التقنية مفهوم عائم غير قال للتحديد، فبعض الفلاسفة والأنترلوجيين يختلفون في تحديد مفهوها، والقابلة للنقل والتحويل والرامية إلى تحقيق بعض النتائج التي تعتبر نافعة، بهذا المعنى يمكن اعتبارها نشاط إنساني أساسي تقوم عليه باقي الأنشطة الإنسانية الأخرى، وأنها جزء من نسيج العلاقات الاجتماعية، وبذلك فالإنسان لم يحول الطبيعة باعتماده على التقنية بل تحول هو نفسه إلى كائن ثقافي يعيش حياة اجتماعية واعية، فهل نتذكر تلك الخدمات التي قدمتها التقنية للإنسان مند القدم إلى العصر الحديث؟، لقد صارت التقنية عقلانية مغلوطة بتعبير ماركيوز. و أقامت لنفسها محكمة تحاكم كل من تجاوز حدود التعامل معها. كيف يمكن تحديد مفهوم التقنية؟ ما علاقة التقنية بالإنسان؟ وما هي الآثار الناجمة عن هذه العلاقة ؟ لماذا تحولت التقنية إلى قوة مسيطرة على الإنسان؟ هل الإنسان محكوم عليه بالخضوع للإنعكاسات السلبية الناجمة عن التطور التقني، أم أنه سيجد لنفسه ملاذا للحفاظ على طبيعته الإنسانية في مجالات أخرى كمجال الإبداع الفني؟ إذا كانت التقنية هي مجموع الوسال والأدوات التي يخترعها الإنسان اعتمادا على العلم، والتي تهدف إلى توفير خدمات مختلفة للإنسان وتساعده على التغلب على حوائج الطبيعة وعلى الأمراض ومظاهر النقص وتمكنه من تقليص المسافات واختصار الأزمة وتقريب البعيد إلى غير ذلك من الفوائد، فمع بداية العصر الحديث راودت الإنسان فكرة السيطرة على الطبيعة، قد عبر فرانسيس بيكون عن هذه الرغبة في عبارته الشهيرة " لا يمكن السيطرة على الطبيعة إلا بالخضوع لها والخضوع يقتضي فهمها عن طريق اكتشاف القوانين التي تحكمها وابتكار الأدوات التقنية الأولية وصنع الآلات التقنية الحديثة. من هنا يمكن تلخيص طبيعة العلاقة من خلال التصور الديكارتي، فقد دعا ديكارت إلى ضرورة الإهتمام بالفلسفة العلمية عوض الفلسفة النظرية، لكن إذا قارنا هذا التصور بتصور مسكوفيشي، بل هي جزء منها، أي هي الوجه الآخر للتطور الذي حصل في العالم الطبيعي ككل، بالطريقة نفسها. حتى صار العمل أمرا فضروريا. هنا نطرح السؤال من الذي أحدث هذه الثورة؟ التعدين والزراعة هما الفنان اللذان انتجا الثورة، فظهرت المزايدات والتكالب والمآخدات، حتى صارت العلاقة الإنسانية علاقة قرضية. هذا من جهة ومن جهة أجرى، لقد ذهب هنري برغسون إلى عتبار أن التدخل التقني في الطبيعة نزع عنها جانبها الحيوي، لذلك فإن استعمال الإنسان لذكاءه واستخدامه للأدوات والآلات حول الطبيعة إلى مواد جامدة، هذه الفكرة نلاحظها من خلال قول هنري برغسون في كتابهévolution créatrice " ذكاءنا إذ يخرج من بين يدي الطبيعة ليس له من موضوع رئيسي غير ماهو جامد وغير منظم. أم قلبت المعادلة فأصبح الإنسان خاضعا لسلطة التقنية مجرورا بحبال الآلة، وبما أن التقنية أصبحت منتشرة كمنضومة واسعة تشمل جميع مناحي الحياة، بلغة بول فاليري" الألة تحكم والحياة الإنسانية خاضعة بشكل فظيع لإرادة النظم الآلية الدقيقة. وهي تميل شيئا فشيئا إلى محور الإختلافات الموجودة بينهم وتجعلهم منسجمين مع نمط اشتغالها المنتظم . وفشل في تحقيق الوعد؛ وأن أفكارنا وعواطفنا وصلاتنا الحميمية كلها مسخرة من طرف الحكومة والصناعة و سائل الإعلام التي تراقبها. ولإن عرف الإنسان نفسه مهددا، فإنه لا يمكنه أن يستغني عنها بأي حال من الأحوال، لأنها أصبحت جزءا منه ومنظومة منتشرة في كل أنحاء حياته ومغروسة في أرضه حتى صعب اقتلاع جذورها، فالتقنية دائما في منظومة مترابطة داخل البيئة التي يعيش فيها الإنسان، هذه المنظومة تتميز بأربع خصائص كما حددها إيلول : الخاصية الأولى وهي الإستقلال الذاتي، معنى ذلك أنها لا تخضع لسلطة سوى لنفسها لاشيء يتحكم فيها. لأن السياسة عاجزة على خط مسارها، الخاصية الثانية، وهي الكونية وتعني أن التقنية