سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فلو أنه رتبه أولاً بأول وجمع بين دفتي مصحف واحد، يمتد عهد خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه من عام 11 - 13هـ، وبعد تولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه إمارة المسلمين واجهته أحداث جسيمة، ولا سيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاقترح على أبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن الكريم؛ فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين ، وقال فيه: "أَرْسَلَ إِلِيَّ أَبُو بكرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامةِ وعندهُ عُمرُ، فقالَ أبو بكرٍ: إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامةِ بالناس، فيذْهبَ كثيرٌ من القرآن إلا أن تجمعوه، قال أبو بكر: "قلتُ لعمرَ: كيفَ أفعلُ شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالسٌ لايتكلم، فوالله لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كانَ أثقلَ عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن". قلتُ: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفّاه الله ثم عند عمر حتى توفّاه الله ثم عند حفصة بنت عمر" ، فقد بدأ جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه سنة 12هـ. وعلى هذا النهج القويم تم جمع القرآن في صحف بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة، وأجمعت الأمة على ذلك دون نكير، وقد قوبلت تلك الصحف التي جمعها زيد بما تستحق من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنده مدة حياته، ثم حفظها عمر بعده حتى شهادته، ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها بعد وفاة والدها، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم حينما ولي المدينة فأبت، ثم طلب من أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عنه فبعث بها إليه فأخذها مروان وأمر بإحراقها. ثالثاً: كان هذا الجمع شاملاً للأحرف السبعة التي بها نزل القرآن تيسيرا على الأمة الإسلامية. جمع القرآن في عهد عثمانرضي الله تعالى عنه وأخذ كل بلدٍ عن الصحابي الذي وفد إليهم قراءته، ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام لغزو ثغور أرمينيةوأذربيجان، وأنكر بعضهم على بعض ما يقرأون. شهد ذلك حذيفة بن اليمان، فركب إلى عثمان وبلّغه بالأمر. يطلب المصحف لنسخه، فنسخوها، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا، وقد درج العلماء على تسمية المصحف المكتوب بأمر عثمان بمصحف عثمان أو المصحف الإمام. الفرق بين جمع أبي بكر وعثمان : 1 - كان الباعث لدى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه لجمع القرآن هو الخوف عليه من الضياع بموت حفاظه بعد أن استحرّ القتل بالقراء. أما الباعث لدى سيدنا عثمان رضي الله عنه هو كثرة الاختلاف في وجوه القراءة. 2 -كان جمع سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه على سبع لهجات ، بينما كان جمع سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه على لهجة قريش . 3 - كان جمع سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه نسخة واحدة ، بينما كان جمع سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه سبع نسخ . أما السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام فلم يكن شأنها كذلك حيث إنها لم تكتب جميعها كتابة رسمية في عهد النبيالكريم صلى الله عليه وسلم كما كتب القرآن ، ولم يأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك . وقد ذكر العلماء أسباباً عديدة لعدم تدوين السنة في العهد النبوي ، منها : فكان تدوين كل كلماته وأقواله وأفعاله وكتابتها فيه من العسر والمشقة الشيء الكثير ، لما يحتاجه ذلك من تفرغ كثير من الصحابة لهذا العمل الجليل ، ونحن نعلم أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا جميعا يحسنون الكتابة بل كان الكاتبون منهم أفراداً قلائل ، وفيه من الحرج والمشقة ما فيه ، فكان لا بد من توفرهم - في تلك الفترة - على كتاب الله حفظاً ودراسة وتفهما . ومن كتب عني غير القرآن فليمحه " . فقد وردت آثار صحيحة تدل على أنه قد وقع كتابة شيء من السنة في العصر النبوي ، ولكن هذا التدوين والكتابة كان بصفة خاصة ، ولم يكن عاماً بحيث تتداول هذه الكتب بين الناس ، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في فتح مكة أن يكتبوا لأبي شاة ، وكتب - صلى الله عليه وسلم - كتباً إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وكانت عند علي رضي الله عنه صحيفة فيها أحكام الدية وفكاك الأسير ، كما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لبعض أمرائه وعمَّاله كتبًا حددَّ لهم فيها الأنصبة ومقادير الزكاة والجزية والديات ، ثم جاء عهد الخلفاء الراشدين ، فلم يدونوا الحديث في الصحف كراهة أن يتخذها الناس مصاحف يضاهون بها صحف القرآن ، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وخصوصاً من دخل في الإسلام من أهل الآفاق ، حتى جاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فأمر بجمع الحديث لدواع اقتضت ذلك بعد حفظ الأمة لكتاب ربها ،