مقدمة:يزخر الكون الذي نعيش فيه بالأسرار التي يحاول الإنسان منذ وجد على هذه الأرض أن يكتشفها، ولكن أقربها إليه سر اللغة، وأهم مظهر من مظاهر سلوكه، والأكثر من غيرها بل وقبل غيرها جديرة بالدراسة والبحث ما دامت مرتبطة بالإنسان إلى هذا الحد. ورغم مصاحبة الإنسان لها منذ تعلم الكلام إلا أنها عصية في تعريفها ومعرفتها، لأنه لا يحتاج إلى تعريف ما هو أوضح من أن يُعرف فقد صارت اللغة متداولة على لسان الإنسان على نطاق واسع للإشارة إلى عدد كبير من وسائل الاتصال . فنحن نسمع بلغة النمل ولغة النحل ولغة الطيور ولغة الحيوان ولغة الأسماك ولغة الإشارة ولغة الكمبيوتر وحتى لغة العيون التي يتغنى بها الشعراء ولكن تبقى اللغة خاصية نوعية ليس لها شبيها ذو أهمية في أمكنة أخرى، وسؤال الكيفية التي يكتسب بها الإنسان اللغة، هو سؤال الإنسان لنفسه باللغة التي يؤمن يقينا أنه يكتسبها ويستعملها، لمعرفة كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات مُتَصوَّرة ومُتخيَّلة في اكتساب اللغة والإجابة عن سؤاله لنفسه ليست ترفا علميا، إنما هو سعي الإنسان للوصول لمعرفة ذاته، ويريد الباحث أن يعرض من بين تصورات عدة أدارها الفكر البشري في ذهنه، تصورا يرى أنه الأنسب والأحدث في تفسير اكتساب اللغة هو"النظرية الفطرية".اللغة خصائص وأسئلةهناك مواصفات كثيرة تتميز بها لغة البشر، منها أن لغة الإنسان تستطيع أن تشير إلى أشياء محسوسة في عالم الواقع، كما يمكنها أن تشير إلى الافعال التي يؤديها الإنسان أو غيره من المخلوقات، وبإمكانها أيضا أن تعبر عن الأفكار الذهنية المجردة، كما تتميز أيضا بخاصية التعميم، قاسم ، 2016 ، ص. (32) مع هذه الخصائص التي نعرفها عن لغتنا وتميزنا عن الكائنات الأخرى ماتزال اللغة غامضة وتطرح أسئلة - على امتداد العصور - شغلت بال المفكرين من فلاسفة وعلماء نفس وعلماء لغة ورجال دين وعلماء اجتماع وسواهم. ولم يستطع الإنسان حتى الآن أن يتوصل إلى الإجابة عليها كلها، تعليمها، ترجمتها اكتسابها . الخ لا نريد أننستطرد فنذهب في مثل هذه الأسئلة النظري نهايتها ، فقد لا توجد نهاية فعلية لها . .- اللغة وعلم النفسلقد بدأت نشأة اللسانيات النفسية صيف عام 1951 ، في اجتماع المجلس بحوث العلوم الاجتماعية في جامعة كورنيل، إذ تم تشكيل لجنة للسانيات وعلم النفس، برئاسة "تشارلز أو سغورد" ثم عقدت بعد ذلك حلقة دراسية في جامعة "أنديانا" بالتعاون مع المجمع اللساني، في صيف عام 1953 وقد شكلت هذه الحلقة الأساس لأول كتاب يحمل مصطلح "اللسانيات النفسية" في عنوانه: "اللسانيات النفسية : استعراض للمسائل النظرية والبحثية" وقد كان التركيز عند اللسانيين و علماء النفس على الجوانب القابلة للملاحظة من اللغة واستبعاد العمليات العقلية أيا كان نوعها، والاحتفاظ بالسلوك كميدان لعلم النفس، فقد كان الاعتقاد السائد وقتها أن الكلام ليس إلا نوعا من أنواع ما يبديه البشر من سلوك حركي ، واكتساب اللغة عبارة عن عملية تقوم على تزايد سلوكيات الكلام المترابطة بشكل صائب عن طريق مكافأة ما هو مرغوب فيه، وعدم مكافأة ما هو غير مرغوب فيه ونظام التعلم بالاشتراط مشترك بين جميع الكائنات الحية وتعلمها يتم