كانت إمارة أبوظبي تضعف تدريجياً، وتزايدت مخاطر الامتناع عن القيام بعمل ما لتدارك الوضع، وغدا من الصعب الاعتراض على ما يرد في الصحف العربية والصحافة العالمية حول التباين بين إمكانيات أبوظبي والأوضاع المعيشية الصعبة لأهلها ،وأن ذلك يعتبر شيئاً غير لائق . ولم يكن من الممكن إنهاء فترة الجمود هذه إلا من قبل أولئك الذين يمكنهم تغيير الحاكم حسب العرف المتبع ، وكانت أسرة آل نهيان مسؤولة حسبب التقليد المتبع عن ترشيح الحاكم الجديد من بين أفراد الأسرة الحاكمة، إذا ما اقتضت الأوضاع القائمة إحداث تغيير . وكانت هناك سوابق تاريخية لهذه الخطوة في الماضي، وعلاوة على ذلك كان هناك اتفاق الأسرة الحاكمة عام 1928 والذي ضمن السلامة الشخصية للحاكم، وهو الشرط الذي التزمت كل الأطراف المعنية بتنفيذه . وخلال صيف عام 1966 بدا واضحاً أن الأسرة الحاكمة قد توصلت إلى قرار بتنحية الشيخ شخبوط، وأن المرشح الذي أجمع الكل عليه ليتولى حكم الإمارة من بعده هو الشيخ زايد . أما التردد الوحيد الذي ارتبط بتلك الخطوة فقد جاء من قبل الشيخ زايد نفسه ، فهو رجل يقدر كلمة الشرف التي تعهد بها ، وحافظ على هذا العهد نحو أربعين عاماً تقريباً. وكانت رغبته في إحداث التغيير العام معروفة لدى الجميع، وقد حظيت بالتقدير من كل الأطراف، لكن المأزق الذي واجهه في هذا الوضع هو الصراع التقليدي بين الرغبة الشخصية وتحقيق المصلحة العامة . وما من شك في أن آمال الشيخ زايد الشخصية كان يمكن أن تتحقق من خلال بناء مجتمع نموذجي لأبناء شعبه في العين بالقرب من البادية المحببة إلى قلبه . ولم تكن السياسة والمسؤوليات الإدارية في أبوظبي تستهويه ، كما لم يكن لديه أي أطماع شخصية . وكان الواجب وحده هو الذي دفعه خلال عدة أشهر إلى التغلب على تردده واستبعاد رغباته الشخصية والاستعداد لقبول منصب الحاكم . وكان مما أشيع في ذلك الوقت أن الدور الذي أدته الحكومة البريطانية في هذا السياق من وراء الستار هو تنسيق عملية إزاحة الشيخ شخبوط عن الحكم وخلافة الشيخ زايد له . ولكن المحفوظات والسجلات البريطانية لا تتضمن ذلك، إذ لم يرد فيها بشأن تلك الفترة ما يشير إلى مثل هذه التصورات، وفي الحقيقة فإن المحفوظات والسجلات البريطانية تظهر غير ذلك ، فخيبة ظن بريطانيا في الشيخ شخبوط كان وراءها حسابات سياسية بحتة . وقد أعجب بشخصيته بعض الضباط البريطانيين أنفسهم، وكانوا يحترمونه إلى حد التعبير عن إعجابهم بدفاعه المتواصل والمستميت عن حقوقه وحقوق إمارته في مواجهة المصالح البريطانية . غير أن البريطانيين كانوا أيضاً قلقين من أن يصبح تردده في اتخاذ القرارات عبئاً ثقيلاً على أبوظبي ، يؤدي إلى التشكيك في مصداقية الإمارة في عيون مجتمع رجال الأعمال والشركات في العالم . وليس هناك شك في أن البريطانيين كانوا يفضلون حاكماً أكثر وعياً وإدراكاً لما يجري في العالم الحديث، أما فكرة تنصيب حاكم لأبوظبي يكون " سهل الانقياد " وطوع أيدي مستشاريه البريطانيين فلم يكن لها أساس من الصحة . لا يشير أي من الوثائق البريطانية إلى أن الشيخ زايد كان سيرضخ للبريطانيين أو يلبي لهم رغباتهم، إلا إذا توافقت مع مصلحة شعبه في إمارة أبوظبي . وهناك تقارير عديدة حول شخصية الشيخ زايد في الأعوام السابقة لتوليه الحكم، غير أن أياً منها لم يشر إلى أنه كان يميل إلى الرضوخ لرغبات البريطانيين على وجه خاص . ويؤكد كل هذه التقارير تقريباً سرعة بديهته ومعرفته السياسية الواسعة بأهالي أبوظبي والمناطق المحيطة بها والتزامه بالتطور وتنمية المجتمع . أما ما يستشف من هذه التقارير أيضاً فهو الإحساس بالثقة في التعامل معه ، إذ كان في وسع المسؤولين البريطانيين أن يتحدثوا إليه بكل صراحة، وأن يبادلهم الثقة في المقابل . وليس هناك شك في أن بريطانيا كانت مستعدة للترحيب بانتقال مقاليد الحكم إلى حاكم جديد في أبوظبي، كما لم يكن هناك أدنى شك في الفرحة الشعبية التي قوبل بها تولي الشيخ زايد مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966 . أما على نطاق الأسرة الحاكمة فقد ساد الاعتقاد بأن الشيخ زايد سيقبل في نهاية المطاف قدره بكل الرضا باعتبار أن تلك هي إرادة الله ورغبة الشعب، ولم يشك أحد في أنه سيضمن أن تتم معاملة الحاكم السابق بكل الاحترام والتقدير ويمنحه أموالاً كافية ويضمن سلامة شخصه وممتلكاته . ورغم الإحباط الذي أصاب الشيخ زايد من جراء السياسات التي انتهجها شقيقه الشيخ شخبوط أثناء توليه الحكم، فقد كان واضحاً لدى الجميع أن ذلك لم يؤد إلى تقليل محبته الأخوية له بأي حال. وبالنسبة إلى الشيخ زايد فقد كان يعرف أن توليه مقاليد الحكم بدلاً من شقيقه هو الملاذ الأخير للجميع، ففي الواقع كان الكل في داخل الأسرة الحاكمة وخارجها يأملون أن ينفذ الشيخ شخبوط ما لمح إليه من رغبته في الاستقالة عامي 1954 و 1962 ، وأن يتيح لعملية خلافة الحكم أن تحدث وفقاً للتقليد المتعارف عليه، بيد أن الشيخ شخبوط لم يفعل ذلك . وعندما أقدمت الأسرة الحاكمة على أداء دورها التقليدي، فقد وضعت نصب عينيها مصلحة الأمة ورفاهيتها .