العلم رجال يتسمون بالوعي والتجرد فإنهم سيقبلون النتائج التي أعلنها اللادينيون من المتلبسين بثياب العلم زورا وبهتانا. لقد بين القرآن بوضوح التشابه بين الأديان ولم ينكره، فقال تعالى مخاطباً رسوله: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (١) فالقرآن تصديق لرسالات الأنبياء السابقين وليس نقيضاً لها. وقد اختار الله تعالى الرسل الكرام من بين الناس، وجعلهم أئمة يهدون العباد إلى توحيد الله وتحكيم شرائعه، وهم أمثلة عالية في عمل الخير وتنفيذ أوامر الله، لذلك فإن الإسلام ينظر إليهم بوصفهم أمثل الناس وأفضلهم وأعلاهم درجة وقدرا، كيف لا وقد اختارهم الله تعالى رسلاً {اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (٢). وهو {يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (٣) لذلك فهم منزهون عن المعاصي، ليصح الاقتداء بهم في سائر سلوكهم وجميع أحوالهم. قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (٤). من أجل ذلك كانت صورة الأنبياء السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة أمثل وأجل وأسمى من الصور التي ترسمها الكتب الدينية الأخرى كالتوراة - وشرحه التلمود - والإنجيل، لما نال الكتب الأخرى من تحريف على أيدي أتباعها. والأنبياء أوحي إليهم بشرع دون أن يكلفوا بتبليغه، وأما الرسل فأوحى إليهم بشرع وكلفوا بتبليغه. وقد سمى القرآن منهم خمسة وعشرين رسولاً، وهم: آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوبوداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحي وإدريس ويونس وهود وشعيب وصالح ولوط وإلياس واليسع وذو الكفل وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (١). وهؤلاء الرسل يجب الإيمان برسالاتهم على تعيين أسمائهم وأشخاصهم، وإنكار واحد منهم كفر بصريح القرآن، وأفضلهم أولو العزم من الرسل لشدة ابتلائهم وعظيم جهادهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (٢) وأفضل الرسل جميعا محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث (ما من نبي، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي) (٣)، ولا يتنافى هذا التفضيل مع قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (٤) لأن المراد عدم التفريق بالإيمان برسالاتهم جميعا وليس في التفاضل بينهم. لا يخرجون من البشرية بالوحي، بل هم يحافظون على طبيعتهم، وخالفوا عيسى عليه السلام عندما أضفوا عليه صفات الألوهية، وقد بين القرآن بوضوح أن أفضل المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم هو بشر لم تكسبه الرسالة صفات الألوهية قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (٥) فالوحي هو الذي يميز الرسول، ويعرفه بالله وبصفاته وبأسمائه، وبشريعته التي يريد إنفاذها في الحياة، وبأسرار الخلق والأمر، ولم يكن الأنبياء من أرباب الفلسفات أو علماء الطبيعيات،