نحن نحتاج إلى الصمت كي تكون قادرين على لمس الأنفس الأم تريزا ) كيف يحصل الإنسان على الهدوء والقدرة الحقيقية على الإصغاء، فإذا كان لدى الإنسان صعوبة لأن يتلامس مع نفوس من يتعامل معهم، فالاحتمال الأكبر أنه يفتقر للصمت الداخلي وما لم ندرب أنفسنا على نمط الاعتزال والسكون عبر حياتنا فلا سبيل لنا للحصول على الهدوء ولا الصمت الداخلي ولا القدرة على الإصغاء ومساعدة الآخرين بالتالي فنحن لا نصبح قادرين على الإصغاء، حقا، كما قال أحد الرهبان، إلا حين ننمو في السكون هذا سبب آخر لصعوبة وجود مشيرين في مصر رغم وجود الكثير من برامج التدريب الآن، وهو أن نمط الاعتزال والسكون هذا غير موجود في طبيعتنا الحياتية. لقد قلنا إن المشورة علم، ليس بها أي شئ من السحر. بالطبع، نحن مجتمع غير علمي (يؤمن بالخرافات لا بالأسباب المنطقية ) ، AT أو عن مادة دراسية تتم دراستها، لكن الحديث عن نمط حياة يجب أن ينميه الإنسان طوال رحلة حياته كل يوم وكل شهر وكل عام. لأن من يسمون أنفسهم "مشيرين" في مجتمعنا هم AY الراهب بنيغنس اورورك الأغطيني اكتشف كنزك الخفي». ترجمة: كلير بوناصيف دار المشرق، بیروت ۲۰۱۱. راجع كتابنا رسمات ومعايير النضج النفسي. AT مشيرون تقنيون كالرجال الآليين Robots بلا روح ولا شخصية، يقول الكاتب المسيحي المعاصر ريتشارد فوستر : "يجب أن نلتمس هدوء العزلة المجدد للنشاط إذا شئنا أن نوجد مع الآخرين وجودًا غني المعنى. فلا عزلة بلا صمت والغرض من الصمت والعزلة هو أن نتمكن من أن نرى ونسمع. إن حصيلة العزلة هي تَضَاعُف الإحساس والتعاطف مع الآخرين. إذ تأتينا حرية جديدة لنكون بين الناس ومعهم ويحصل تنبه جديد إلى احتياجاتهم، وتجاوب جديد مع أوجاعهم. بطريقة ما صار هناك معتقد خاطئ، لا نعلم مصدره، بالطبع هذا معتقد خاطئ. قد تمكنك حياة النشاط من أن تفهم الناس أنثروبولوجيا Anthropological لكنك لن تستطيع أن تفهم البشر سيكولوجيا Psychological أو على المستوى الوجودي أو الروحي وأنت ذائب كليا معهم طول الوقت. نعم، إن الناس يحتاجون إلينا، إن مجتمعك يحتاج إليك ولكن ربما ليس كي تكون حاضرًا معهم في كل الوقت. أسلوب وجودك وحضورك الخاص في مجتمعك قد يتطلب منك أوقاتًا من التغيب أو الصلاة أو التفرغ للكتابة أو الاعتزال، إنهم أيضًا يحتاجون إلى غيابك الخلاق ! " يا له من تعبير "غيابك الخلاق" إنه مفهوم عبقري، حيث يُدَرِّب فيها الإنسان العربي منذ صغره، هشام شرابي يُدرب على أن بقائه وحيد أمر غريب أو شاذ، فكيف إذن نجد من يَصْمت ويَستَمع في مجتمعاتنا يقول هشام شرابي: "إن المستمع الصبور لا مكان له في إطار اجتماعي ملئ بالناس والمخالطة دائما"، حيث هناك (في ذلك الإطار الأردن ۲۰۰۹ «صوت الحب الداخلي». وعلاقة ضعف وسوء الاستماع بالتواجد الدائم مع الناس المخالطة الدائمة)؟ لعلنا نستطيع أن نفهم الرابطة أنه لا وجود للاستماع أو الإصغاء الحقيقي دون غياب خلاق ودون عزلة وصمت داخلي. AY الإجتماعي والمجتمع الذي نعيش فيه انتقاص لدور المستمع لأن الصمت يعتبر تقصيرا وبالتالي نقصا في المكانة. حياتهم ونحن نعيش في صخب هكذا ؟! كيف سنقدم لهم ما لا نملكه ؟! يقول بول تورنييه: "إن أوقات التأمل الهادئ هذه هي التي فيها نسترد سلامنا الداخلي الذي نحن في أمس الحاجة له في التأمل الهادئ نحن نعيد اكتشاف الترتيب الصحيح للقيم والتمييز الواضح بين ما هو مهم وما هو أقل أهمية. ولعل ذلك كان السر المميز لشخصية بول تورنییه کمشیر مسيحي فريد من نوعه حتى أن الناس كانوا يسافرون مئات الكيلو مترات من جميع أنحاء أوروبا ليتحدثوا معه عن مشاكلهم الخاصة، وقد أوسعنا التأمل الهادئ بحثًا في كتاب سابق AA والآن دعونا نتطرق إلى ما هو أصعب، وهو ما يُسمى "بالصمت الداخلي". يقول مؤلف كتاب "الكلمات وتأثيرها على العقل"، وهو أخصائي في علم الأعصاب Neurology ركز عمله الطبي في هذا الكتاب على دراسة تأثير الكلمات والإصغاء من الناحية العصبية على الإنسان، يقول: "إن الاستماع هدية عظيمة تقدمها للشخص. ما يعني أن علينا أن ندرب عقلنا على إبعاد لا يعد الصمت فقط تقصيرًا، بل أنه مُهدد لكل من لديه ضوضاء وصراعات داخلية. فالقاعدة تنص من في سلام مع نفسه ويستمتع بالصمت لن يهدده صمت شخص آخر، والعكس صحيح. على أن ۸۹ هشام شرابي «مقدمات لدراسة المجتمع العربي الدار المتحدة للنشر، التنفيس Catharsis»، وسنفرد صفحات عديدة لشرح هذا المصطلح المشوري الهام جدًا في الجزء الثاني من هذا الكتاب بول تورنييه النعمة والذئب» ترجمة: د. راجع كتاب «بره الجنة» للمؤلف الناشر : المؤلف. القاهرة ۲۰۱۳ للأسف ، نفسه عن الكلام الحديث الداخلي Inner Talk المولد ضمنه (أي ضمن هذا العقل نفسه، فالكلام / الحديث الداخلي يلهينا عن توجيه كامل انتباهنا لما يقوله الشخص الآخر. قبل الفم. إن لم يتدرب الإنسان بمفرده- في حياته الفردية على الصمت الداخلي، عاما وراء الآخر. سيستغرق الأمر أعوامًا وأعوام. فهناك صعوبة طبيعية بالغة ( بعد السقوط) بعقولنا تعيق قدرتنا على الإصغاء. إن عقولنا تلقائيا لا تهدأ ولا تتوقف عن التفكير والذي. يكون في هيئة كلمات وهذا هو ما يُسمى بالكلام / الحديث الداخلي Inner talk) ، ما أدق فعلاً التعبير الذي استخدمه القديس أغسطينوس هنا لوصف هذا الأمر عادة "ضجيج العقل في الأذن الداخلية ", الحصول على الصمت الداخلي. يقول لنا العلم أن سرعة تفكيرنا تفوق سرعة الحديث بنسبة تتراوح بين أربع وعشر أضعاف ( حيث أن معدل الحديث العادي هو ١٢٠ كلمة دقيقة، بينما معدل التفكير يكون ٨٤٠ كلمة / دقيقة ) !! ففي الوقت الذي تنتظر فيه مسامعنا 10 د. ترجمة: رفيف غدار ۹۷ هنا أود أن أشير إلى أن ما يحيط بنا من ضجيج خارجي وتلوث بصري وسمعي مريع هو انعكاس الدار العربية للعلوم بيروت ۲۰۱۲ متى المسكين. «حياة