التجنيس لغة: التجنيس هو التصنيف، وإذا نظرنا في المعاجم العربيّة للوقوف على دلالات التّصنيف وجدنا دلالة التصنيف من الصّنْف، والصّنْف: هو النوع أو الضرب، والصّنْف: طائفةٌ معروفة من كلّ شيْءٍ، وكلّ ضرْبٍ من الأشْياء هو صنْفٌ على حدةٍ. وتصْنيف الشيء: أي جعله أصنافًا وميّز بعضها من بعضٍ( ). وهو ما يعني أنّ التصنيف تمييزٌ لكلّ نوعٍ عن غيره، والمعنى اللّغويّ قريبٌ ممّا نحن بصدده بشأن تجنيس الأعمال الأدبيّة أي تصنيفها؛ ثم تجنيس أنواعه بعضها من بعض. وقد ميز أرسطو من منظور فلسفي بين مصطلحي الجنس والنوع، فرأى الجنس أعمَّ من النوع، فالإنسان نوع من جنس الحيوان. وباستقراء معاجمنا العربية في تفريقها بين المصطلحين نجدها قريبة من التصور الأرسطي المعروف، و"الجنس ضرب من كل شيء، يتطابق تعريف المعاجم الفرنسية الحديثة مع المفهومين السابقين، إذ تعتبر بدورها أن الجنس (Genre) أعم من النوع (Espèce)، وأن "كل جنس يتشكل من عدة أنواع متقاربة فيما بينها"(3). ويمكننا القول: إن التجنيس أو التصنيف عملية فكرية، الهدف منها تنظيم النُّصوص الأدبيّة بطريقة تيسر للمتلقين الإفادة منها بأقصى درجة ممكنة، تجنيس النصِّ الأدبيِّ: وتجدر بنا هنا الإشارة إلى كون النص أنواعًا متعددة متمايزة، تبعًا لتعدّد معارفنا الإنسانية في العلوم والآداب والفنون وتنوعها، ولا يمكن أن نحيط بها، أو أن نتواصل معها تبعا لتنوع تخصصاتنا وميولنا ومواهبنا القرائيّة؛ لكن ليس معها كلها، فالطبيب يتواصل مع نصوص طبية، وعالم الفلك يتواصل مع نصوص فلكية، ومن ثمّ؛ كل حسب استعداداته وميوله مواهبه وتلقيه، ومن يتواصل مع نصوص نثريّة، والمزدوجات، والأعمال القصصية التراثية؛ والأجوبة المسكتة، وغيرها من الأنواع الأدبية أو الأجناس الأدبية التراثية؛ وقد يستخدمون المصطلحين بالعكس. والقصة القصيرة، والنصوص الروائية والقصصية بأنواعها المختلفة. وقد تعددت المحاولات النقدية، وبخاصة الألسنية لتجنيس النصوص الأدبيّة بين البساطة والعمق، وقدم في هذا التجنيس مقترحات غربية وعربية، من المفيد أن نعرض بعض هذه الجهود؛ مقترحات تجنيس النّصوص الأدبيّة: هناك إشكاليات عديدة تواجه تجنيس النصوص الأدبيّة؛ فما الأسس التي يبنى عليها تجنيس النصوص الأدبيّة؟ وما المنطلقات المعرفية والمنهجية التي يبنى عليها؟ وكيف يمكننا أن نميز أنواع النصوص الأدبيّة على ما بينها من تداخل وتقاطع؟ وهل يكون تمييزها على أسس من الشكل أم المضمون؟ وقد بذلت لهذه الإشكاليات محاولات كثيرة لتجنيس النصوص الأدبيّة، وتلميذه أرسطو الذي تلقف نظريات أستاذه، وبنى عليها تجنيسه للنصوص الأدبيّة. للنقائص المصورة فيه التي لا تؤثر في مصير البطل، ولا تقلل من إعجابنا به ببطولته، لمساسهما المباشر بالقيم الأخلاقية ( ). فقد قسم أفلاطون الأنواع الشعرية إذًا على أسس أخلاقي؛ على وعي بالفروق النوعية بين الأجناس الشعرية التي تكلم عنها، والملاهي. وقد أعان هذا التفريق تلميذه أرسطو على تجنيس الشعر؛ والملهاة، ولم يعتد بالغنائي؛ فالشعر الذي يعتدّ به هو الموضوعي الذي يعالج أفعالاً عامة، وأما الشعر الغنائي فما هو إلّا مرحلة تمهيديّة للشعر الموضوعي الذي يعتد به وحده ( ). واللافت أنّ أرسطو عدّ المأساة من الأجناس الشعرية، ولم يهتم أرسطو بنوع نثري اهتمامه بالخطابة. ومع تقادم العهد بيننا وبين أرسطو فيرى المفكر الفرنسيّ جيرار جينيت أن نظامه كان أكثر فعالية من الأنظمة الحديثة التي أفسدتها تقسيماتنا التسلسلية: كالآتي: -الآثار الأدبية تدخل في الأنواع. - والأنواع الأدبية تدخل في الأجناس. فيرى جينيت أنّ العلاقة بين نمط الجنس ونمط الصيغة ، بل تداخل وعدم تداخل، أو تداخل مزدوج متقاطع، كما تظهر المأساة في صنف الصيغة الدرامية، والأنواع في الأجناس، والأجناس في الأنماط، وهكذا في حين اتسم نظام أرسطو بأنه نظامٌ يقوم على التوزيع، بمعنى: أنه يفترض وجود جدول مزدوج المدخل، وتحدّد الملحمة بأنها فعل بطولي، ومن ثمّ فلا يوجد أية علاقة تربط بين الأصناف الموضوعية والصيغية؛ فالصيغة هنا عنده لم تشترط الموضوع ( ). ودرامي، إلخ. ( )؛ والصيغة، أنه يمكننا تجنيس النصوص الأدبيّة من خلال ثلاثة معايير هي: الموضوع، والصيغة، والشكل؛ ليكون نصًّا متميزًا عن غيره من النصوص. ويجعل تودوروف تجنيس النصوص الأدبيّة معتمدًا في وصفها على أمرين: - وجهة نظر التحليل المجرد. فيرى تودوروف أن الأجناس وحدات يسعنا وصفها من هاتين الوجهتين. ويقنن المجتمع تكرار بعض هذه الخصائص الاستدلالية. أما النصوص الفردية فتنتج وتفْهم وفقًا للمعيار الذي يشكله ذلك التقنين، وليس الجنس( ). وبتلك النظرة عنده تختلف الأغنية مع القصيدة بملامحها الصوتية، والتراجيديا مع الكوميديا بعناصر موضوعية، وكذا تختلف القصص الترقّبية عن الروايات البوليسية الكلاسيكية بإحكامها في حبكتها وهكذا( ). ويرى أن الأجناس تتواصل مع المجتمع الذي تعيش فيه عبر عملية التقنين؛ فلكل عصر منظومة أجناس تخصّه وتوضح الأجناس الملامح المكونة لهذا المجتمع الذي انتمت إليه ( ). وعليه، فإن تودورف قد أقرّ بأثر المجتمعات وتأثير الزمن في نشوء أنواع نصية خاصة بمجتمع ما في زمن ما، تميز هذه النصوص عن غيرها لمجتمعات أخرى. وربّما كانت أبرز المحاولات الغربية لتصنيف النصوص هي محاولة عالم الألسنيّات الشهير روبرت دي بوجراند إقراره بعدم جدوى المحاولات التقليدية لتجنيس النصوص ( ). ولذلك يرى دي بوجراند أن الأفكار والعلاقات هي أساس عملية التصنيف، وليست التراكيب النحوية هي أساس ذلك؛ لهذا لا يمكن للتقسيمات المعتادة للجمل أن تمدنا بوسائل تصنيف للنصوص بوصفها وقائع في سياق التفاعل الاتصالي. وينبه دي بوجراند