كانت الجماعات المسيحية الأولى مؤلفة بشكل رئيسي من البسطاء وطبقات الشعب الوسطى والفقيرة دون أن تضم علية القوم ومثقفيهم، رغم وجود المنتقلين إلى المسيحية باكرًا من مثل هذه الطبقات غير أنهم ظلوا أقلية تساعد الجماعة العائلات الأكثر فقرا فيها وتمد بالوقت نفسه حركات التبشير بالأموال؛ حتى باتت لفظة قروي في بلاد الشام ومناطق مختلفة من الإمبراطورية الرومانية توافق كلمة وثني . ومقابل عدم الاستقرار في الزيجات ضمن المجتمع ككل، وتأمين حياة كريمة للأسرة وللأطفال، سوى ذلك، وتأسيس غير مباشر للرهينة ، ووصف المؤرخ الروماني الوثني لوقيان الجماعة المسيحية، كائنين بذلك على صورة العهد الجديد ، فكانت الأخلاق المسيحية عاملاً من عوامل انتشار الديانة، ووضعا لقانون يهذب حياة الإنسان، خصوصا بعد فشل الفلسفة الرواقية في الأخلاق. وتعتبر مدرسة الإسكندرية المسيحية هي أول مدرسة من نوعها في العالم، والذي كان نشطأ كذلك في تفسير الكتاب المقدس والدراسات الإنجيلية المقارنة. وقد كتب أكثر من 6000 تفسيراً للكتاب المقدس، وقد زار العديد من العلماء المسيحيين مدرسة الإسكندرية، مثل القديس جيروم" ليتبادل الأفكار ويتصل مباشرة بالعلماء . كان هدف مدرسة الإسكندرية لم يكن محصوراً على الأمور اللاهوتية فقط ، لأن علوم أخرى مثل العلوم والرياضيات وعلوم الاجتماع كانت تدرس بها. أما على صعيد الإنجازات الأخرى خلال القرن الثاني تسجل أول ترجمة للكتاب المقدس إلى اللغة القبطية بعد أن كان منحصرا على اللغة اليونانية التي يجيدها المتعلمين والمثقفين فقط من المصريين. وجاء في قرار مجمع نيقية أن يقوم بطريرك الإسكندرية، ليصار إلى الاحتفال به ولعن من أبرز مساهمات الكنيسة المصرية خلال القرن الثاني التصدي للحركة الغنوصية وهي جماعة دينية توأمت بين المسيحية والمعتقدات التي كانت سائدة سابقا، كان رهباتها يفرقون في التأمل والفلسفة للوصول إلى المعرفة التامة، وانطلاقا من كونهم يعتمدون على التأمل الذاتي للوصول إلى المعرفة سنوا جماعة العرفان، وهي الترجمة العربية لمصطلح غنوصية في اليونانية ظلت المعلومات قليلة عن القوصيين حتى أواسط القرن العشرين حين اكتشفت مجموعة من المخطوطات في مصر ساهمت في إماطة اللثام عن معتادات هذه الجماعة نوعا ما، إذا دلت المخطوطات المكتشفة ومنها مخطوطات نجع حمادي إلى أن التوصيين في أفرزوا أناجيل خاصة بهم، غير أن اختفائها كليا استغرق قرونا عدة. ومنذ ولاية البطريرك ياراكلاس (248) - 232) أصبح يطلق على بطريرك الإسكندرية لقب "بابا"، على أن اللفظة عندما انتقلت إلى روما جاءت لكون أسقفها خليفة القديس بطرس رأس الرسل وفق المعتقدات المسيحية، وقد تصدى بشدة بابا الإسكندرية للعديد من المعتقدات التي ظهرت خلال تلك الفترة منها الديانة المانوية التي سطعت من بلاد فارس ومزج معتنقوها بين المسيحية والغنوصية والزرادشتية والبوذية فصنفت على أنها واحدة من آخر ديانات الأسرار وأقواها، وقد ترك أمر التصدي لها في الإسكندرية ومصر عموما للبابا مكسيموس ( 265 - 282م ) إذ شدد البابا في عظاته ورسائله وحذر من خطر المانوية وأفكارها ، غير أنها ظلت متواجدة في كتابات لوقيان الأنطاكي ما مهد الأريوس أن يأخذ بها لاحقا. ومن ثم أمر بهدم الكنائس، وبعد وفاته عام 118م اختير يسطس بطريركا والمعلومات حول بطريركيته قليلة للغاية رغم ذكره في كتابات المؤرخين الأقدمين مثل يوسابيوس النيقموميدي وفي كتابات المؤرخين الأقباط خلال مرحلة القرون الوسطى وما بعدها ، وقد كان هذا البابا رئيسًا للمدرسة اللاهوتية في الإسكندرية وقت اضطهادات هادريان وقد قتل مئات الأقباط آنذاك ومن بينهم القديسة صوفيا، التي نقل جثمانها إلى القسطنطينية وشيدت كنيسة آيا صوفيا خلال أيام قسطنطين الأول فوق ضريحها ، لكن الكنيسة القبطية وقد شعرت بخطورة تعاليمه حرمته في حياته بينما