االسجع الجاهلي رؤى وأبعاد هو فن من فنون النثر يعتمد مجموعة من الجمـل المترادفة والمتوازنة والمتزاوجـة يستخدمها الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضية من القضايا التي تعترض فردا أو جماعة ويزعم هذا الكاهن أنه ينطق باسم الآلهة ، وأن الجن مسخرة له يحركها كيفما أراد ، وكانت في الجاهلية طائفة تزعم أنها تطلع على الغيب، وتعرف ما يأتي به الغد بما يلقي إليها توابعها من الجن، وكان واحدها يسمى كاهنًا كما يسمى تابعه الذي يوحي إليه باسم “الرَّئِيِّ” وأكثرهم كان يخدم بيوت أصنامهم وأوثانهم؛ وقد يتخذونهم حكامًا في خصوماتهم ومنافراتهم على نحو ما كان من منافرة هاشم بن عبد مناف، واحتكامهما إلى الكاهن الخزاعي، وقد نفر هاشمًا على أمية. وكانوا يسشيرونهم ويصدرون عن آرائهم في كثير من شؤونهم كوفاء زوجة، أو قعود عن نصرة أحلاف، ففي أخبار بني أسد أن حجرًا أبا امرئ القيس رَقَّ لهم؛ فبعث في إثرهم فأقبلوا حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم، فقال لبني أسد: “يا عبادي، قالوا: من هو يا ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية، فركبوا كل صعب وذَلول فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عكر حجر فهجموا على قبته” وقتلوه. وكثيرًا ما كانوا ينذرون قبائلهم بوقوع غزو غير منتظر، كما كانوا كثيرًا ما يفسرون رؤاهم وأحلامهم. فمنزلة كهَّانهم في الجاهلية كانت كبيرة؛ إذ كانوا يعتقدون أنه يوحى إليهم، ولعل ذلك ما جعل نفوذ الكاهن يتجاوز قبيلته إلى كثير من القبائل التي تجاورها، ومن ثم كان العرب يقصدون كثيرين منهم من مناطق بعيدة. ومما يلاحظ أنهم كانوا يتكثرون في اليمن وفي بيوت عبادتها الوثنية، ولعل في ذلك ما يدل على الصلة القديمة بين وثنية عرب الجنوب، وتلقانا في كتب التاريخ والأدب أسماء كثيرين منهم، فمن ذلك أن شق بن الصعب كان شق إنسان أو شطره فله عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، وأن سطيح بن ربيعة الذئبي لم يكن فيه عظم سوى جمجمته وأن وجهه كان في صدره ولم يكن له عنق، ومن كهانهم في أواخر العصر الجاهلي سواد بن قارب الدَّوْسيِّ وقد أدرك الإسلام ودخل فيه، كاهن بني الحارث بن كعب، وكان يقول: إنه أسلم بمشورة تابعه “شصار”. ومن قوله: “والأرض والسماء، لقد نفر المجد بني العشراء للمجد والسناء(ونجد بجانب هؤلاء الكهان جماعة من الكاهنات، وربما كن في الأصل من النساء اللائي يهبن أنفسهن للآلهة ومعابدها. ومن أشهرها الشعثاء وكاهنة ذي الخلصة والكاهنة السعدية والزرقاء بنت زهير والغيطلة القرشية وزبراء كاهنة بني رئام، ويروى أنها أنذرتهم غارة عليهم فقالت: “واللوح الخافق والليل الغاسق والصباح الشارق والنجم الطارق والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدو خَتْلًا، ويحرق أنيابًا عصلًا، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، ومعنى ذلك أنه وجد في العصر الجاهلي سجع كان يقوله الكهان، وقد اختلط الأمر على بعض قريش في أول نزول الذكر الحكيم؛ فقرنوه بسجع كهنتهم ورد عليهم القرآن الكريم بمثل قوله جل وعز: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال سبحانه وتعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} وقال:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}. ومما يدل على