المتجولون بينما جيوش الإمبراطورية تعاني من ضعف شديد. وهناك من يري في ذلك التقسيم الذي أتي به ثيودوسيوس بداية للتاريخ البيزنطي، غير أنه يمكن القول إن ذلك التقسيم كرس- على المدى البعيد- الانقسام بين الجانبين. النظرية الخامسة: يأخذ أصحابها من سنة ٤٧٦ م مدخل لبداية التاريخ البيزنطي لأنها تعتبر آخر العهد بالإمبراطورية الرومانية في الغرب حيث إن أدواكر الجرماني أرسل شارات الإمبراطورية الرومانية إلى الجالس على عرش الإمبراطورية في المشرق وهو الإمبراطور زينو. فإذا كانت نظرية الإمبراطورية الموحدة باقية حتى عام ٤٧٦ م، فإن ذلك العام نفسه يمكن أن يكون نهاية لها في نظر بعض المؤرخين، وبالتالي يمكن القول ببداية الإمبراطورية الرومانية الشرقية أي بداية التاريخ البيزنطي في ذلك العام. ولكن ما قام به الإمبراطور زينون دل على تمسك أباطرة القسم الشرقي بوحدة الإمبراطورية، النظرية السادسة: وتشير لوجهة نظر بعض المؤرخين من أنه حتى أيام الإمبراطور جستنيان لم تكن هناك دولة بيزنطية بالمعنى المفهوم لتلك التسمية. ويبدو أن ما فعله جستنيان من محاولة استرجاع الغرب الأوروبي إلى حظيرة الإمبراطورية الموحدة كان آخر محاولة لرأب الصدع ووحدة الإمبراطورية. لقد خاض ذلك الإمبراطور حربا استردادية شرسة مع قوي الجرمان في الغرب، ويمكن النظر إلى تلك الحرب في ضوء نظرية وحدة الإمبراطورية. وأمكن للإمبراطور جستنيان أن يستعيد الكثير من أقاليم الغرب، النظرية السابعة: يرى بعض المؤرخين ان مدخل التاريخ البيزنطي يأتي بعد الإمبراطور جستنيان أي سنة 565 م لأن هذه الفترة هي أحسن فترة للبلاد في أثارها ولم يعد هناك أمل في إحياء الدولة الرومانية التي قضى عليها البرابرة وأقاموا مكانها ممالك جديدة. كما أن الدولة الشرقية بدأت تسعى من أجل إظهار شخصيتها المستقلة وطابعها الحضاري المتميز والمختلف عن الدولة الغربية. النظرية التاسعة: وطبقا لهذه النظرية يبدأ تاريخ الدولة البيزنطية يوم عيد الميلاد عام 800 م، وفيها توج شارلمان إمبراطورًا على الغرب ومنذ ذلك الحين أصبح هناك إمبراطوريتان مستقلتان غربية مقدسة وشرقية بيزنطية وصار لكل منها كيانها وحدودها، ففكرة وحدة الإمبراطورية ظلت قائمة حتى عام ٨٠٠ ميلادية، وهو العام الذي توج فيه شارلمان إمبراطورا علي يد البابوية في روما، وطبقا لهذا التتويج ظهر إمبراطور في الغرب (أي شارلمان) لكن بيزنطة لم تر فيه سوي جرماني لا تطاول هامته هامة الأباطرة الرومان. ويعني ذلك أن أباطرة القسم الشرقي رغم طول الأمد كانوا يؤمنون بوحدة الإمبراطورية، وتأكيدا لحق الإمبراطور في القسطنطينية في أي الميراث الروماني فإنه أطلق على نفسه لقب إمبراطور الرومان.