تقوم الصحافةُ على أمرين: الخبر والرأي، وكلّ ما تنشره الصحف لا يخرج عن أخبار سياسيّة واجتماعيّة وإداريّة وغيرها. وعن آراء في شؤون السياسة الداخليّة والخارجيّة وفي أمور المجتمع وشؤون الحياة. والصور في الصحف هي جزء من الأخبار، والرسم الكاريكاتوريّ يدخل في نطاق الآراء. والاستطلاع الصحفيّ الجيّد يجمع بين الخبر وما فيه من معلومات، والصحافة بهذا تمثّل-كما قيل- السلطة الرابعة؛ فاستعمالها لا يقلّ خطورة وأهميّة ومسؤوليّة عن استعمال السلطة التنفيذيّة. فما حدود استعمال حريّة التعبير في الصحافة؟ وهل يمكن أن تخرج الصحافة عن وظيفتها فتؤدّي إلى نتائج ضارة بالمجتمع؟ إنّ مشكلة الصحافة منذ بدأت حتى الآن تدور حول هذه النقطة: هل كلّ خبر، وهل كلّ رأي يجوز نشرهما في الصحف؟ هل كلّ خبر عن أمر واقع داخل بيت من بيوت الناس، أو في مكتب من مكاتب الحكم والسياسة، أو وقع في دائرة محصورة تضمّ عددًا محدودًا من الأفراد، يجوز أن ينشر في الصحيفة التي يقرؤها آلاف الناس، ويقرؤها في بعض البلاد مليون أو عدّة ملايين من الناس، فيصير هذا الخبر حديثًا يخوضون فيه؟ ويتناقلونه فيما بينهم، ويفسّره كلّ منهم ويؤوّله كما يريد؟. فلا تبقى لذلك البيت حرمة، ولا لتلك الحكومة سرٌّ محفوظ، ولا لتلك الدائرة المحصورة من الأفراد حقّها أو حرّيتها في أن يتفقوا على أمورهم ومصالحهم أو يختلفوا فيها؟ هذا عن الخبر بوجه عام، فهل كلّ رأي يتبادر إلى ذهن الكاتب الصحفيّ أو يجول بخاطره، يحقّ له أن يبديه على صفحة الجريدة أو المجلّة حتى وإن آذى مشاعر الغالبيّة الكبرى من الناس، سواء كانت مشاعرهم الدينيّة أو القوميّة أو الاجتماعيّة؟ وحتى إن أراد أن يؤلّب به الناس ويثيرهم على وضع من الأوضاع القائمة؟ أو أساء بما يكتبه إلى شعب آخر وحكومة أجنبيّة؟. أو تناول شخصيّة عامّة بالتجريح والتشهير؟ ألا ترى أنّ حريّة الصحافة في نشر الخبر، أيًّا كان هذا وذاك دون قيود وبلا ضغوط. ولا تنحصر مشكلة الصحافة وحرّيتها داخل نطاق الدولة. بل تمتدّ إلى الساحة الدوليّة بقدر ما لكلّ دولة من علاقات وتأثير في المجال الدوليّ. فالصحافة تستطيع أن تفسد العلاقات بين الدول، وأن تثير في عقول الناس ومشاعرهم تيّارات مختلفة من الشكّ والخوف، ويتعرّض سلام العالم أو سلام أقاليم منه إلى أخطار الحرب وويلاتها. كما يقول دستور اليونسكو، تولد في عقول الناس قبل أن تنشب في ميادين القتال. وليس أصنع لعقول الناس في العصر الحديث من وسائل الإعلام مثل الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئيّة. وكلّها صارت عادة يوميّة من العسير جدًّا أن يقلع الإنسان عنها، بل تحوّلت العادة إلى شعور بأنّ هذا الإعلام اليوميّ أصبح وأمسى ضرورة من ضرورات الحياة مثله مثل الطعام.