انتشرت في كل أرجاء العالم، وأصبحت مستخدمة من طرف كل الناس وفي كل مجالات وقطاعات الحياة. فجاك أيلول يقول لنا أنها تتمتع بالشمولية وهي التي تحد مسار العلم، والخاصية الثالثة هي خاصية التطور العلي، أي راجع لعلل وأسباب داخلية خاصة بضرورات التقنية نفسها هي التي تتحكم في مسارها، فالتقنية تتطور بشكل متسارع نحو توسيع دائرة النتائج، ويتم ذلك طبقا لمنطقها الداخلي وبمتوالية هندسية. فهي ليست خيرا أو شرا في ذاتها، إنها كالمارد الذي لا يبالي بشيء سوى يسير دون توقف حتى يطمس بأرجله كل من يقف عائقا أمام تطوره، وإذا كانت التقنية بهذا الشكل فلن يكون هناك سلام مادام جهاز السرعة قد ركب في روحها. من خلال الخصائص السابقة أراد جاك إيلول أن يبين أن التقنية قد اقتحمت جميع مجالات الحياة باعتبارها شبكة معقدة وقوة مهيمنة تفرض ذاتها وسيطرتها، ليس هذا فقط بل إنها اقتحمت كذلك البيئة الطبيعية وأضافت إليها بيئة ثانية مليئة بالآلات والتقنيات حتى صارت الحياة مثل الكائن الإصطناعي يتحرك من ثلقاء ذاته. من هنا قال جاك إيلول " ليس هناك استقلال الإنسان مع استقلال التقنية. أي أن الفرد أصبح مستلبا مدجنا في ظل مجتمع صناعي، لكي نوضح هذه الأطروحة، نذهب إلى القول بلسان ماركيوز " إن ظهور التقنية بدأ مند اللحظة التي سادت فيها العلاقات بين الناس وكذا الصراع من أجل الوجود واستغلال الإنسان والطبيعة. وفي الوقت نفسه خلقت هذه السمة العقلانية للتقنية حالة ذهنية ونمطا من السلوك اللذان يفسران لنا مظاهر التدمير والقمع الموجه إلى الإنسان من طرف التكنولوجيا. هل سنجد العزاء لأنفسنا بافتراض أن هذه النتيجة قليلة الأهمية عمليا وهي ناتجة عن تطبيق العلم وبخاصة العلم الإجتماعي؟ أعتقد أن الإتجاه العام الذي طبقت فيه تلك النتيجة كان حاضرا بشكل مسبق في العلم النظري الخالص حينما لم يكن يحمل أي هدف عملي. وأن أي تغيير في الطبيعة جرف معه تغيير الإنسان. بما أن الآلة هي التي تحدد نمط العلاقات الإجتماعية، من خلال ما تقدم نطرح سؤالا، ألا يمكن القول أن التقنية تهدد النسق الإجماعي وأنها تحدث تغييرا في بنية العلم نفسه ؟ سنضع نصب أعيننا رأي هابرماس كشهادة على إشكالية التقنية وهذا هو قوله" إن التقنية يسمح لنا بتقديم تفسير للنوع الإنساني مفاده أن هذا الأخير عمل تباعا على إخراج العناصر التي تشكل أساسا مختلف وظائف النشاط العقلاني باعتبارها وسائل تقنية ذات غاية ما، والتي ترتبط أولا بمستوى الجهاز العضوي لدى الإنسان" معنى ذلك أن هابرماس اعتبر أن التقنية امتداد لوظائف الجسم، وهو ما يتطلب تغييرا في الطبيعة الإنسانية وتحولا عميقا في بنية العلم أيضا. بكلمة واحدة " التقنوقراطية". كأنها كائن كانت له آلياته في التقدم والحركة والسرعة. يترتب عن ذلك وجهة نظر تقول" يبدو أن النسق الإجتماعي محدد بمنطق التقدم العلمي والتقني، معنى ذلك أن التقنية أصبحت تهدد النسق الإجتماعي حسب هابرماس، بما في هذا النسق المجتمع والسياسة. إن التقنية أدت إلى أزمة كوكبية معاصرة، هذه هي العبارة التي قال بها "إيفان إيليتش" في انتقاده للتقنية ، لكن التوجه الحديث أحدث أزمة حقيقية لم تنكشف بشكل جلي إلا في الحقبة المعاصرة، أصبح الإنسان رهين ما صنعه بيده وغير قادر على الإنفكاك مما خلقه بمحض إرادته وبسلطان عقله، فالمشروع الرأسمالي والصناعي الذي انقد الإنسان من الإقطاعية وفتح الأبواب أمامه، انتهى إلى فشل ديرع لأنه أدى إلى تسميم المستهلك. أي إنها هي التي تحدد كيفية عمله واستراحته وكل كشيء ، بل أكثر من ذلك أن استعمال الآلة أدى إلى تسريح العمال، إن المعادلة انقلبت إذن، هذه هي الأزمة التي تحدث عنها "إيفان إيليتش" ، وهو يقول " طوال قرن من الزمن عكفت الغنسانية على تجربة أساسها الفرضية الالية: الألة يمك أن تقوم مقام العبد،