الصلاة الأرثوذكسية». دير الأنبا مقار وادي النطرون ١٩٥٢ (طبعة أولى) للضجيج الداخلي الذي يسكننا وليس العكس. الضجيج الخارجي ليس هو السبب في ما يوجد بداخلنا من حيرة بل العكس، فما بداخلنا من فوضى وارتباك وجلبة وثرثرة هو ما يصنع هذا الضجيج الخارجي اللعين. ونحن نجد الشوارع في الغرب، في معظم البلدان تقريبًا هادئة تمامًا، ذلك لأن الشخصية الغربية دربت عقلها منذ اعترافات القديس أغسطينوس ۹۸ الكلمات لتخرج من أفواه الآخرين تكون أفكارنا قد ابتعدت عنهم وعن أحاديثهم بمسافة ليست بقليلة؛ ربما حتى نكون قد أعددنا إجابة ما في أذهاننا عن الأمر الذي لم يفرغ المتحدث من الحديث عنه، بل إن ذلك جريمة في حق الإصغاء. ربما أنت مندهش الآن عزيزي من حجم الحديث والكلام الذي يمكن أن يدور بداخلك في ثوان معدودات؟! ألم نقل لك أن معدل الحديث العادي هو ١٢٠ كلمة/دقيقة، بينما معدل التفكير (أي الحديث الداخلي) ٨٤٠ كلمة / دقيقة تُرى إلى أين سيذهب عقلك المرة القادمة حين تستمع لشخص ما يحدثك ؟! إذن، نحن نحتاج أن ندرب عقولنا وأفكارنا علي الانتظار الهادئ والصامت للوصول إلى الإصغاء الجيد يقول الراهب بنيتس أورورك الأغطيني: "يجدر بنا أن نفرغ عقولنا من المعضلات الأولية Basic التي تواجه المشير هي ماذا سيفعل عندما يضمت المستشير. وحينما يصمت المستشير، هو في ۹۹ «اكتشف كنزك الخفي». 11 الحقيقة يقول أشياء لا تسعها الكلمات. أين يوجد إذا المشير من صمت المستشير ؟! والمصفي الفطن يستطيع، وقد وجه انتباهه إلي جملة الموضوع أن يميز كلما تقدم به الموضوع بين النقاط الهامة والنقاط الثانوية، وراء المهم وتارة وراء غير المهم دون أن يميز بينهما. أو لكي فقط تستمع. ولكن الاستماع لكي تجيب ( النوع الأول) هو ما يحدث دائمًا. ونبحث عن أية ملاحظة تساعدنا في إجاباتنا ( التركيز هنا لن يكون على المتحدث بل على المستمع وهنا يكمن الخطأ) . إن الحوار الحقيقي يعني الاستماع ليس لتستعد للإجابة بل لتشارك من يحدثك في حياته الانفعالية. استماعه- في إعداد الإجابات ريثما ينتهي المتحدث من كلامه ربما يجدر بنا أن نقول كما قال سليمان الحكيم "من يجيب علي أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار. " (أمثال ۱۸ : ۱۳). فيقول: "عندما نصبح مستفرقين كليا في شئ بسيط مثل مراقبة التنفس أو أي تمرين استرخاء آخر، فإن وهذا يتيح لك أن تصبح مدركًا للأشياء الدقيقة التي تحدث مباشرة حولك، ستسمع أصواتا نادرا ما كنت تلاحظها ، وستشعر بإحساسات أكثر في جسمك، وإذا جلبت هذا الحضور ۱۰۰ ۱۰۱ بول تورنييه هبة الإحساس» ترجمة سليم اسكندر حنا دار مكتبة الكلمة القاهرة ٢٠١٤. لا يمكن أن يصل العقل لحالة مطلقة الصمت (اللاكلام). أود أن أكرر مرة أخرى أن هناك فارق بين الاستماع العقلي البحث الذي هو عبارة عن إشارات كهروكيميائية تصل لآذاننا بلا رغبة أو قصد من ورائها، وبين