الكنائس الخلقيدونية حرمته في أشخاص تابعيه سنة 553م وذلك لما وجد في كتاباتهم عن وجود النفس السابق للجسد، إشارة إلى قوة حجته التي لا تقاوم و إلى مثابرته. فهذبه وعلمه الكتاب المقدس، وأظهر الابن شغفاً عجيباً في هذا الأمر. وتدهورت أحوال أوريجانوس حينما توفي والده عام 202م بعدما ألقي القبض عليه ووضع في السجن، فيقال أنه كان يتوق بشغف إلى اكلين الاستشهاد مع والده، وفي اللحظة الحاسمة منعته أمه من تحقيق رغبته بإخفاء كل ملابسه حتى يلتزم البقاء في المنزل ليرعى شئون أخوته السنة. فأرسل إلى أبيه يحثه على الاستشهاد، وسمحت له أن ينشر هر طقته بإلقاء محاضرات في بيتها. فترك البيت وعكف على تدريس الأدب الدنيوي والنحو لينفق على نفسه وعلى عائلته. وجد أوريجانوس في تدريسه للوثنيين الأدب والنحو فرصته النشر المسيحية قدر ما تسمح الظروف، فكان يعلن عن مركز اللاهوتيات بين الكتابات اليونانية، وبهذا اجتذب أوريجانوس بعض الوثنيين الذين جاءوا يطلبون أن يسمعوا منه عن التعاليم المسيحية من بينهم بلوتارخس الذي عين البابا ديمتريوس العلامة أوريجانوس رئيساً لمدرسة الإسكندرية وهو في الثامنة عشرة من عمره . وقد وجه أوريجانوس كل نشاطه لعمله وباع كل كتبه الثمينة المحبوبة لديه، بل وفي حياة النسك مع ممارسة الصلاة بكونها جزءاً لا يتجزأ من الحياة النسكية، تسنده في تحرير النفس ودخوله إلى الاتحاد مع الله بطريقة أعمق. واختار تلميذه هيراقليس - المتحدث اللبق ليدرس المبتدئين المبادئ الأولى للتعاليم المسيحية، أما هو فكرس وقته في تعليم المتقدمين اللاهوت والفلسفة معطياً اهتماماً خاصاً بالكتاب المقدس. لعل أعظم أثر الأوريجينوس على مدرسة الإسكندرية هو إبرازه التفسير الرمزي للكتاب المقدس. وبعد إقامة قصيرة هناك عاد إلى الإسكندرية ، ثم قام بعدة رحلات إلى بلاد العرب، أولها حوالي عام 214م، حيث ذهب إليها بناء على دعوة من حاكم تلك البلاد الذي كان يرغب في التعرف على تعاليمه، كما دعي إلى العربية عدة مرات ليتناقش مع الأساقفة وقد أشار المؤرخ يوسابيوس إلى اثنتين من هذه المناقشات، تذكر منهما أنه في عام 244م انعقد مجمع عربي لمناقشة وجهة نظر الأسقف بريلوس في شخص السيد المسيح. فأطاع وعاد مسرعا لكن فيما يبدو أن البابا كان مازال غاضيا عليه . وقد استجاب للدعوة ثم عاد إلى مدرسته. وبقي غائباً عن الإسكندرية ، وإزاء تصرفات أوريجانوس وقيامه بالوعظ دون التصريح من البابا ديمتريوس اشتد الغضب عليه ودعا الباب لانعقاد مجمع من الأساقفة والكهنة بالإسكندرية والذي قرر باستبعاده وطرده من الإسكندرية ولم يرض البابا بهذا القرار فدعا مجمعاً من الأساقفة وحدهم عام 232م، كما أعلن عن وجود بعض أخطاء لاهوتية في كتاباته كتب البابا الإسكندري القرار إلى كل الإيبارشيات، اضطر أوريجانوس أن يدافع عن نفسه ضد الاتهامات الخطيرة التي وجهت ضده. فقد أورد روفينوس في كتابه نبذة طويلة من خطاب كان قد وجهه أوريجينوس إلى أصدقاء له في الإسكندرية يشكو فيه من الملفقين الذين غيروا بعض فقرات من كتبه وشوهوها، ومن الذين نشروا في العالم المسيحي كتباً مزورة ليس من العسير أن نجد فيها ما يستحق السخط كذلك يعرفنا القديس جيروم بوجود خطاب آخر كتبه أوريجانوس إلى فابيانوس أسقف روما يتهم فيه صديقه إمبروسيوس بأنه تسرع ونشر أحد كتبه في وقت غير مناسب وقبل أن يكمله، لعله قصد بهذا الكتاب المباديء De Peinciplis" الذي أثار سخط الكثيرين ضده حتى بعد وفاته. وجاء في ميمره الخامس والعشرين على إنجيل لوقا : إنه من دواعي سرور أعدائي أن ينسبوا لي آراء لم أكن أتصورها ولا خطرت ببالي. أسس أوريجانوس مدرسة جديدة بمدينة قيصرية بناء على طلب أسقفها الذي حله على إنشاء مدرسة للاهوت هناك، وظل أوريجانوس يرأسها قرابة عشرين عاماً، واضطر أوريجانوس الفرار إلى قبادوقية والانتقال إلى قيصرية خلال