على اعتبارين ليحقق التصنيف أكبر فائدة: أولهما- تصنيف النصوص بناء على تطور الاستعمال وهو ما عبر عنه بالتناص Intertextuality الذي لا يستغنى عنه عند إرادة الانتفاع بالنصوص، والتناص يأتي نتيجة لعوامل اجتماعية ولغوية؛ فالأوضاع الاجتماعية المتباينة تؤدي إلى التمييز بين أنواع المواقف، وهذا التمييز يولد الاعتداد بأنواع النصوص التي تعد مناسبة للمواقف، والمعلومات الوقائعية Episodie الفعلية عن المواقف والنصوص تنشأ عنها توقعات لما يكون مقبولاً ومؤثرًا في موقف ما، ويرى دي بوجراند أن ثمة مدخلين واضحين لتجنيس النصوص هما: 1- بدأ بالتقسيم التقليدي لهذه الأنواع، ثم سعى لتحديد الصفات المميزة لكل نوع؛ فمثلاً: في النصوص الوصفية مراكز الضبط في عالم النص في معظمها تصورات للشيء والموقف. وفي النص الجدلي مراكز الضبط هي قضايا كاملة تنسب إليها قيم الصدق، وأسباب لاعتقاد كونها حقائق. أي إنّ النصوص الأدبية عبارة عن حث بعض النظرات السابقة إلى تنظيم العالم الواقعي بواسطة التقابلات وإعادة الترتيب. وفي النصوص العلميّة يتوقع لعالم النص أن يتفق مع العالم الواقعي ما لم تقم دلائل على عكس ذلك؛ هكذا صنف دي بوجراند النصوص على أساس ما سماه مراكز الضبط أي السمات المميزة( ). وبناءًعليه؛ فإنّ المسألة هي استعمال القرائن من أجل نسبة النصوص المختلفة التكوين إلى نوع ما، ولا يشترط أن تكون القرائن داخلية فقط، بل علينا أن نتلمسها خارج النص في المواقف، 2- يتصدى لتحديد نظرية النصوص تحديدًا مستقلاًّ؛ وقصيدة درامية . إلخ، في مجال الشعر الوجداني. وملهاة، وتمثيلية تعليمية، إلخ، وفي مجال الشعر الدرامي أيضًا وهكذا( ). ويفضّل برينكر هذا الاتجاه؛ يمكن وصفها بكونها روابط نمطية في كل منها سمات سياقية موقفية، كتاب متخصص، نقد . شهادة ضمان. 4- ونصوص اتصال (شكر، خطاب تعزية. إلخ). ويمكن تفريع هذه الأقسام بالاعتماد على سماتها السياقيّة والنحوية والموضوعية( ). فالنصوص تكون دائمًا متضمنة في موقف تواصلي؛ وشكل بسط الموضوعات. ويمكن النظر إلى موضوع النص بالاعتماد على التحديد الزمني للموضوع متناسبًا مع وقت الكلام، والعلاقة بين الباث والمتلقي في إطار التوجيه المكاني. وثانٍ سردي، وتتحقق أشكال البسط الموضوعي بالكيفية التي يتم بها التمييز بين أنواع النصوص، فمن المفترض أن يكون لكل شكل أساسي صيغ تحقيق محددة ( ). وبناء على كل ما مضى يقترح برينكر خمس خطوات للتمييز بين أنواع النصوص، ولإلحاق نصوص معينة بنوع نصي: 1- وصف وظيفة النص. 2- وصف شكل التواصل ومجال الفعل. وقد يستعان في هذه الخطوة بالجانب الإحصائي( ). وقسّم بشير إبرير في محاولته التجنيسية النصوص ثلاثة أنواع، 1- نصٌّ إعلاميٌّ: يتمثل في الصحافة والإعلان، ونستمده من المكتبات والأكشاك والمراكز الثقافية والاشتراكات، ويستند على مؤشرات مرئية؛ كالعناوين في كتابتها، 2- نصٌّ علميٌّ: يتميز بأنه يقدم الحقيقة التي لا يوجد فيها اختلاف؛ كزوايا المثلث المتساوي القائمتين. ويستعينون في ذلك باختيار نتائجها بوسائل مادية محددة، ومعايير الحكم على هذه الحقائق لا يترك مجالاً للجوانب الخاصة التي تميز هذا الفرد عن ذلك، وإنما لها واقعية يؤكدها المنطق وتثبتها التجربة العلمية( ). 