بالطريقة نفسها. وكان الرابط بين اللسانيات وعلم النفس هو النظرة التي ترى أن كل ما هو مثير للاهتمام حيال اللغة قابل للملاحظة المباشرة في إشارة الكلام الفيزيائية، لكن هذه النظرة إلى اللغة وجدت عند ادوارد سابير" معارضة في ورقته البحثية الموسومة "الواقعة النفسية للصواتم" التي نبه فيها إلى ضرورة تجاوز التمثيل الفيزيائي والاهتمام بالتمثيل العقلي عن واعتبر أن موضوعها هو مجموعة القواعد الموجودة في الذهن، فهي السبب في انشاء الكلام الذي هو نتيجة قابلة للملاحظة وقد لاقت فكرة تشومسكي إقبالا وقناعة من اللسانيين وعلماء النفس وتمكن "جورج مولر" إدراك الآثار المترتبة على أفكار تشومسكي بالنسبة إلى الدراسة النفسية للغة واكتسابها، كما قام اللساني سول سابورتا" في عام 1961 . كتابه " اللسانيات النفسية قراءات مختارة بدعم من لجنة اللسانيات وعلم النفس في معبحوث العلوم الاجتماعية (إيفام ، هيلين ، 2018، ص ص 44 ،42،43)وهكذا استغل علم النفس النظريات اللسانية في مجال البحث النفسي و أولى علماء النفس اهتمامهم بالظواهر اللسانية، و عدوها مصادر موثوقا بها للمعلومات في موضوعات متنوعة ذات أهمية بالغة للدراسات النفسية. فتبلور هذا العلم واستقل وأصبح له أدواته العلمية وإجراءاته التطبيقية، واستطاع أن ينقل البحث من الاقتصار على الوصف والتحليل دون التفسير إلى دراسة العقل البشري ودوره في العملية اللغوية المحاولة تفسير الظواهر اللغوية وحالات الإنسان أثناء عملية التواصل، ومن ثم يكون اهتمامه المباشر ينصب على الظواهر العضوية والنفسانية لإنتاج الكلام وإدراكه، والمواقف العاطفية والذهنية تجاه حدث بعينه منأحداث التواصل، والخلفية الثقافية والاجتماعية التي تشكلت فيها نفسية الفرد في مواجهتها. والوقوف على المهارات العقلية والعلاقة بين اللغة والفكر، وعوامل صعوبة الفهم، وتركيب الذاكرة من الناحية اللغوية وطبيعة التذكر، وأسلوب استدعاء المخزون اللغوي من الذاكرة؛ أي العمليات العقلية عند المتحدث قبل صدور اللغة، وعند صدورها من قبل المتكلم. ويهتم بدراسة أمراض الكلام. وقد أكد علماء هذا العلم على أنالدراسة النفسية يجب أن تستعين أيضا بمعطيات علم اللسان. (عزيز ، 2021 ، ص 459)إن اكتساب اللغة لا يتم بطريقة مفاجئة، وإنما يتم بطريقة ترتبط بجانب بيولوجي، تؤديفيه العوامل البيئية والعوامل الاجتماعية دورها عبر مراحل مختلفة، بدءا من مرحلة ما قبلالكلام خلال الأشهر الأولى بعد الولادة التي يسود فيها الصراخ المعبر عن الألم والجوع.بعض الأصوات وتمييزها، وإنتاج أصوات عديمة المعنى. وعند نهاية السنة الأولى من العمر حتىالشهر الثامن عشر تبدأ مرحلة الكلمة الواحدة بنطق كلمات على نحو منفصل، وترتبط بالحاجات الأساسية وبالدلالة على الأشياء التي يتفاعل معها وتعد ذات أهمية بالنسبة له، كما يحدث في كلماته استبدال بعض الحروف مكان بعض. لأنها تمتاز بالابتكار والإيجاز وتعكس معاني كبيرة، وتكون أكثر انتقائية، وتزداد قدرته على إنتاج الجمل المعقدة؛ نظرا لعاملي الخبرة والنضج وبعد عامه الرابع تصير جمله المنتجة أكثر تعقيدا وطولا، وبإمكانه التواصل مع الآخرين لفترة أطول للتعبير عن ذاته واهتمامه وحاجاته ووصف الأشياء والإجابة عن بعض التساؤلات والإدلاءبالمعلومات (رافع، ص ص 42،46).