وقد علمنا أنَّ الذَّرَّةَ تدّخرُ للشتاء في الصَّيف، ثم يبلغ من تفقُّدها وحُسْنِ خبرها والنظر في عواقب أمْرها، أنَّها تخافُ على الحبوب التي ادَّخَرَتْها للشِّتاءِ في الصيف، لتُيبِّسها وتُعيدَ إليها جُفوفها، وتعلم أنّها من ذلك الموضع تبتدئُ وتنبتُ وتنقل، فهي تفلق الحبّ كلَّه أنصافاً، فأمّا إذا كان الحب من حبِّ الكُزْبُرة، لأنَّ أنْصافَ حبِّ الكزبرة ينبت منْ بين جميع الحبوب، فهي على هذا الوجه مجاوزةٌ لفِطنةِ جميع الحيوان، فتسقط من يدِه الواحدةُ أو صدرُ الواحدة، فلا يلبثُ أن تُقْبِل ذَرَّة قاصدةٌ إلى تلك الجرادة، فترومها وتحاول قَلْبها ونقلها، فإذا أعجزتْها بَعْدَ أن بلغَتْ عُذْرًا، فلا يلبَثُ ذلك الإنسانُ أن يراها قد أقبلتْ، فأوَّلُ ذلك صِدْق الشَّمَّ لما لا يشَمُّه الإنسان الجائع، والجراءةُ على محاولةِ نقل شيءٍ في وزْنِ جسمِها مائةَ مرَّة،