أن كهنتهم كانوا يسجعون؛ الحديث المروي عن أبي هريرة؛ فقد حدث أنه: “اقتتلت امرأتان من هذيل؛ فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فاختصموا إلى رسول الله، فقضى رسول الله أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها… فقال حمل بن النابغة الهُذلي: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: “إنما هذا من إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجع ومن ثم كان من أهم ما يميز أسجاعهم عدم وضوح الدلالة وأن يكثر فيها الاختلاف والتأويل. وليس هذا كل ما يلاحظ على السجع الذي يضاف إليهم؛ فإنه يلاحظ عليه أيضًا كثرة الأقسام والأيمان بالكواكب والنجوم والرياح والسحب والليل الداجي والصبح المنير والأشجار والبحار وكثير من الطير وفي ذلك ما يدل على اعتقادهم في هذه الأشياء وأن بها قوى وأرواحًا خفية، ومن أجل ذلك يحلفون بها، ليؤكدوا كلامهم وليبلغوا ما يريدون من التأثير في نفوس هؤلاء الوثنيين. وهذا السجع الديني كان يقابله، سجع آخر في خطابتهم بل في كلامهم وأمثالهم التي دارت بينهم. وكانت عند العرب في العصر الجاهلي طائفة تدعي التنبؤ ومعرفة المغيبات، وأنها تنطق عن آلهتم بما سخر لها من الجن التي تسترق لها السمع، أما تابعه من الجن فيسمى رئيا، وكانوا يفزعون إليهم لاستشارتهم في الأمور الجلى كإعلان حرب، أو قعود عن نصرة أحلاف، أو خلال بنذر من النذور لأربابهم لا يستطيعون أداءه . وقد يلجأون إليهم للحكم بينهم أو للمنافرة ، ممتثلين لأحكامهم فهي لا تنقض ولا ترد، وقد يطلبون إليهم تعبير رؤاهم وأحلامهم ، وهم بدورهم قد يتنبئون لأقوامهم بوقوع كارثة، ولعل في ذلك كله ما يدل على أنهم كانوا يتمتعون بنفوذ واسع، ولم يكن لهذا النفوذ حدود قبلية، فكثيرا ما يسيطر الكاهن على مجموعة من القبائل بكهانته، فتقصده العرب من أقاليم نائية، ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن جمهور كهانهم كانوا يمنيين، وخاصة من يرجع بهم القصاص إلى الحقب الأولى من العصر الجاهلي، وشق بن مصعب الأنماري، وإليهما فزع نصر بن ربيعة ملك اليمن في تفسير رؤيا له ، ورواة الأخبار من عالم الواقع إلى عالم الخيال، فقالوا: إن سطيحا لم يكن فيه عظم سوى جمجمته، وإن وجهه كان في صدره ولم يكن له عتق، أما شق فقالوا: إنه كان شق أو نصف إنسان له عين واحدة، ومن كهانهم المشهورين المأمور الحارثي، وكان يزعم أنه دخل الإسلام بمشورة رئيه شصار ، وعوف بن ربيعة الأسدي، وهو الذي أشار على قومه بالثورة على حجر بن الحارث الكندي وقتله ، وسلمة الخزاعي الذي تنافر إليه هاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس فنفر هاشما ، وسواد بن قارب الدوسي، ووجد بجانب هؤلاء الكهنة بعض نسوة عرفن بالتكهن من مثل الشعثاء الكاهنة ، والكاهنة السعدية والزرقاء بنت زهير، وروت كتب الأدب والتاريخ طائفة من أقوال هؤلاء الكهان، وما نشك في أن أكثر ما روي عنهم مصنوع، وإن من الخطأ أن يعتمد باحث على تلك المرويات، ويظنها صحيحة النسبة إلى من قيلت على ألسنتهم، ومن مصعب أن نحتفظ بها ذاكرة الرواة نحو قرنين من الزمان أو أكثر، حتى يخرج العصر العباسي فيدونها اللغويين والإخباريون. على أننا نستطيع بعد أن نرفض ما يروى من أقوالهم، وخطبهم أن نعود فنظن ظنا أنهم كانوا يسجعون في خطابتهم، وإلا لما استقر عند جميع من