الإصغاء. وفي الاستماع العقلي البحث، عندما لا يكون المشير مُصغيًا وحاضرًا بكل كيانه، تسقط أشياء كثيرة من كلمات المستشير الثمينة؛ مثل الأشياء التي لم يقلها المستشير بل وحتى من الأشياء التي قالها لكنها مرت مرور الكرام على مسمع وذهن المشير. بل وسيشتمل على الإحساس المادي البدني الذي يتفاعل مع ما نسمعه) إلى المحادثة (جلسة المشورة ، ستختبر التفاعل معه بوضوح أكبر. على الصعيد الآخر يقول الكاتب " أن الشخص الآخر سيعرف، متى شئت الكلام الحديث الداخلي انتباهنا وسيؤدي إدراكه لعدم اهتمامنا هذا إلى الابتعاد عنا. وكلما ازداد التأمل لهذا الشكل الأعمق من الإدراك المتحدث الداخلي" (وصار العقل مراقبا صامتا لذاته ) . كلما صار الناس متبصرين حكماء ذوي حدس Intuition وقادرين على اختيار كلماتهم بحكمة أكبر، إذ يقل الإجهاد النفسي والتوتر والاكتئاب مما يعطينا الطاقة ويجعلنا مسترخين، وعلى الصعيد الاجتماعي ذوي إدراك أكثر لاحتياجات ويكمن تشتت الانتباه هنا لقلة اهتمام المستمع ( المشير ) وعدم اكتراثه لأن يهيئ نفسه فيما مضى من سنوات عمره، حتى يكون مستعدا للإصغاء، مهتما فقط بما يسمعه من المستشير ليس بأي حديث دائر داخله. الكلمات وتأثيرها على العقل». عادة النبرات الهامة للإنسان تكون ضعيفة، فمن يستطيع أن يرصدها أو يسمعها إلا قد تكون واجهت مواقف مشابهة لذلك من قبل، مثل أن تجد نفسك تتحدث إلى شخص وبعد أن تنهي هذا معنى آخر من معاني الصمت الداخلي. الكلمات وتأثيرها على العقل». بل أنها عملية بل أن الصمت الداخلي هو الذي يُساعد المشير على أن يحوم حول ما يقوله المستشير وبالتالي يفهمه) ليستخلص منه فهما حكيمًا وتصورًا صحيحًا لما يـ ا يستمع إليه، حتما سيفهم المتكلم كما تملي عليه تلك الضوضاء الداخلية، لذلك فإن واحدة من أهم الطرق للتواصل مع شخص ما يعاني أو يوجد في مشكلة هو أن تصمت وتهدأ وتصغي إليه بانتباه. قلنا أن الصمت الداخلي يقودنا ليس فقط إلى الإصغاء، حيث يحدث التلاقي الكياني وهنا يجدر بنا الاستماع إلى المحلل النفسي بيير داكو في المقتطفات الفريدة التالية له عن صمت واستماع المشير، فيقول داكو: "يتم الاتصال الإنساني بالكلام، سواء كانت مشحونة بالعدوانية ۱۰۸ نعم، فمن أجمل وأقيم ما يمكن أن تستمع إلى صمت المستشير. 11 فكل صمت يعني شيئًا من الأشياء. إذن، وعليه أن يبقى حاضرًا، من جهة أخرى، بكل صفاته الإنسانية وتقنياته. إنه يظل حاضرًا كل ثانية بقلبه وفكره. ويصبح صامتًا. إنه يصغي . ظنه سلبيًا. إذ أنه لا يتكلم ولا يقوم برد فعل . ففي هذه الفترة السلبية" إنما يتصف المعالج، يكون المشير أكثر فاعلية وفائدة للمستشير أكثر حتى مما يستطيع أن يفيد به المستشير بالكلمات). إنه يفصل شخصيته وآراءه الفلسفية في أعمق أعماق ذاته ويصبح إنسانا لا آراء له. "إن المعالج (المشير) يصمت، ويتهيأ للعمل بعمق فالصمت ليس سلبيًا،