بين الأحداث العالمية المتلاحقة والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، يجد العالم العربي نفسه يوميا أمام تقاطعات معقدة بين صراعات الخارج وأزمات الداخل، وبين تجاذبات متجددة حول معاني الهوية والانتماء. ومعها تتشابك قضايا اليمن وسوريا وباكستان والهند، فصوت الشعب يعلو بالانتقاد والسخرية من حال البلد اليومية، هذه المقالة تحاول تقديم قراءة شاملة لما تحمله تلك التطورات من دلالات، وانعكاساتها على الشعوب والهويات والخطاب العام. مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شهدت المنطقة تصعيداً غير مسبوق حيث شاركت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في شن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على أهداف إسرائيلية، وأيضاً على حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" وبعض القطع الحربية التابعة لها في البحر الأحمر. الإعلان اليمني جاء دفاعاً عما سموه "مظلومية الشعب الفلسطيني"، خرج الرئيس الأمريكي ليعلن بشكل أحادي أن الحوثيين "استسلموا" وتوقفوا عن مهاجمة السفن باستثناء تلك المتجهة إلى إسرائيل، وانعكس فيه افتراق واضح بين الموقف الأمريكي – الذي بات يعمل وفق اعتبارات مصلحته الذاتية – والإسرائيلي الذي يظهر أنه يخسر جزءاً من الدعم الغربي التقليدي لصالح حسابات جديدة. رغم الضربات الشديدة التي تلقتها الجماعة اليمنية من قوات التحالف، ما أدى لتعطل خطوط الطيران الدولية إلى إسرائيل وخسائر اقتصادية ومعنوية جسيمة. وسط تآكل صورتها عالمياً وتراكم الانتقادات حتى من دول أوروبية كانت حتى الأمس القريب من أقوى داعميها. يبدو أن معادلة الصمود والمقاومة أصبحت قيد المراجعة المستمرة على مستوى الخطاب والسياسات في المنطقة. القوة الأوروبية الثانية بعد أمريكا في دعم إسرائيل، وهو كلام لم يكن ممكناً حتى وقت قريب ضمن السياق الألماني المثقل بثقافة الذنب والدعم غير المشروط لإسرائيل. مع بروز أصوات تطالب بالاعتراف بفلسطين وتنتقد إيران إسرائيل في العلن، منها فنلندا وهولندا وإسبانيا، داخل الكيان الإسرائيلي نفسه تتزايد الأصوات المنتقدة لسياسات نتنياهو. محذراً من أن مستقبل إسرائيل على المحك وأن البلاد في أخطر أزمة منذ تأسيس الكيان في 1948. يعلون دعا للعصيان المدني واعتبر الأزمة الحالية مفصلية: "إما العودة لدولة ديمقراطية ليبرالية أو الاستمرار في مسار فاشي فاشل". هذا التصدع يدل على اهتزاز الإجماع الإسرائيلي الداخلي، مع تشرذم متزايد بين صقور اليمين الديني-الصهيوني وبقية أطياف المجتمع، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحمد الشرع – الذي يوصف سابقاً بالإرهابي وكان موضوعاً على قوائم الملاحقة والجائزة المالية – في قصر الإليزيه. هذا الحدث علامة بارزة على تغير جذري في التعاطي الغربي مع الملف السوري، حيث يتحول من العزلة التامة إلى محاولة إعادة الإدماج، كما تعهد بضمان عدم تهديد المقاتلين الأجانب لأي دولة في الإقليم، وإيجاد حلول قانونية لمن تبقوا منهم في سوريا خاصة بعد تزاوجهم وإنجابهم من السوريات. فإن هذه الخطوة تعتبر انتصاراً رمزياً كبيراً للنظام السوري وتعبيراً عن تغير آليات الحسابات الأوروبية حيال سوريا بعد ما أظهرت الوقائع آثار انهيار