نحلوهم بعض الأقوال، والخطب أنهم كانوا يعتمدون على السجع في كهانتهم، ومن ثم صاغوا ما نسبوه إليهم من كلام سجعا خالصا. ولعل هذا السجع في كلامهم هو الذي دفع بعض المشركين من قريش إلى الظن بأن ما يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن، فقال جل وعز ينقض دعواهم الباطلة : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ }[ ] وقال: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }[ ] ، وقد جاء في الحديث النبوي أن الرسول صلوات الله عليه، قضى على رجل في جنين قتلت أمه بدية، فقال الرجل: “أأدى “أأغرم” من لا شرب ولا أكل، أليس مثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله عليه السلام: “إنما هذا من إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجع” ، وفي رواية أنه قال له: أسجع كسجع الكهان؟ وفي هذا الحديث أكبر الدلالة، وأعظمها على أن الكهان كانوا يستخدمون السجع في كهانتهم، ويقول الجاحظ: “كان حازي “كاهن” جهينة، وشق وسطيح وعزى سلمة، ويروى من سجع عزى سلمة قوله: “والأرض والسماء، لقد نفر المجد بني العشراء، وإذا صحت هذه الكلمة لعزى سلمة، فإنها ترينا أن الكهان كانوا يعتمدون في كهانتهم على السجع، كما كانوا يعتمدون على مثل هذه الأقسام، وما يتصل بذلك من القمر والنجوم، وكل ما يظنون أنه يحمل قوى خفية، وأيضا فإنهم كانوا يعتمدون على الإغراب في ألفاظهم للإيهام، وهذه هي نفس السمات العامة التي يمكن أن نستنبطها من خلال النصوص الكثيرة التي رويت من سجعهم، ونحن نرى هذه السمات واضحة في هذه القطعة الصغيرة التي رواها الجاحظ لعزى سلمة، إذ كانوا يلجؤون إلى الإيهام في أحاديثهم وأقوالهم، واللفظ الغريب ليتيح لهم ذلك ما يريدون من الوهم في أساليبهم، وأكبر الظن أنهم كانوا يبالغون في ذلك حتى تنبهم معانيهم وتغمض دلالاتهم، فيكثر عند السامعين الفهم، ولعلنا لا نبعد إذا زعمنا أن الكهان كانوا يبنون سجعهم في كثير من جوانبه على الرمز، فإن كهانتهم كانت تقتضي أن يختاروا ألفاظا موهمة توعظ بما يريدون دون أن تفصح -في كثير من أحوالها- عن دلالة بينه، ومهما يكن فإن حرقة الكهان في هذا العصر أثمرت ضربا طريفا من السجع كان يتكئ على الأقسام، وأكبر الظن أن فيما قدمنا من حديث عن سجع الكهان، وخطابة الجاهليين وما كان من أمثالهم ما يدل دلالة صريحة على أن ما سلم لنا من بقايا نثرهم، إنما هو شظايا متناثرة من صناعة بليغة كانت تستفيد من أصحابها آمادا واسعة من التعب، ولقد كانت عند العرب في العصر الجاهلي طائفة تدعي التنبؤ ومعرفة المغيبات، وأنها تنطق عن آلهتم بما سخر لها من الجن التي تسترق لها السمع، أما تابعه من الجن فيسمى رئيا، وكانوا يفزعون إليهم لاستشارتهم في الأمور الجلى كإعلان حرب ، أو قعود عن نصرة أحلاف ، أو كشف قتل إنسان أو ناقة ، أو خلال بنذر من النذور لأربابهم لا يستطيعون أداءه . وقد يلجؤون إليهم للحكم بينهم أو للمنافرة ، ممتثلين لأحكامهم فهي لا تنقض ولا ترد، وقد يطلبون إليهم تعبير رؤاهم وأحلامهم ، وهم بدورهم قد يتنبئون لأقوامهم بوقوع كارثة، ولعل في ذلك كله ما يدل على أنهم كانوا يتمتعون بنفوذ واسع، ولم يكن لهذا النفوذ حدود قبلية، فكثيرا ما يسيطر الكاهن على مجموعة من القبائل بكهانته، فتقصده العرب من أقاليم نائية، ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن جمهور كهانهم كانوا يمنيين، وخاصة من يرجع بهم القصاص إلى الحقب الأولى من العصر الجاهلي، وشق بن مصعب الأنماري، وإليهما فزع نصر بن ربيعة ملك اليمن في تفسير رؤيا له، ورواة الأخبار من عالم الواقع إلى عالم الخيال، فقالوا: إن سطيحا لم يكن فيه عظم سوى جمجمته، وإن وجهه كان في صدره ولم يكن له عتق، أما شق فقالوا: إنه كان شق أو نصف إنسان له عين واحدة، ومن كهانهم المشهورين المأمور الحارثي، وكان يزعم أنه دخل الإسلام بمشورة رئيه شصار ، وعوف بن ربيعة الأسدي، وهو الذي أشار على قومه بالثورة على حجر بن الحارث الكندي وقتله5، وسلمة الخزاعي الذي تنافر إليه هاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس فنفر هاشما، وسواد بن قارب الدوسي، ووجد بجانب هؤلاء الكهنة بعض نسوة عرفن بالتكهن من مثل الشعثاء الكاهنة، والكاهنة السعدية والزرقاء بنت زهير، وروت كتب الأدب والتاريخ طائفة من أقوال هؤلاء الكهان، وما نشك في أن أكثر ما روي عنهم مصنوع، ويقول الجاحظ: “كان حازي “كاهن” جهينة، وشق وسطيح وعزى سلمة، ويروى من سجع عزى سلمة قوله: “والأرض والسماء، لقد نفر المجد بني العشراء، وإذا صحت هذه الكلمة لعزى سلمة، فإنها ترينا أن الكهان كانوا يعتمدون في كهانتهم على السجع، كما كانوا يعتمدون على مثل هذه الأقسام، وما يتصل بذلك من القمر والنجوم، وكل ما يظنون أنه يحمل قوى خفية، وأيضا فإنهم كانوا يعتمدون على الإغراب في ألفاظهم للإيهام، وهذه هي نفس السمات العامة التي يمكن أن نستنبطها من خلال النصوص الكثيرة التي رويت من سجعهم، ونحن نرى هذه السمات واضحة في هذه القطعة الصغيرة التي رواها الجاحظ لعزى سلمة، إذ كانوا يلجؤون إلى الإيهام في أحاديثهم وأقوالهم، واللفظ الغريب ليتيح لهم ذلك ما يريدون من الوهم في أساليبهم، وأكبر الظن أنهم كانوا يبالغون في ذلك حتى تنبهم معانيهم وتغمض دلالاتهم، فيكثر عند السامعين الفهم، ولعلنا لا نبعد إذا زعمنا أن الكهان كانوا يبنون سجعهم في كثير من جوانبه على الرمز، فإن كهانتهم كانت تقتضي أن يختاروا ألفاظا موهمة توعظ بما يريدون دون أن تفصح -في كثير من أحوالها- عن دلالة بينه، ومهما يكن فإن حرقة الكهان في هذا العصر أثمرت ضربا طريفا من السجع كان يتكئ على الأقسام، وأكبر الظن أن فيما قدمنا من حديث عن سجع الكهان، وخطابة الجاهليين وما كان من أمثالهم ما يدل دلالة صريحة على أن ما سلم لنا من بقايا نثرهم، إنما هو شظايا متناثرة من صناعة بليغة كانت تستفيد من أصحابها آمادا واسعة من التعب، وكانت الكهانة موجودة عند العرب في الجاهلية، إذ كانوا يوهمون العامة بأنهم يعرفون الغيب عن طريق ما يتلقون من الجن، ويستشيرونهم في أمورهم وبخاصة المستقبلة. ويقصون عليهم أحلامهم لكي يفسروها لهم. وأحيانا كان الكهان ينذرون بعض القوم بأحداث تقع لهم. ولم تكن الكهانة مقصورة على الرجال، ومن أشهر الكهان: شق أنمار. وتحكي الأساطير عن خلقته أنه كان شق إنسان له عين واحدة. ومنهم سطيح الذئبي : ويقولون عنه إنه لم يكن فيه عظم سوى جمجمته؛ ومنهم المأمور الحارثي: كاهن بني الحارث بن كعب، ومن أشهر الكاهنات: طريفة الكاهنة: وكانت باليمن وفاطمة الخثعمية: وكانت بمكة، والزرقاء بنت زهير، وزبراء كاهنة بني رئام. وكان الكهان في أحاديثهم يعمدون غالبًا إلى سجع مصطنع، وكأنما كانوا يقصدون زيادة