3- نصٌّ أدبيٌّ: فالنص الأدبيّ هو نقيض للنصّ العلميّ؛ لأنه غير ثابت، ولا يقدم حقيقة علمية دقيقة، وإنما يقدم حقيقة فنية تنبع من الذات. والنصّ الأدبيّ نصٌّ معرفيٌّ، تتلاقى فيه جملةٌ من المعارف الإنسانية، مع كونها ليست كافية وحدها؛ ولذا فإن قارئ الأدب الذي يكتفي بمعرفته الأدبية فقط قراءته غير كافية، فعليه أن ينزع إلى معارف أخر؛ حتى المعارف الاقتصادية والعلمية وغيرها من المعارف الإنسانية، وهو ما يلقي بمسئولية إضافية على كاهل المشتغل بالنصوص الأدبية كتابة وقراءة في التزود من هذه المعارف قدر الإمكان؛ فالنص الأدبي نتيجة لما في الفنان من التباين والفرديّة أو الذاتية التي تميز الفنّ على العلم، عند النقاد وعلماء الجمال، وهي العنصر الأساس الذي يجعل الفن يتسم بالأصالة؛ وأفكر في فحواه، ولكن لم أقدر على صياغة هذا الإحساس في كلمات لنفسي ( ). هما: - الحقيقة المجردة. - الحقيقة الواقعية. - الحقيقة المشيدة. - الحقيقة الممكنة. لقد انطلق م مفتاح في تجنيسه من مفهوم مركزية النص؛ لتبديد التشويشات والاضطرابات، وعرض الترتيب الآتي: - اللانص (النص الكوني والنص الطبيعي). وفي علاقته مع أنساقٍ سيميائيّةٍ أخرى، ومع محيطه، كما حصر العلائق التي تجمع النّصّ بالمفهوم الأصلي اللّاتيني القديم، وبالمفاهيم العربيّة القريبة منه( ). إذًا فلم يعدْ من المستساغ الآن توضيح المقصود بالنّوع الأدبيّ وتفصيله؛ وبعض أعلام الفلسفة؛ وبعض أعلام البنيويّة؛ كتودروڤ وچينت وپروپ وتوماشڤسكيّ، وبعض أعلام التّاريخيّة بدايةً من پرونتير وأدينتون، وبعض أعلام الشّكليّة عند فراي، وفي المقاربات السّيميائيّة يقابلنا بعض أعلام كريزنسكي، وغيره( ) . وتتفاوتْ هذه المقاربات بين الدّاخليّة، والشّكليّة الخارجيّة، وثمة من ألغى القضيّة برمّتها ؛ أو ما ماثل ذلك منْ هذه المصْطلحات، اعتمادًا على أنّ النّصّ وفق مبدأ التّناصّ يتداخل فيه أنواعٌ كثيرة؛ فلا وجود لصفاء النّوع. وعليه؛ ينطلق بحثنا هذا من كون النّوع الأدبيّ أو الجنس الأدبيّ هو ذاك العقد القرائيّ الأساسي بين المبدع والمتلقّي، فكلّ نوعٍ هو نصٌّ، وليس كلّ نصٍّ نوعًا أدبيًّا خالصًا؛ فقدْ تتداخل فيه أنْواعٌ أخْرى، 1- التّواتر: 2- العدد: والتّشاكل انطلاقًا من تعريف لالاند للنّوع أو الجنس بأنّه أكثر من شيءٍ لهما خصائص مهمّة مشتركةٌ( ) مع تأكيدنا على أنّ خصائص الكلّ تختلف عن خصائص أجزائه( )بما تحمله من تنوّعٍ داخل التّواتر. 3- الملاءمة: يحتفظ هذا النّوع بتاريخ يؤكّد ديمومته وبقاءه مهما اشتركت فيه عناصر ثانويّةٌ من خارجه( ). 