إذا تأملنا علاقة الطفل باللغة في مرحلة اكتسابه لها خرجنا بانطباع، هو أن ذهن الطفل مهيئ بشكل من الأشكال لإتمام عمليه التكلم في عائلته وفي بيئته ويقوم بتحويلها إلى كلام هو في الواقع مختلف عن كلام الكبار من حيث مظاهره فالطفل يسمع من غير وعي التفاصيل الصوتية الدقيقة التي ستصبح جزءا من معرفته اللغوية، والدقة التي يقلد بها كلام من حوله من غير اهتمام منهم تتجاوز دقة التفاصيل الصوتية؛ لذلك لا يمكن أن تكون هذه الدقة لدى الطفل (44)كان الاتجاه السلوكي البنيوي هو المسيطر على الدراسات اللغوية التطبيقية في الخمسينيات من القرن العشرين، وكان يُنظر إلى اكتساب اللغة بوصفه عاده سلوكيه يسهل السيطرة عليها، الذي تشكله البيئة المحيطة بالطفل كالوالدين والاقران والمعلمين، (عبد العزيز ، 1999، ص. (197) فاكتساب اللغة عند السلوكيين شكل من أشكال السلوك الإنسانيومسار تعلمها لا يختلف عن مسار تعلم أية مهارة سلوكية أخرى.فالأصوات العفوية التي تصدر عن الطفل تتحول إلى فونيمات عن طريق تدعيمها أو تعزيزها باتجاه الأنماط الصوتية عند الكبار والاستجابات اللفظية تتولد عبر المثير أو الحافز الفيزيائي، فيكتسبها الطفل عبر مسار تشريطي بقدر ما يكتشف الأشياء التي تشير إليها الكلمات عبر اقترانها بالكلمة التي يتلفظ بها، فيتعلم معنى كلمة (ماما) ومن ثم ماذا تعني كلمة ( حليب) وبعدها ماذا تعني كلمة (لعبة)، وهكذا إلى أن يتم تعلم معنى الكلمات المبهمة، ككلمة (فكر) وكلمة (فرح)، ومن هنا نرى أنفسنا نميل إلى زيادة جملة.52). وكنتيجة لنظره السلوكيين البنيويين للغة بأنها تراكيب سطحية، منتقدا النظرة السلوكية البنيوية للغة بأنها تراكيب سطحية، وأشكال مجردة من المعنى، وكذا تفسير اكتساب اللغة القائم على أساس المثير والاستجابة والتعزيز والمحاكاة وغيرها من المصطلحات التي تنظر إلى السلوك الإنساني نظرة شكلية، أو حيوانية في أحسن الأحوال، 1999،لقد تجاوز تشومسكي الأطروحات التقليدية وقوّض التصور الكلاسيكي للغة وللمعنى، فلم تعد اللغة مجرد مدونة من الكلمات تدل على أشياء تقابلها في الواقع وتَبَنّى الفلسفة العقلانية بوصفها أساس التفكير اللساني الجديد انطلاقا من طبيعة اللغة الإنسانية ذاتها وواقعها الذهني ففي مؤلفه اللسانيات الديكارتية فصل في تاريخ الفكر العقلاني (1966) " بين المصادر التاريخية والأصول الفكرية لنظريته العائدة إلى الفكر العقلاني الذي ساد أوربا ابتداء من القرن السابع عشر وخاصة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596) - 1650) الذي رفض الوصف المحض للغة، و ربط بين اللغة والعقل، 1986 ، ص ،آلة، ويمكن تفسير ما يصدر عنه تفسيرا آليا، فالحيوان جسم مادي؛ لأنه لا عقل له، مثله مثل الأجسام المادية، ولا يوجد حيوان مهما يكن كاملا أن يفعل ذلك (عبده ، 1979 ، ص. (121 ، 120 ، 119) وهو ما يؤكد عليه تشومسكي في قوله :" ليس من سبب جوهري اليوم للاعتراض على وجهة النظر الديكارتية التي ترى أن القدرة على استخدام الإشارات اللغوية للتعبير عن الأفكار التي تكون بصورة حرة هي ما يرسم الفارق الحقيقي بينالبشر والحيوان