ليست الحرب إلا ما وعدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقول بحديث مرجّم عن الحرب، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون. متى تبعثوا الحرب تبعثوها مذمومة أي تذمون على إثارتها، ويشتد ضرمها إذا حملتموها على شدة الضرى فتلهب نيرانها، وتلخيص المعنى: إنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت. يحثّهم على التمسك بالصلح، ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب. وتعرككم الحرب عرك الرحى الْحَبَّ مع ثفاله، وخص تلك الحالة لأنه لا يبسط إلا عند الطحن، ثم قال: وتلقح الحرب في السنة مرتين وتلد توأمين، جعل إفناء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين: أحدهما جعله إياها لاقحة كشافًا، فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كل واحد منهما يضاهي في الشؤم عاقر الناقة ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب فيصبحون مشائيم على آبائهم. فتغل لكم الحروب حينئذ ضروبًا من الغلات لا تكون تلك الغلات لقرى من العراق التي تغل الدراهم بالقفيزات؛ وتلخيص المعنى أن المضار المتولدة من هذه الحروب تُرْبي على المنافع المتولدة من هذه القرى، كل هذا حث منه إياهم على الاعتصام بحبل الصلح، وزجر عن الغدر بإيقاد نار الحرب. أقسم بحياتي لنعمت القبيلة جنى عليهم حصين بن ضمضم، وإن لم يوافقوه في إضمار الغدر ونقض العهد. فقد قتل وردُ بن حابس العبسي هرمَ بن ضمضم قبل هذا الصلح، فلما اصطلحت القبيلتان عبس وذبيان استتر وتوارى حصين بن ضمضم لئلا يطالب بالدخول في الصلح، وكان ينتهز الفرصة حتى ظفر برجل من عبس بواء بأخيه فشد عليه فقتله فركبت عبس فاستقر الأمر بين القبيلتين على عقل القتيل.