الفصل الثالث السمات الحضرية للمناطق العشوائية لاشك أن قيام أحياء واضعى اليد Squatler's Towns داخل المناطق الفقر الحضري الذي يتميز بالمستوى السكنى المنخفض ، إنما يعبر عن مظهر من مظاهر ا الاغتصاب دون وجود حقوق واضحة لملكية الأرض أو المسكن. وان كانت ظاهرة الامتداد السكنى العشوائي قد أتاحت إلى الكثيرين من السماسرة والمتطلعين إلى الثراء على حساب الفقراء رغم فقرهم وتدني مستوياتهم بالاستيلاء على أراضى الدولة ومؤسساتها الحكومية، ومن ثم تقسيمها كأراضي تأجيرها للراغبين فى الإقامة في تلك المناطق العشوائية فضاء ، وتمثل منطقة المعمورة البلد نموذجا حادًا وصارحًا لمثل تلك الاعتداءات على أملاك الدولة وأراضى الإصلاح الزراعى، حيث أقام السكان منازلهم العشوائية على أرض كانت تعرف باسم "جبل اللحف" والتي بدأ استصلاحها منذ عهد النظام الملكي قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م ثم أصبحت المنطقة بعد ذلك تحت سيطرة من كانوا يعملون في الإشراف على عمليات الإصلاح، قام هؤلاء بتقسيم تلك الأراضي مدعين في ذلك ملكيتهم لها، وبيعها للأهالي بأثمان في متناول يد الفئات الفقيرة والمهاجرة إلى المنطقة ، هذا بالإضافة إلى من كانوا يقيمون بالمنطقة أصلاً، ويعملون في وظائف ومهن تابعة للقصر الملكي من جهة، أو ممن كانوا يعملون بمعسكرات الجيش من العسكريين المتطوعين من الجند في تلك الأثناء. وهكذا تم الامتداد السكني العشوائي بالمنطقة في صورة وضع اليد سواء من المنتفعين المباشرين بالمسكن أم من أولئك الذين قاموا بالتقسيم والبيع دون أن يكون لهم سند قانوني في ذلك . والتي تعرف أحيانًا وفي بعض الكتابات باسم Carriadas ، وهي المناطق التي سكنها أصحابها بوضع اليد، وقد أوضحت تلك البحوث والدراسات أن تلك المدن أو الأحياء هي ليست نتيجة لاختيارات فردية عشوائية في الإقامة والسكني، وإنما بدأت معظمها على أيدي الناس الذين كانوا يعيشون في قلب المدينة وخصوصا في الأحياء الحضرية القديمة والمتخلفة، والذين لفظتهم الحياة الحضرية من الداخل، ولم يستطيعوا العيش أو التكيف، فاتجهوا إلى تنظيم صفوفهم والتحرك في جماعات تجاه الأرض الفضاء الواقعة على هوامش المدينة، وحتى يضعوا أنفسهم والمنطقة التي اختاروها للإقامة أمام الأمر الواقع لاسيما أمام السلطات وأمام الملاك الأصليين للأراضي (۱). والمعروف أن تلك التجمعات العشوائية الجديدة يتوافر بها قدر ضئيل من التخطيط والتنظيم، هذا بالإضافة إلى صياغة وإيجاد وخلق نوع خاص من وسائل حفظ الأمن الداخلي - وليكن قائمًا على تحقيق الأمن والاستقرار عن طريق شيوع الأمانة بين الأفراد كعرف خاص، مما يجعلها تعتمد في بداية الأمر على مصادر للمياه بعيدة إلى حد ما عن موقع التجمع السكني. والكهرباء ، والمواصلات وغير ذلك من المرافق الخدمية الحضرية. بحجة الافتقار إلى الإمكانيات اللازمة لتحقيقها وعدم توافر الاعتمادات اللازمة، ولكن في حقيقة الأمر أن كل تلك الجهود من جانب الأهالي ما هي إلا محاولات للحصول على اعتراف بالأمر الواقع فيما يتعلق بملكية الأرض ومشروعية الإقامة، الإدارة المحلية وتستجيب لعمليات إنشاء الطرق