والآلة ( تشومسكي ، 2005 ،‏)1835-1767( Humboldt " وتأثرا بفكرة ربط اللغة بالعقل عند المفكر الألماني "همبولدتالذي يرى أن اللغة عمل العقل؛ ولأنها كذلك فإن هناك عوامل تكمن تحتها وهي ليست على وهو ما سماه "شكل اللغة ويتمظهر في شكلين خارجي (آلي) وداخلي (عضوي). والشكل الأخير هو الأهم؛ لأنه الأساس في كل شيء، أو هو البنية العميقة لما يحدث بعد ذلك على السطح. (مصطفى 2017 ص.41). وأشار في مؤلفاته الأخيرة إلى أن علم اللغة فرع من علم آخر أطلق عليه علم النفس الإدراكي، وكان ذلك : في ثلاث مؤلفات من مؤلفاته وهي: "مظاهر النظرية النحوية"، "علم اللغة الديكارتي" ، 1985 ، (207).لقد وجد تشومسكي في الفلسفة العقلية ونحو بورويال وعلم النفس الإدراكي الحجج والدعامة الفكرية لرفض الطروحات البنيوية ذات المنحى التجريبي المتبنية لتصورات علم النفس السلوكي في مجال تعليم اللغة واكتسابها. ومع التحول في مركز الاهتمام من اللغة المجسدة إلى اللغة المبنية داخليا رفض تشومسكيكثيرا من الأسس التي ارتضتها المدرسة البنيوية من النواحي التالية: - فمن حيث الموضوع، كانت المدرسة البنيوية تتخذ من النصوص اللغوية موضوعا لدراستها، على حين اتخذت المدرسة التحويلية من قدرة المتكلم على إنشاء الجمل التي لم يكن سمعها من قبلموضوعا لها.ومن حيث أسلوب الدراسة والتحليل، كانت المدرسة البنيوية تعتمد على وسائل الاستكشاف على حين يؤمن تشومسكي بضرورة الحدس والتخمين، ثم إجراء الاختبار لتقويم الفروض المتضاربة.ومن حيث الهدف، وهذا يعني الكشف عن وجود عدد غير متناه من الجمل في أية لغة، وأيها لا يشكل جملا. وكذلك وصف البنية النحوية لكل جملة. وعلى حين كان البنيويون يرون لكل لغة بنيتها التي تتفرد بها ، ويحاولون الكشف عن هذه التشابهات الكلية. 1997، صوقد تناول تشومسكي في نظريته هذه عددا من القضايا اللغوية النفسية التي اعتبرها تشومسكي ضرورية وأساسية لفهم طبيعة اللغة وأساليب تحليلها وعملية اكتسابها ومظاهر أدائهاومن أهم القضايا التي تناولها:البنية السطحية والعميقةمن المآخذ التي أخذها تشومسكي في التحليل اللغوي وبدأ بها هجومه على منهج السلوكيين في وقت مبكر الاهتمام بسطح اللغة دون عمقها؛ ولا يُعد علما ؛ لأنه لا يُفسر شيئا، فالأهم هو أن نصل إلى البنية التحتية أو العميقة التي من خلالها نصل إلى قوانين الطبيعة البشرية وهي بنية تجريدية معنوية للتمثيل النحوي للجملة، وتنظيم بنائي يحدد جميع العوامل التي تتحكم في ترجمة الجملة وفهم معناها بناها، وتحليلهيقدم لنا معلومات تساعدنا على فهم المعنى الحقيقي للجملة ( عبد العزيز ، 1998 ، ص. (345).الابداعية وعلى تفهم تعابير فكرية أيضا متجدّدة في لغته وإنتاجه والحكم عليها من حيث الصحة والخطأ ولو لم يستعملها من قبل أو يتدرب على استعمالها.31( .