لأزمة المالية العالمية وخطة الإنقاذ الامريكية إعداد: علي فريد عبد الكريم المقدمة أزمة الرهن العقاري الأمريكي هي الحدث الأبرز في الاقتصاد العالمي منذ نحو قرن، حيث ما زالت توابع هذا الحدث ُتفاجئ المراقبين في آل فترة، ومن تأميم شرآتي الرهن العقاري )فاني ماي وفريدي ماك( وإفلاس )مصرف ليمان برذرز( والذي سجل بإفلاسه أآبر عملية إفلاس في التاريخ الأمريكي، الشرآة. أمريكا، آما أنها أثبتت إن ترك الأمر لقوانين السوق دون أي ضبط ومراقبة يؤدي إلى حدوث مشاآل تؤثر سلبًا في الاقتصاد الكلي نتيج ًة لبعض رغبات الرأسماليين الجشعين في الثراء الفاحش دون النظر في عواقب الأمور. حيث لا يمكن أن ينطبق أي وصف على الأسباب المنشأة لهذه الأزمة، إلا أنها لا تعدوا أن تكون نوع من المقامرة شارآت فيها جميع الأطراف بدءًا من واضعي السياسة النقدية وهو مجلس الإحتياطي الفيدرالي وبيوت المال وإنتهاءًا بالسماسرة والمقترضين، حيث قام الإحتياطي الفيدرالي بتخفيض سعر الفائدة لفترة طويلة رغب ًة منه في إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وتم ضخ آمية هائلة من الأموال في السوق العقاري الأمريكي الذي تميز بالإستقرار وقّلة التذبذب مما جعله ملاذًا آمنًا للمستثمرين، إلا أن دخول هذه السيولة الضخمة إلى هذا السوق المستقر أدى إلى حدوث طفرة فيها، وقد آان مجلس الإحتياطي الفيدرالي ُمتفائ ًلا بهذه الطفرة، حيث وجد في الرهون العقارية ُمحرآًا رئيسيًا للاقتصاد، مما شجع الشعب الأمريكي على إستمرار الإنفاق الإستهلاآي وبالتالي إستمرار النمو في الاقتصاد الأمريكي، الاقتصاد الفعلي. أو ًلا: أسباب حدوث الأزمة المالية العالمية حصل توسع من قبل المؤسسات المالية في منح القروض العقارية وبصورة لم يسبق لها مثيل وزادت نسبة القروض إلى قيمة الممتلكات )المساآن( إذ بلغت القروض العقارية )150( تريليون دولار في حين بلغ حجم القيمة العقارية )50( تريليون دولار، وساهمت السياسة النقدية المتساهلة التي إتبعها البنك الإحتياطي الفدرالي بقيامه تخفيض أسعار الفائدة، على قيام المؤسسات المالية بالتوسع في منح القروض وقدمت القروض لعدد من المستهلكين أصحاب الملاءة الضعيفة أو الجدارة الإئتمانية الرديئة مما جعل قدرتهم على الايفاء ضعيفة عند حلول أجل السداد، تبادل وتوزيع،  ويؤآد البعض إن في هذه الحالة جرى نقل المرآز الأساس للقرار الاقتصادي من إنتاج القيمة المضافة في القطاعات الإنتاجية إلى إعادة توزيع الأرباح التي تأتي من التوظيفات المالية لكن هذا الهروب إلى الأمام بإتجاه التوظيفات المالية لم يستطيع الصمود لوقت طويل في الوقت الذي سجلت فيه الُبنية الإنتاجية معدل نمو ضعيف وهذا الوضع نجم عنه ما ُيسمى بالفقاعة المالية والتي جاءت ُمعّبرة عن منطق التوظيفات المالية، وهبطت قيمة العقارات ولم يستطع الأفراد تسديد القروض بسبب قيام البنك المرآزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة فإرتفعت الدفعات الشهرية مقابل إنخفاض القدرة الشرائية الحقيقية لصاحب القرض لأن دخله ثابت نسبيًا، وترتب على عدم التسديد هذه عقوبات إضافية وفوائد جديدة )الفوائد المرآبة( وبالتالي حصل توقف عن التسديد، وبما أن العدد الكبير ُيقّدر بمئات الألوف أدى في النهاية إلى إنهيار سوق العقار، وبالتالي إستولت الجهات المقرضة )المصارف( على العقارات وبقيت بدون سيولة لأن الأموال تحولت إلى عقارات مما إضطر الكثير منها إلى إعلان إفلاسها مثل )مصرف ليمان برذرز( وعملية الإندماج بين )شرآة ميريل لينش وبنك اوف امريكا(. وبسبب هذه الحالة هبطت قيم أسهم الشرآات العقارية في البورصة ولم يتوقف الأمر عند قطاع العقارات حيث إمتد إلى الأسواق المالية والقطاعات الأخرى، الظهور. ثانيًا: خطة الإنقاذ الأمريكية سارعت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم وصفات علاجية للأزمة المالية، وقامت اليابان بضخ مئات المليارات في سوقها المحلي لتطمين المستثمرين والمواطن الياباني، آما حرصت دول أخرى على ضمان ودائع المصارف لديها، وقامت دول منطقة اليورو )الإتحاد الاوربي( بضخ مئات المليارات في أسواقها وشرعت إلى شراء حصص المصارف والشرآات الإئتمانية، وقد بلغ مجموع ما تم ضخه أو ُقرر ضخه حتى 2008/10/15 أي بعد شهر من الأزمة تقريبًا حوالي )3( تريليون دولار في مختلف دول العالم. وقد أشار موقف مجلس النواب الأمريكي الأولي المتحفظ ازاء ضخ )700( مليار دولار حسب خطة الحكومة إلى أن مثل هذه العمليات قد لا تجدي في معالجة الأزمة وإحتواء تداعياتها، وبرغم إقرار خطة الحكومة الأمريكية لاحقًا غير أن التساؤل ما زال قائمًا حول جدوى مثل هذه الإجراءات الحكومية في التدخل بالسوق في ظل أزمة وليس وفق تحول مدروس في السياسات المالية والتجارية، حيث تتجه أنظار الأسواق المالية العالمية آلها بعد ظهور الأزمة المالية العالمية نحو خطة الإدارة الأمريكية بضخ )700( مليار دولار في النظام المصرفي بهدف إنقاذه، ومن ثم إنقاذ الاقتصاد الأمريكي برمته والعالمي أيضًا، وقد أثارت الخطة آثيرًا من الجدل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وأظهرت قضايا عملية غير مسبوقة، بينها علاقة الدولة بإدارة الاقتصاد في نظام رأسمالي، لدرجة إن الكثير من المحللين قالوا إن آارل مارآس مؤسس النظرية الإشتراآية ينقذ النظام الرأسمالي في أمريكا، وذلك لإحتواء الخطة على تدخل الدولة ثالثًا: الملامح الأساسية للخطة • بلغت قيمة الخطة )700( مليار دولار مما يجعلها أآبر تدخل للسلطات الأمريكية في الأسواق المالية منذ أزمة الرآود الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي. في أزمة السيولة لدى المصارف. • مقابل هذا المبلغ حصلت الحكومة على حصص آبيرة في المؤسسات المتعثرة في خطوة إعتبرها البعض شبه تأميم. • تم تطبيق خطة الإنقاذ على مراحل، شملت المرحلة الأولى ضخ )350( مليار دولار في المصارف، أما )350( مليار دولار الباقية فهي تطلبت تصديقًا من الكونغرس الأمريكي لصرفها، آما يملك أعضاء الكونغرس حق الفيتو على عمليات الشراء التي تتعدى المبلغ الإجمالي )700( مليار دولار. • بما أن مبلغ )700( مليار دولار يأتي من الخزينة العامة )أي في النهاية يأتي من دافعي الضرائب( أي المواطنين العاديين، أموال هذه المؤسسات، والفكرة من وراء حصول الحكومة على أسهم في المصارف التي تستفيد من خطة الإنقاذ هي ضمان إستفادة دافعي الضرائب من أي مكاسب قد ُتحققها هذه المصارف في المستقبل بعد إنتهاء الازمة. • تنص الخطة على حماية المواطنين المهددين بمصادرة منازلهم، فالإحصاءات توقعت بمصادرة اآثر من مليوني منزل خلال عام 2009 بسبب فشل ملاآها في سداد أقساطهم الشهرية على القروض العقارية التي إشتروا بها منازلهم، آما تفرض الخطة على الحكومة مراجعة الشروط التي يتم على أساسها منح قروض عقارية جديدة، وذلك لتفادي السهولة التي آانت بها القروض القديمة دون التأآد من قدرة المستدين على سداد دينه، السداد في الأساس. • منعت الخطة منح تعويضات باهضة لرؤساء مجالس إدارة الشرآات والمصارف المتعثرة وغيرهم من آبار الموظفين الذين تم تسريحهم أو قّدموا إستقالتهم طالما أن الخزينة العامة تملك أسهمًا في هذه المؤسسات، آما تحد الخطة من منح العلاوات والمكافئات لكبار الموظفين، آما تنص على إستعادة العلاوات التي تم تقديمها على أرباح متوقعة لكنها لم تتحقق. بينها مؤسسة مستقلة، عمل سوق وول ستريت، آما يقوم مكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس بمراقبة عمليات شراء الأصول من المصارف المتعثرة والتدقيق في حساباتها، إطار الخطة. • وأخيرًا حددت الخطة مهلة قصوى لتنفيذ الخطة تنتهي في 31 ديسمبر/آانون الاول 2009 مع إمكانية تمديدها بطلب من الحكومة لفترة أقصاها سنتان إعتبارًا من تاريخ إقرار الخطة، وتم تكليف وزير الخزانة بالتنسيق مع السلطات والبنوك المرآزية في دول أخرى بهدف وضع خطط مماثلة. رابعًا: أسباب الإعتراض على الخطة ١. يعتقد الكثير من الخبراء الاقتصاديين إنه من ناحية ايديولوجية لا ينبغي للحكومة أن تتدخل في مسار السوق لأن تاريخ وفكرة الاقتصاد الحر خيرًا آانت أو شرًا، فتدخل الدولة المباشر في الأسواق يشبه الاقتصاد الموجه في الدول الإشتراآية، ٢. العامة أمر غير عادل، وإن الخطة تفيد الأثرياء في سوق )وول ستريت( وليس المواطنون العاديون، فلماذا يتحمل دافعوا الضرائب أي المواطنون العاديون عبئ الأخطاء التي إرتكبتها المؤسسات المالية الثرية والتي آانت أص ًلا السبب في خلق هذه المشكلة عبر تصرفاتها غير المسؤولة في ٣. فقط، لكنه لن يغير الوضع ما لم تجد المصارف سبي ًلا لمنع تراآم الديون الهالكة عبر شراء بوليصات تأمين لتغطية مثل هذه الديون، آما أن سياسة الإقراض المتساهلة يجب أن تتوقف وتفرض شروط جديدة للإقراض تعتمد على تقييم حقيقي لقدرة المقترض على السداد. خامسًا: التعديلات الجديدة على الخطة ١. رفعت الحكومة سقف ضمانها على المدخرات من 100 الف دولار إلى 250 الف دولار، ويعني ذلك إن الدولة تضمن تعويضًا على أي ودائع أو مدخرات للمودعين في المصارف التي إنهارت أو تعثرت.  ٤. زيادة المساعدات المالية للأسر الفقيرة، ويقول مؤيدو الخطة إن إنقاذ المصارف من الإنهيار لا يعني إن هذه المؤسسات فقط هي التي تستفيد، بل إن المواطن العادي أيضًا يستفيد منها لأن عدم قدرة المصارف على توفير القروض للمواطنين وللأعمال التجارية سيضر بالجميع، أي القروض التي يحصل عليها الأفراد والشرآات لتمويل غالبية مشترياتهم، سواء آانت بضائع أو منزل أو سيارة، لذا فقّلة السيولة لدى المصارف أو عدم رغبتها في التمويل يؤثر سلبًا على المجتمع بشكل عام ويؤدي إلى رآود اقتصادي وإرتفاع في نسبة البطالة بسبب تعثر فض ًلا عن الدعم المادي، قّدمت الخطة دعمًا معنويًا آبيرًا لإعادة الثقة للمستثمرين في أسواق المال والبورصات، ٦. سيستفيد من ذلك الإستنتاجات: ١. عدم الشفافية وعدم الإفصاح التام لكثير من المؤسسات المالية عن وضعهم المالي وهدفهم من وراء ذلك جذب الإستثمارات ومن ثم إرتفاع القيمة السوقية لأسهم مؤسساتهم. ٢. لم يؤثر رصيد قروض الرهن العقاري على أي من المتغيرات المالية وذلك بسبب عجز المقترضين عن تسديد الأقساط المتضمنة مبلغ الفائدة وجزء من أصل المبلغ. ٣. الكثير من قروض الرهن العقاري تمت بوساطة السماسرة وعن طريق الإآتتاب الإلكتروني وهذا يعني نقص المستندات الخاصة بالمقترض. التوصيات: ١. تشديد الرقابة على النظام المالي والمصرفي وخاص ًة في مجال منح قروض الرهن العقاري والحرص على مدى توفر معايير الجدارة الإئتمانية في المقترض، وضرورة الإفصاح التام للوضع المالي في المؤسسات المالية. ٢. إّتباع سياسة إقراضية معتدلة والإقتصار على منح القروض ذات الاداء العالي، ودراسة العوامل المؤثرة في قدرة المقترض على التسديد وبشكل جيد مثل دخل المقترض وأسعار الفائدة وأسعار العقارات. ٣. إّتباع سياسة نقدية معتدلة ُيسيطر من خلالها على آمية السيولة المتوفرة في السوق وذلك لمنع تك ّون الفقاعات العقارية ومحاولة التقليل من تقلبات أسعار الفائدة. ٤. تعديل صيغة عقود الرهن العقاري بحيث تكون قيمة الأقساط المدفوعة من قبل المقترض متوازنة بين مبلغ الفائدة وأصل المبلغ ومنذ الدفعة الأولى.