فكانوا إذا تعرضوا هم أو حلفاؤهم لأي إهانة استلوا سيوفهم، وبادروا إلى خيولهم، وصاحوا في أبواقهم وأشغلوها حروبا ضروساً، ولو ضحوا في ذلك بأنفسهم، وكان يؤجج من ذلك ما عرف عنهم من سرعة الانفعال، وفورة الاعصاب ولا شك أن هذه النزعة عند البدو أشد وأقوى منها عند الحضر، وقد فسر ابن خلدون السبب في ذلك فذكر في مقدمته تحت عنوان «أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر» فيقول «والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة، ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم الذي يسوسهم والحامية التي تولت حراستهم، واستناموا إلى الأسوار التي تحوطهم، وتوالت على ذلك منهم الأجيال وتنزلوا منزلة النساء والولدان الذين هم عيال على أبى مثواهم حتى صار ذلك خلقا يتنزل منزلة الطبيعة وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع، وبعدهم عن الحامية وانتباذهم الأسوار والأبواب، قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يكلونها إلى سواهم ولا يقضون فيها بغيرهم فهم دائما يحملون السلاح، يتجافون عن الهجوع إلا غراراً في المجالس، وعلى الرمال وفوق الأقتاب، قد صار لهم البأس خلقا والشجاعة سجية يرجعون إليها متى دعاهم داع، أو صاحبوهم في السفر عيال عليهم لا يملكون معهم شيئا من امر أنفسهم . والأصل أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه، فالذي الفه في الأحوال حتى صار خلقا وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة» وقد حرصنا على ذكر النص رغم طوله لانه يلقى مزيدا من الضوء على الظروف البيئية وأبعادها النفسية،