ميشال ،الإبداعية تسقط عن الإنسان صفة الآلية، ولا تعني التقليد السلبي لقواعد اللغة، إنما هي توظيف تلك القواعد توظيفا خلاقا وابتكاريا، فبواسطة هذا الخلق يبتكر متكلم اللغة جملا لم ينطق بها من قبل، فضلا عن فهمها ولو لم يسمع بها من قبل، فالنظرية التوليدية التحويلية تنبني على ما يمكن تسميته بلا نهائية اللغة، فاللغة تتكون من مجموعة أصوات، ومع ذلك فهي تنتج وتولد جملا لانهائية لها وهذا ما يبين طبيعة اللغة الخلاقة فعملية التوليد عملية إبداعية تميز الإنسان عن الحيوان والإبداعية نوعان- إبداعية تغيّر نظام اللغة، ومحلها التأدية، فكل الانحرافات الاجتماعية والنفسية (ضعفالذاكرة، التعب الثقافة. التي تتباين من فرد لآخر، قد تؤدي إلى تغيير في ملكة هذا المتكلم. - الإبداعية التي تحكمها القواعد وتوجهها ومجالها الملكة. وهي التي تسمح لنا بتوليد اللانهائي منالنهائي بفضل الطاقة الترددية لقواعدها (شفيقة ، 2004، ص ص 48 ، 47).يمكن اعتبار مسالة الإبداعية في اللغة نقطة افتراق بين المدرسة العقلانية المعرفية والسلوكية الحسية وإيذانا ببدء الصراع بين علم النفس السلوكي وعلم النفس المعرفي في ما يتعلق باللغة، وقد بدأ هذا الصراع واضحا في نقد تشومسكي لكتاب سكينير "السلوك اللغوي" وهجومه العنيد على النظرة السلوكية لاكتساب اللغة، تلك النظرة التي وصفها بأنها عاجزة عن تفسير كثير من الظواهر اللغوية والمشكلات التي تبرز أثناء تعلم اللغة وتقديم حلول لها (عبد العزيز 1998313)ص(يستطيع متكلم اللغة أن يفهم لغته ويدلي أيضا بمعلومات على الجمل الجديدة، وبدلاً منها نلجأ إلى الحدس اللغوي في الأحكام اللغوية التي باستطاعة متكلم اللغة أن يقرها. وهي التي تقود الباحث الألسني إلى وضع قواعد اللغة (خليل، 1984، وذلك لأن عملية مساءلة الحدس اللغوي الخاص بالمتكلم تتيح ملاحظة القضايا اللغوية واستنباط قواعد اللغة من خلالها ميشال ، 1986الفطرة اللغويةالنقطة الرئيسة في نظرية تشومسكي، والتي قادت تفكيره إلى ما تبعتها من أفكار هي فكرة الفطرة اللغوية في ذهن الإنسان، فهو يرى أن العقل / الدماغ الإنساني نظام معقد يدخل في تركيبه أجزاء متفاعلة متعددة، (تشومسكي ، (61) والذي جعل (شومسكي) يزداد تمسكاً بهذه الفكرة ما يراه في تدرج الطفل الصغير في الكلام وفي انتقاله إلى تعلم اللغة وما يميز هذه الفطرية هو شموليتها على عدد هائل من القواعد الكلية التي تولد بالفطرة في ذهن كل إنسان وتنتظم فيه فيصير قادرا على توليد الجمل وبنائها بناء مضبوطا، استنادا إلى ما يسمى بقواعد التوليد، وتتحكم في نمو هذه القواعد عواملبيئية واجتماعية وعقلية ووراثية. (خليل (1984 ، ص.هي قواعد نظرية ذهنية كلية عالمية، وليست كما يرى السلوكيون أنها اكتساب يتم بالتقليد والمحاكاة والخزن. تقوم القواعد الكلية بضبط الجمل المنتجة وتنظيمها بقواعد وقوانين لغوية عامة، تخضع لها الجمل التي يُنتجها المتكلم ويختار ما يتصل بلغته من قوالب وقواعد من بين الأطر الكلية العامة في ذهنه. وهذه القواعد الكلية موجودة في بنية الكلام العميقة، وهي الأساس الذي تتفرع عنه اللغات الخاصة، وهي تحتوي على شروط صياغة قواعد اللغات، أن أي لغة تعبر عن معان وأفكار وعواطف وهي أجزاء مشتركة بين بني البشر على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، فالتركيب الباطني لأية لغة لابد أن يحتوي على عناصر مشتركة بين كل اللغات وهنا يبرز دور اللغوي في استنباط ذلك التركيب الباطني الذي يحتوي على العناصر المشتركة بين اللغات. وأما الحجة الثانية فإنها متأتية من أن كل إنسان سوي يولد