التأثير في السامعين، وإلهاءهم عن التتبع لما يلقى إليهم من الأخبار التي كانت في منتهى الغرابة والعجب. ومما ورد لهم ما يروى أن حجرا أبا امرئ القيس رق لبني أسد، فأقبلوا حتى إذا كان على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة فقال لبني أسد: “يا عبادي! قالوا: لبيك ربنا، قالوا: من هو يا ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية، فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبته وقتلوه”. ويروى أن شقًّا وسطيحًا اتفقا على تعبير رؤيا رآها ربيعة بن نصر اللخمي أحد ملوك العرب، فأخبره سطيح بإغارة الحبشة على بلاد اليمن بسجع متكلف يبعث على التردد في تصديقه، إذ قال: “أحلف بما بين الحرتين من حنش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش” . وقال شق: “أحلف بين الحرتين من إنسان ليهبطن أرضكم السودان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران”. ويقال إن زبراء أنذرت قومها غارة عليهم، فقالت: “واللوح الخافق والليل الغاسق، إن شجر الوادي ليأدوا ختلًا، ويحرق أنيابًا عصلا ، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، ومن المؤكد أن الكهان كانوا يسجعون في كلامهم بمثل هذا السجع بدليل أنهم لما سمعوا القرآن ظنوه من هذا القبيل، فرد الله زعمهم بقوله تعالى: { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ } [ ] . وقوله تعالى: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } [ ] ، وظاهر من نماذج نثرهم أن الكهان كانوا يستعملون السجع المتكلف الغامض، لكي تتحير الأذهان في فهم المقصود منها وأغلب الظن، بل يكاد يكون من المؤكد أنهم لم يكونوا يدركون حقيقة ما يقولون فكانوا يأتون بالألفاظ. ويرصفونها بعضها بجانب بعض بدون وعي تام لمعانيها، ما دام السجع موجودا فيها، ويكتنفها الغموض والإبهام، مكتفين بالإيماء والتلميح، متخذين من حال مخاطبيهم النفسية ما يساعدهم على ذلك، كما يفعل ضاربو الرمل والحصى بيننا الآن. ومن أشهر المتكهنين فـي الجاهلية : سطيح الذئبي ، و عـوف بن ربيعــة الأسدي ، المشهور باسم عُزّى سلمة، والكهّان عند العرب الجاهليين طائفة ذات قداسة دينية، شأنهم شأن الحكام في المنافرات. وكانوا يزعمون الاطلاع على الغيب، وأن لكل منهم رئيّاً – أي صاحباً من الجن – يعرف الكاهن عن طريقه ما سيكون من أمور. وكان الناس يتوافدون على هؤلاء الكُهّان من مختلف الجهات فيحكمونهم في منازعاتهم، ويستشيرونهم في أمورهم الخاصة وما يزمعونه من أعمال، وكانوا يستخدمون في أحكامهم وأقوالهم ضرباً من النثر المسجوع عرفوا به، ويلاحظ في نصوص الكهان أنها تحمل طابع التكلف الشديد في سجعها ولهذا لا يطمأن إليها كلها، فربما شاب بعضها الوضع والنحل، وربما كان بعضها محفوظاً صحيحاً، ومن خصائص أسجاع الكهان أنها – في جملتها – كلام عام، لا يرشد السامع إلى حقائق جلية، وإنما يضعه في الغموض والإبهام، وقصر الجمل لإلهاء السامع عن تتبع ما يلقى إليه من الأخبار العربية، وجعله في حالة نفسية مضطربة تساعد الكاهن على الوصول إلى ما يريد، وتأويل ما يسمعه بحسب حالته ومدى فهمه. موقف القرآن الكريم من الكهان ذم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذهاب الى الكهان ونفى القرآن الكريم صفة الكهانة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.