ورصفها، حتى يؤخذ ذلك في الغالب على أنه اعتراف بالأمر الواقع بحقوق الملكية، أو على الأقل هناك مؤشرات في الأفق من أجل التصالح بشأن مواقع النزاع بين الأطراف صاحبة المصالح )) ، أو ملك الدولة، والعمل، وهذا ما حدث في منطقة المعمورة البلد حيث أنت جماعات من المهاجرين الباحثين عن عمل وإقامة، ولذلك فهي تحمل في سماتها النمط العشوائي المنتقل إليها من عشوائية القرية الريفية ذات الأزقة الضيقة المتعرجة وغير المستقيمة وهذا ما حدث بالفعل في المعمورة البلد حيث البناء العشوائي الطابع، كما أن حجرات تلك المساكن تتميز بالبساطة الشديدة وضيق مساحاتها من الداخل، فضلاً عن انعدام الخصوصية الشخصية أو الذاتية أو العائلية داخل تلك المساكن، حيث لا مكان للسرية أو الخصوصية في ظل مداخل بيوت مشتركة لا يجد من يقيمون في الطابق منه سوى الجلوس على المصاطب التي أعدت لغرض الجلوس أمام باب البيت فيراقبون الداخل والخارج سواء من السكان أنفسهم أم من زوارهم، فضلاً عن أن الأسر تعرف تماما أخبار بعضها في الزي والملبس والمأكل وغير ذلك من أسرار الحياة العائلية، هذا إلى جانب أن الشوارع أو بمعنى أصح الممرات الفاصلة بين البيوت وفي حدود عرضها الذي لا يتعدى أكثر من متر ونصف المتر قد سمح لمن ينظرون من النوافذ أن يكشفوا أعقار بيوت جيرانهم، فضلاً عن أن الحوار العائلي أصبح مسموعاً لدي مجموعة كبيرة من الجيران ورغم ذلك، والأعجب من ذلك أن الحكومة أو بمعنى أصح محافظة الإسكندرية متمثلة في إدارتها المحلية لحي المنتزة بدأت الآن تشعر أن هناك منطقة عشوائية في المعمورة البلد، أم أن هذا يتم من أجل التطوير العاجل للعشوائيات ؟! ويمكن القول أن المنطقة لم تغص وتزدحم بسكانها الأحياء فقط، ويتم كل ذلك بغرض تفادي أزمة السكن في المنطقة . في الوقت الذي لا تستبعد فيه الدراسة الميدانية للمنطقة قيام مجموعة صغيرة من الانتهازيين الذين يقومون ببناء المساكن وتأجيرها، والآن بدأوا يطبقون نظام تمليك الوحدات السكنية للراغبين في السكن . وتعد منطقة المعمورة البلد رغم عشوائيتها من المناطق الجاذبة للسكان لاسيما توفر وسائل المواصلات التي تربطها بكل من مدينة الإسكندرية وأحيائها المختلفة ، وطلبة الجامعة . والسبيل الوحيد أمامهم هو ركوب القطار والاتجاه إلى شاطئ أبي قير حيث المستوى الاجتماعي والثقافي للمصطافين والذي يسمح بعملية التأقلم والتكيف في قضاء يوم من أيام الفراغ الصيفي. ورغم تدني المستوى السكني للمنطقة كما ذكرنا إلا أن بعض الأسر الآن وهكذا. لاسيما وأن شوارع المعمورة البلد من شدة ضيقها لا تستطيع أن تستوعب مثل تلك الأعداد الكبيرة من الأطفال وهذا شأن آخر سوف نتناوله فيما بعد . ونظرا لتدني المستوى الاجتماعي والبعد الثقافي لغالبية سكان المنطقة العشوائية محل الدراسة فقد انعكس ذلك سلبًا على حياتهم الخاصة في الملبس، والعادات الغذائية، وسياسة الإنجاب المتبعة، والنظرة إلى الذات، وإذا كانت منطقة المعمورة البلد تتميز بطابع خاص في البنية الاجتماعية والثقافية، فهناكم الوافدين المهاجرين إلى المنطقة الباحثين عن السكن والعمل، وسعيد، والبغدادي ورجب والسقا وذوق .