وقلنا أيضاً: بأنه اتضح بأن معظم العذاب النفسي والحسرات هي تكون للأتباع أعظم من الكبار, في هذا الجانب {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}(فصلت: من الآية29). أين هم الذين أضلونا من الإنس والجن نجعلهما تحت أقدامنا في أسفل درك في جهنم، ذلك الذي أضله [يتركه يدوسه] بأقدامه في نار جهنم، حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ}(الأعراف: من الآية38)، أليست أمة تابعة لأمة كانت سابقة قبلها؟ {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(الأعراف: من الآية38) لكم ضعف وهم لهم أضعاف، لأنكم كنتم تؤثرون إتباعهم, وكنتم تربطون أنفسكم بهم، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}(البقرة: من الآية166) الكبار تبرأوا من الصغار، ويدعمونهم بأموالهم وبألسنتهم وبأنفسهم، يوم القيـامة يتبرأون منهمالصغار هم من سيكونون أكثر أسفاً وندماً {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}(البقرة: من الآية167) عندما رأوا أولئك تبرأوا منهم في هذا الموقف الصعب، وعرفوا بأنهم أضلوا أنفسهم لما اتبعوهم في الدنيا, ورأوا بأنهم لا يمكن أن ينفعوهم بشيء في ذلك الموقف الرهيب، يعلنون تخليهم عنهم في ذلك الموقف الصعب، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية167) ليت لنا كرة: نرجع إلى الدنيا مرة ثانية نرجع {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا}. كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة: من الآية167) ستجد هكذا الحسرات للأتباع؛ لأن الأتباع هم من يصعد على أكتافهم الظالمون، ومن بأموالهم وتأييدهم تشتد سواعد الطغاة والمجرمون، قد يكون هناك شخص واحد فقط موقفه بالنسبة للجميع كموقف الشيطان{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}(إبراهيم: من الآية22) وتلاحظ أن الحسرة تأتي بين هذه الأطراف التي كانت في الدنيا تسود ما بينها حالة من الود والتأييد والتعاون وغيره. لأننا كنا عارفين في الدنيا بأنه عدو، وعارفين بأنه يريد أن يضلنا، وعالمين بأنه يريد أن يدعونا إلى عذاب السعير، وعالمين بهذه الأشياء كلها فنحن نستاهل أن يغوينا] أليسوا سيقولون هكذا؟. لكن أن ترى نفسك أنك كنت تؤيد, وتشجِّع وتجند نفسك ومالك مع أطراف هي ضالة ستكون الحسرة هنا، أنك أضعت عمرك مع طرف أودى بك اتباعه وتأييده ودعمه إلى قعر جهنم، وهذا الطرف يأتي يتبرأ علناً مني في ذلك الموقف الحرج، فتكون الحسرة هنا على الأتباع أكثر. لم يتحدث القرآن عن الحسرات بالنسبة للكبار، الكبار يكفيهم حسرة أنهم يحملون أوزاراً كثيرة من أوزار الذين يضلونهم، من أوزار الذين يخدعونهم، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (النحل:25). فنرى بأن تلك الخصومة لا يحصل من ورائها شيء إيجابي بالنسبة لهؤلاء المتحسرين النادمين، أن يتحولوا إلى كتل من العداء والمباينة لأولئك الذين كانوا في الدنيا كتلاً من الولاء والمعاونة لهم، لن تقبل هذه في الآخرة عند الله سبحانه وتعالى، ألم يظهروا في حالة عداء لأعداء الله؟!، وعداء من ذلك النوع الشديد، ذلك الذي لو حصل منه جزء في الدنيا هنا لنفعهم. فيعرضه القرآن الكريم لنا بأن تلك الخصومة ـ أيضاً ـ ليست خصومة بين أطراف عند طرف ثالث هو سيقضي بشيء لهذا الطرف الذي اكتشف بأنه مظلوم، لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(الأعراف: من الآية38) {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة: من الآية167). ما هم هنا تظلموا؟ {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} (فصلت:29) {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ}(الأعراف: من الآية38)، لا يجابون إطلاقاً في تظلمهم، ولا يقدر لهم ذلك الموقف أنهم أصبحوا يكرهون ويبغضون ويباينون أعداء الله هؤلاء الكبار الذين كانوا في الدنيا معهم، فقد تصححت وضعيتهم. وما ذلك كله إلا نوع من العذاب النفسي لهم أيضاً، عذاب نفسي يعانون منه.