4- التّكامل: والرسائل الأدبيّة بالإخوانيّة، والمقال السرديّ بالمقال الوصفيّ وهكذا. ومن الشّروط الّتي وضعوها للنّوع أو الجنس الأدبيّ أيضًا: وملازمًا له، والمماثلة اتّفاق نصوص هذا النّوع في سماتٍ مشْتركةٍ تجمعها، كما يضيفون شرطًا آخر يعرف بقانون الاختلاف( )؛ يعنون به اختلاف نصوص هذا النّوع عن غيرها في نوعٍ آخر. 8- القيمة المهيمنة: يرتبط هذا النّوع حسب رومان چاكبسون بما يسمّيه القيمة المهيمنة، التي يعني بها هيمنة وظيفةٍ تواصليّةٍ ما؛ كالانفعاليّة، أو التّواصليّة، أو الانتباهيّة التّأثيريّة، أو المرجعيّة. إلخ( ). و البراجماتيّة المقصودة، هي الّتي تستهدف المنفعة المتحصّلة من الخطاب وغايته، وهي ما يعرف أيضًا بعلم السّياق الذي يهتمّ بالسّياق الظّرفيّ للخطاب، والسّياق الوضعي الذي يتوافق مع المحيط الثّقافيّ له( ) . وميّز فيه بين مكوّناتٍ ثلاثةٍ؛ هي: 2- العمل المتضمّن في هذا الخطاب، طلبًا، أو إثباتًا، أو نفْيًا. 3. الأثر النّاتج عن الكلاميّ الفعليّ؛ أي العمل المتحقّق نتيجة هذا الخطاب؛ كأنْ يكون النّاتج خوفًا أو إقناعًا، أو حملًا على سلوكٍ ما( ). الأجناس الأدبيّة التراثيّة( أنواعها- وتشكلها) كالخطابة التي انتشرت في العصر الجاهليّ، والأمثال، ومنها الأجناس أو الأنواع الحديثة التي لم يكن للعرب عهد بها، بل إنّ الأنواع الحديثة تُعدُّ تَطوُّرًا للأنواع التراثيّة القديمة؛ كالسرد الحديثِ من روايةٍ ومسرحيَّةٍ وأقصوصة وغيرها. ولعلَّ نوعا نثريًّا قديمًا لم يتكلّم فيه كثيرًا من قبل المنظّرين هذا النَّوع هو الأجوبة المسكتة التي تتسم بالإيجاز الذي يذكرنا بنوع أدبي آخر هو التوقيعات التي شاعت في العصر العباسي خاصةً. وأولياته ونشأته؛ فالبدايات غالبا ما يشوبها العتمة، والغموض، ويكتنفها الكثير من الخفاء والعماء، وتتسم غالبًا بالبساطة والسذاجة وقلة العمق، فجلُّهم لم يعرفوا القراءة ولا الكتابة، فالأمية غلبت عليهم، وتفشَّت فيهم، لغلبة الترحل عليهم والبداوة، مع كون قريش سادة العرب وأنبه قبائلهم، وأكثرها تحضرا وامتزاجًا بالشعوب المتحضرة المجاورة؛ وبظهور الإسلام سرت في الأمة روح العلم ونشط التعليم، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبة كانوا يكتبون له الوحي، وكتب بعضهم حوائجه( ). ثم غدت الكتابة وظيفة مهمة في الدولة الإسلاميَّة، فاتخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه زيد بن ثابت له كاتبًا، وبالفتوحات الإسلامية وباتساع رقعة الدولة احتاج الخلفاء لمزيد من الكتاب، وخصص كل منهم في مجال معين، 1-كاتب الرسائل. 2-كاتب الخراج. 3-كاتب الجند. 4-كاتب الشرطة. 