ولديه الاستعداد ليتكلم أو يفهم أي لغة ما، وما أن يتعرض للغة ما مدة من الزمن حتى يصير أحد الناطقين بها، بل وبإمكانه تكوين جملا خاصة به، وفقا لقوانين يستنتجها بنفسه ليسيطر على اللغة، وهذا ما يدعم وجود عناصر مشتركة بين جميع لغات بني الإنسان. أما الدليل الثالث فتبرزه إمكانية ترجمة أي لغة في العالم إلى أية لغة أخرى، وهذا يدل على وجود نقاط رابطة وأوجه تشابه عديدة بين اللغات من حيث المعاني والمباني على السواء1314( الخولي ، 1999 صاكتساب اللغة من المباحث المهمة . في اللسانيات - التي أثارت جدلا لدى الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس، وقد انقسمت آراؤهم إلى مجموعتين: الأولى تفسر اكتساب اللغة من حيث اعتبارها قدرة فطرية موروثة، والثانية تفسر اكتساب اللغة من خلال الخبرة البيئة، وبين الأولى والثانية تقع وجهة نظر وسطى معتدلة في تفسير اكتساب اللغة تسمى "التفاعلية". ولا نريد هنا التفصيل في هذه النظريات فهي أكبر من أن تسعها صفحات هذه المقالة ولكننا سنقتصر على نظرية تشومسكي لحداثتها وارتباطها بالموضوع. ص (30) فما يؤمن به تشومسكي أن اللغة تنظيم معقد وعبر دراستها نكتشف المبادئ المجردة التي تقود طرق استعمالها، وتتحكم ببنيتها ؛ ولهذا يحتل اكتساب اللغة عنده مكانا بارزا في اهتماماته، تبرزهاتساؤلاته عن طبيعة هذا الاكتساب وعن إمكانية وضع نظرية تسمى "اكتساب اللغة". ينتقد تشومسكي السلوكيين في عملية اكتساب اللغة ويرى أنها قائمة على اعتقادات أوليةومسبقة سائدة عند السلوكيين والتجريبيين ويعتقد أن دراسة الفرضيات التجريبية التي سيطرت على دراسة اكتساب المعرفة خلال سنين عديدة قد تبناها السلوكيون من دون أي تبرير ، ميشال ، 1986 ، ولهذا يرفض تشومسكي الاقتناع بأن الطفل ينمي بذاته القواعد التي تنتج الجمل المحتملة والتي تندرج ضمنها تراكيب كلامية لم يسمعها من قبل ، والتي لا يمكن التكهن باحتمال ورودها في الكلام، ويُصر على أن بنية التنظيم المعرفي الذي من خلاله يكتسب الطفل اللغة معطاة سلفا إلى الطفل وبالتالي، لا يتم الاكتساب اللغوي متتاليا كما يزعم السلوكيون، أو من خلال دماغ فارغ و بواسطة الاستقراء والتعميم ومن دون أية ضوابط بيولوجية. ميشال ، 1986 ، وما شابه.يبدأ اكتساب اللغة في نظرية تشومسكي اللغوية، ببناء التنظيم الفونولوجي بصورة نشطة وفعالة، فالتنظيم اللغوي يبدو في كل مرحلة تنظيما تاما، فكلما تحسس الطفل بوجود الفونيمات المميزة تغيرت العلاقات بين العناصر وتغير التنظيم ككل، ويستمر هذا الوضع إلى أن يمتلك الطفل التنظيم الفونولوجي ويبدأ الطفل بإدراك الاختلافات القائمة بين الفونيمات في لغة والتفاعل مع الكبار وبتمييزها في وقت لاحق في وقت لا يكون فيه قد أصبح قادرا على إنتاج الفونيمات صأما ما يخص التراكيب اللغوية فقد أثبتت الملاحظات أن أول ما يبدأ الطفل به في عملية اكتسابه استعمال كلمة، ثم الجملة المكونة من كلمتين عبر استخدامه المنظم لفئتين مميزتين من الكلمات الفئة الأولى ويكون عدد عناصرها قليلا، وتسمى (الكلمات المحورية) وترد بصوره متواصلة في كلام الطفل، حيث يبني على عنصر منها كلمة من فئة الكلمات المفردات في سياق محاولاتهالكلامية.