الدولة السورية على الاتحاد الأوروبي نفسه؛ فرنسا اليوم باتت تضغط باتجاه دعم استقرار سوريا في حين لا تزال بعض الدول الإسلامية والعربية تفرض خطوطاً حمراء ضد الحكومة السورية، وهذا يضع الشرع وحكومته في موقف تفاوضي أقوى ويعيد رسم خريطة النفوذ والحسابات داخل سوريا والإقليم. منذ رحيل الاستعمار البريطاني، تشهد المنطقة التنازع على 222 ألف كيلومتر مربع يسكنها غالبية مسلمة وإثنية مختلطة. معظم الحروب الأربعة بين الدولتين (1947، مع نشوب حرب جديدة وسقوط خمس طائرات هندية في غضون ساعات والتصعيد داخل كشمير، خاصة ضمن مشروع طريق الحرير الجديد. خلافاً للعقيدة الهندية التي تحصر استخدام النووي في الرد على هجوم نووي أول فقط. هذا التناقض يزيد من احتمال انفجار نزاع غير محسوب مخاطره. للصراعات الهندية-الباكستانية انعكاسات عميقة على دول الخليج بسبب وجود ملايين العمال من الهند وباكستان وبنغلادش، فضلاً عن المخاوف من انفجار ديموغرافي أو أزمات داخلية في حال تفجرت حرب موسعة. الذي يتهمه كثير من المسلمين بممارسة اضطهاد قاس وقوانين عنصرية ضد الأقلية المسلمة. داخل الجزائر، من غلاء الأسعار إلى البطالة وتدهور الخدمات العامة. تحولت قضية استيراد وقرعة "كباش العيد" إلى مادة ساخرة رافضة؛ هل من المنطق أن تقف الدولة لتوزع كباشاً مستوردة عبر سحوبات، ويحتفي الإعلام الرسمي بذلك كمنجز؟ جاءت الانتقادات حادة من مواطنين يرفضون أن يُستبدل حق العمل والكرامة والتمكين الاقتصادي بمنحة أو صدقة أو كبش "رمز للذل" كما عبّر العديد بوضوح. ودولة يصير أقصى أحلام شبابها وظيفة أو مسكن، وتزداد حدة المفارقات مع المقارنات الدولية أو الإقليمية. الحديث عن عدالة الجزائريين يعرج بسرعة على مفارقات النظام القضائي: أربعة شبان حكم عليهم بالسجن 12 سنة بسبب المضاربة في "الموز"، هذا التفاوت يعكس منطقاً مختلاً في التعامل مع القانون، تواصل الخطاب الرسمي حول "الإرهاب" في الجزائر منذ ثلاثة عقود، غالباً من مناطق معينة وبطرق نمطية متكررة. وخلق أجواء تشل الاستثمار والتغيير الجذري. كلا الطرفين ينجرف إلى استنساخ صراعات هووية لا أزمة حقيقية فيها، فهي عرو-أمازيغية إسلامية، بنت تراكمات اللغة والدين والهجرة والزمن والجغرافي. وهوية أعمق من كل تفريعات اللغة أو الثقافة. ويظل الاختبار الحقيقي في السلوك والمعاملة لا في "نقاء النسب" أو "نقاء اللغة". يتردد في كلام الجزائريين المهمومين بأحوال بلادهم أن "ذكر الله يُطمئن القلوب". التحدي الحقيقي أمام المجتمع الجزائري – وسواه من المجتمعات العربية – هو كيفية إنهاء الحكم "المافياوي" العسكري وبناء نظام جديد يولي الأولوية للعدل والكرامة، لا الصراعات الهوياتية الفارغة أو سياسات الترقيع والخوف الدائم. تحقيق هذا التحول لا يكون إلا بقبول التعددية والاختلاف وفصل الدين عن الاستثمار السياسي، ومن ساحة السياسة الدولية إلى يوميات المواطن الجزائري، المشهد متشابك والمعارك ملتهبة بين قوى تتصارع من أجل النفوذ واستمرار الأنظمة، وشعوب تصارع الفقر والقمع وسرديات التخويف وصراعات الهويات الفرعية. ويبقى الدرس الأهم دوماً: لا فرق بين عربي وأمازيغي ولا بين أبيض وأسود ولا بين السني والشيعي إلا بمقدار ما يحمل كلٌّ للناس من عدل وخير ورحمة.