5-كاتب القضاء. وفي العصر العباسي حرص الخلفاء على أن يتولى كتابة الرسائل أناس من ذوي النسب الرفيع ومن كانوا يتمتعون بسعة العلم وعمق الثقافة، وبرغم يقيننا بأن هذ الفن موجود منذ صدر الإسلام، إلا أنني لم أقف على توقيع للكتب التي جاءت إلى رسول الله ﷺ، أو صدرت عنه، لكنها وجدت عند أصحابه الأوائل رضي الله عنهم توقيعات لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الخلفاء، أما نشاط هذا الفن وازدهاره فكان في العصر العباسي وما تلاه. وربما كانت قليلة نادرة أو متفرقة. ولكنها تشهد غزارة في الإنتاج، 1- تجميع نصوص نثرية تنتمي إلى نوع نثري واحد فقط؛ والأمثال ، من حيث المضمونُ النَّصيُّ، كتاب الأجوبة المسكتة لابن أبي عون نفسه، بلغت عدّتُها 1394 نصًّا، فهو عبارة عن مجموعة من القصص الإخبارية، والأسمار الكثيرة اللطيفة، والأخبار المشتتة المسكتة، متشعبة الألوان والأهداف، وأضيف إلى ذلك أنه تضمن: توقيعاتٍ، وأخبارًا، وأمثالًا ومحاوراتٍ، ومفاخرات، ومطارحات، كلمة (جوابات) هنا فضفاضة تشتمل على الخليط المذكور من الأجوبة المسكتة وغيرها من الأنواع النثرية الأخرى( ). 2- ثمة كتب تراثية أيضًا جمعت نصوصًا نثريَّة، وأخرى شعريَّة في كتاب واحد؛ كما نجد في: البيان والتبيين للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبدربه، وأمالي القالي، والمستطرف للأبشيهي. وهي ما تعرف باسم كتب الأدب العامة. أو مجموعة في حيز محدد منها تحت اسم الأجوبة الذي كان في أغلب الأحيان فضفاضًا أيضًا. وقد كان (ابن قتيبة) (ت276 هـ) أول من جمع نصوصاً من هذا النوع في حيّز واحد، في نحو عشرين صفحة، وتحت اسم النوع إلى حد ما، في كتابه: عيون الأخبار، إلا أن حظ الأجوبة، بالمفهوم الدقيق، من النصوص المذكورة تحته كانت قليلة. ( ). ولم تخلُ كتب التراجم: كالأغاني لأبي الفرج (ت356هـ) وغيره من رواية بعض الأجوبة المسكتة، حتى من غير أن تطلق عليها هذا الاصطلاح الدال عليه، فجاءت الأجوبة فيها مبثوثة، حسب السياق، في أثناء سرد أخبار أعلام هذا الكتاب، وهكذا فعلت سائر كتب الأدب العربي العامَّة. النَّشاط التَّنظيريّ للأنواع النَّثريَّة: وكان هذا النشاط قليلاً ضئيلًا عند القدماء قياساً على نشاطهم التنظيري في ميدان الشعر، وقد جمع (ابن عبد ربه الأندلسي) (ت327ه) نصوصاً من هذا النوع النثري في حيز واحد، وخصه بنحو خمسين صفحة في كتابه: العقد الفريد تحت عنوان (فرش كتاب المجنبة في الأجوبة) ( )، وحلَّله، ووصفه في نحو صفحة واحدة تقريبًا وصفًا عامًّا مجملًا، وكانت نصوصه التي جمعها تنتمي في غالبيتها المطلقة إلى العصر الأموي، في حين قد ينتشر بعضها الآخر في زمن ليموت في زمن آخر. مثل: (ديوان، كتاب، رواية، مجموعة قصصية) و(نص منظوم، نص منثور، نص طويل، نص قصير. و(نص شعري، نص نثري. وهكذا. مثل: (نص شعري عمودي، نص نثري درامي. .. 