إن التعرض لنشأة و تطور الإشهار لا يتم بمعزل عن التطورات و الفترات التاريخية المميزة بخصائصها الاجتماعية و الاقتصادية، كما أن صياغة الإشهار يسمح لنا بالإطلاع على جوانب تلك الخصائص من جهة، بالإضافة إلى معرفة كيف تطور "الإشهار" من ممارسات بسيطة عبر التاريخ القديم ليتسع بعدها لمعاني جديدة جعلت منه اليوم مفهوما و فنا يرتبط بالعديد من العلوم من جهة أخرى. لقد كان الإشهار (بالمعنى التجاري) حاضرا دائما في الحياة الإنسانية، إذ أن أول إشهار يعود تاريخه إلى 3000 سنة قبل الميلاد و ذلك في الحضارة البابلية Babylione، و ذلك برفقة عازف موسيقي لتسجيل إيقاع يجعل من العملية أكثر قبولا لدى المستمعين، و في روما كان هناك شكل من أشكال الإشهار أيضا، و قد عرف العرب القدامى أيضا طريقة المنادي، إلا أن وسيلة الملصقات لم تنتشر و لم يعرف شكلها الحقيقي إلا في القرن 17 م في إنجلترا و كان ذلك على شكل توجيهات و نصائحEnseigne. لقد كان لاكتشاف المطبعة أثرا هاما في التحولات السياسية و الاجتماعية و كذا الاقتصادية التي أصابت المجتمع الأوربي ثم العالم ككل. إلا أن هذا الأمر لم يجعلها تستعمل مباشرة أو على الفور لأغراض اشهارية، ظهور أول جريدة أو صحيفة سنة 1622 "the weekly news of London" و التي أدخلت أولى الإشهارات الحقيقية في صفحاتها ثلاث سنوات بعد صدورها. و كانت تسمى بـ "SIQUIS" لأن كل إشهار فيها كان يبدأ بالعبارة اللاتينيةSiquisو التي تعني: "إلى من يرغب أو إلى من يريد". 4] كانت هذه أولى الممارسات المبتدئة للعملية الإشهارية، و يقال أن أول معلن كان اسم"Quaker Oats" ، وهو اسم تجاري موجود لحد الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، 5] و قد كان أول منتج تصور علامة Marque لمنتجاته و تغليفها و التعريف بها عن طريق الإشهار ، و في حوالي سنة 1870كان "كوايكر واتس" يقوم بالإشهار على مستوى كل القارة الأمريكية، مثلا : [6] و بعد هذه البداية أخذ الإشهار يتطور على ريتم النشاط الاقتصادي، واستفاد بصورة كبيرة من تطور و تحسن وسائل الاتصال، كما ساهمت وسائل الاتصال الجديدة في تطور الإشهار، بحيث أنه مع ظهور الإذاعة سنة 1929و التلفزيون سنة 1952 في الولايات المتحدة الأمريكية، تاريخ لم يعد فيه لإنتاج و لتصنيع لأجهزة التلفزيون أي حدود. v المناداة: القاهرة وبعض المدن العريقة في الجزائر كالعاصمة، تلمسان حيث كان "البراح" يعلن في الأسواق. [8]) وفي العصور الوسطى أصبحت المناداة على البضائع مهنة منظمة لها نقابة ورئيس وتعترف بها السلطات المختصة. ونظرا لحدة المنافسة التي كانت تميز السوق العربية آنذاك، اهتدى بعض التجار إلى استخدام أسلوب آخر في التشهير لتجارتهم: v الإشارات والرموز: وهذا للدلالة على مكان التاجر ونوع بضاعته أو شخصية الصانع. وكان الحافز الأكبر لاستخدامها هو زيادة حدة المنافسة بين الصناع والتجار وكذلك انتشار الأمية وعدم معرفة القراءة والكتابة بين غالبية الأفراد، ومع ظهور الطباعة تطور الإعلان، وتوفرت له إمكانيات أكبر للاتصال بأعداد هائلة من الجمهور الذي يتخطى حدود المنطقة الواحدة، v الإعلان المكتوب: وأول إعلان مكتوب هو إعلان مصري قديم مسجل على الورق البردي، يرجع تاريخه إلى إلف عام قبل الميلاد([10]) كما عثر في اليمن أيضا على أثار منسوخة باليد تحمل أخبار الزواج والمواليد. وكان إعلان عن كيفية الاشتراك في الصحيفة. وفي عام 1875 كثرت هجرة الصحفيين من الشام ولبنان إلى مصر، وفي هذه الفترة نشأت جريدة الأهرام وكان لها السبق في مجال الإعلان الحديث. وعلى العموم يكمن إدراج بعض العوامل التي ساهمت بدورها في خلق جو مناسب لإدراك أهمية وقيمة الإشهار وساعدت على انتشارها ومن أهمها مايلي: 2) كثرة السفر إلى الخارج بين أفراد الطبقات المتوسطة والمثقفة مما يجعلها أسهل اقتناعا بفكرة الإشهار. 5) انتشار الأسواق ووجود عنصر المنافسة. 6) انتشار وسائل الإشهار الحديث كالإذاعة، [12]) أما في التلفزيون الجزائري، فإن الإشهار التجاري و خاصة منه إشهار العلامة، و أصبحت شاشة التلفزيون الجزائري تستجيب لسعي المنتجين و التجار إلى عدم إبقاء منتجاتهم غير معروفة نظرا للمنافسة التي ما فتئت تشتد بين السلع المستوردة ذاتها و بينها و بين السلع المحلية. قبل هذا التغيير العام، يقتصر بثه في ميدان الومضات على مجرد أشكال من الاتصال الاجتماعي التي تسعى إلى النوعية العامة و الإرشاد في الميادين الفلاحية و الصحية مثلا استجابة لمتطلبات التنمية بالمفهوم الذي يتخذه النظام الأحادي السائد آنذاك. إن عرض التطور في الممارسة الإشهارية و كيفيته من حصر مجموعة من المراحل المتتابعة و المتميزة عن بعضها البعض في طرق تلك الممارسة و تتحدد كما يلي: أ- مرحلةالتمخض: وقد تحددت فيها الجذور السياسية و الدينية للإشهار. و الأمر يبرر بميزة هذه المرحلة المتعلقة بنشر الأفكار و المبادئ الدينية و هو ما يعرف بالدعوة أو الدعاية، إذ تتبع هذه الأخيرة نفس أساليب الإشهار التجاري مثلا من حيث أنها تحاول جذب المتلقي بإظهار مزايا وفوائد تلك الديانة أو غيرها كأن ينال رضا الله و يفوز بعيش كريم مطمئن و يفوز بالجنة بعد موته، و قد شهدت هذه المرحلة الطويلة أيضا ظهور أول ملصقة إشهارية Annonce. وكان محتواها دعوة للمواطنين من أجل المشاركة في حفل الكنيسة المخصص للصفح والعفو لأحد رموز الديانة المسيحية، و كانت إيقونتيها تحمل أسلحة التاج المالكي و البابا وصورة لمريم العذراء تحمل طفلها. و بقيت الملصقات في يد السلطة آنذاك إلى أن جاءت الثورة الفرنسية عام 1789 أين اعتبر الإشهار كأحد دعائم حرية التعبير لدى المواطنين. ثم تمتد هذه المرحلة الطويلة من تاريخ الإشهار إلى قرن كامل بين سنتي 1750-1850 و هي مدة كانت فيها البدايات الأولى للطابع الاقتصادي للإشهار، حيث منذ أن تمكن فرنسي يدعىThéophraste Renaudotسنة 1630 من فتح أول مكتب للإشهارات الصغيرة، و أصبحت صحيفته La Gazetteتنشر أولى الإشهارات Réclame ابتداءً من عددها السادس، بدأت أول صحيفةMonsieur Universel سنة 1789 في أول نشر لأسعار المساحات الإشهارية ، و بدأ الحديث عن استخدام أو الاستعانة بالإشهار كمصدر مالي هام للصحافة ، و كان معه ميلاد الإشهار المحمول على وسائل الإعلام الجماهيري. 14] في بداية الإشهار و في مرحلته الطويلة أعلاه،