3- الأنماط، وهي تخصصات للصيغ، مثل (السرد على لسان المتكلم، أو السرد على لسان الغائب). وهي تحقيقات مادية وتاريخية، كالرواية والقصة القصيرة، ثم الأجناس التحتية، وهي تخصصات محصورة داخل الأجناس. 6- مراعاة طريق استعمال اللغة والمعايير التركيبية التي تتعلق بـ(موضوع النص) و(شكل بسط الموضوعات)، ويمكن النظر إلى موضوع النص بالاعتماد على التحديد الزمني للموضوع متناسبًا مع وقت الكلام، والعلاقة بين الباث والمتلقي في إطار التوجيه المكاني. 8- مراعاة الأساليب المستخدمة في النص، والبنية الأساسية لموضوعه، وخاتمة القول: له بداية ونهاية، يقصر فيكون جملة أو أكثر، ويطول فيكون عملاً أو كتابًا كاملاً، ذو وظيفة تواصلية، له خصائصه الدلالية والأيديولوجية المميزة، يتداخل مع منتجه ولغته في علاقة عضوية ثابتة. وتنتجها ذات فردية أو جماعية. هذه الوحدات اللغوية تشكل متتالية من الجمل، تكون إخبارًا غير مباشر، تتمثل في الاستعمال الخاص للغة، نتيجة للعناصر اللغوية التي تصل بين أجزاء النص، والتنويع الأسلوبي، والإيحائية، وإنما المتوخى من هذه الورقة تحقيق نسق منهجي يقوم بضبط الأطر العامة للنصوص الأدبية، ومن ثم يسهل التعرف عليه وقراءته، فضلاً عن محاورته محاورة نقدية. بيروت، 2- إلهام أبو غزالة وعلي خليل: مدخل إلى علم لغة النص – تطبيقات لنظرية روبرت ديبوجراند وولفجانج دريسلر (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م). الكويت). 1973م). 7- سعيد بحيري: علم لغة النص (مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، بيروت والدار البيضاء، 9- صبحي إبراهيم الفقي: علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، القاهرة، بيروت، الطبعة الثانية، الكويت، ع232، 2006م). 14- عبد الله محمد الغذامي، جدة، 16- محمد زكي العشماوي: قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث (الإسكندرية، جامعة محمد الخامس، الطبعة الأولى، 1999م). 19- محمد عزام: النص الغائب – تجليات التناص في الشعر العربي (من منشورات اتحاد الكتاب العرب، 20- المعجم الوسيط (مجمع اللغة العربية بالقاهرة). 1413هـ-1993م). 22- نشوان بن سعيد الحميري اليمني: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، ود. ودار الفكر، الطبعة الأولى، 1997م). 24- أبو هلال العسكري: الفروق اللغوية، القاهرة). ثانيًا- الكتب المترجمة: (باريس، ترجمة: عبود كاسوحة (منشورات وزارة الثقافة، بيتوفي: اللغة وسيلة مكتوبة (النص)، ضمن الموسوعة اللغوية، الرياض، 1996م). ترجمة: فريد الزاهي (دار توبقال، 31- جيرار جينيت: مدخل لجامع النص، 1418هـ-1998م). ترجمة: محيي الدين صبحي، مراجعة د. 1981م). الطبعة الأولى، ترجمة: د. سعيد حسن البحيري (مؤسسة المختار للنشر والتوزيع،