اذا كانت الصحيفة الإليكترونية هي نتاج للتطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيا الحاسب الآلي فإن الفضل في ظهورها يعود إلى محاولات الباحثين والصحفيين المتعددة لإنتاج صحيفة لا ورقية تستطيع أن تقوم بوظائف الصحيفة المطبوعة وتضيف إليها من خلال استغلال الإمكانيات الاتصالية لشبكة الإنترنت. ورغم أهمية هذا المدخل فإن هناك مدخلا آخر لا يقل أهمية لم يهتم به الباحثون كثيرا وهو المدخل المقارن الذي يبحث في التجربة التاريخية لوسائل الإعلام التقليدية لكي يرصد ويحلل الحريات الجديدة التي قدمتها الصحافة الجديدة من جانب ومدى تشابه القيود التي تتعرض لها هذه الوسيلة الجديدة أو اختلافها مع ما تتعرض له الوسائل التقليدية من جانب أخر. ويمكن اعتبار هذه الدراسات دراسات ذات صلة بموضوع البحث وإن كانت لا تتصل بموضوعه وأهدافه اتصالاً مباشرًا كونه يركز على الأطر التاريخية لتقييد حرية التعبير عبر وسائل الإعلام التقليدية ومقارنتها بالأطر المعاصرة لتقييد حرية النشر على الإنترنت. « ويشير أنج» إلى أن معظم الدول تضع تنظيمات الإنترنت تحت التنظيم الخاص بالإذاعة وإن كان هذا لا يعنى بالضرورة أنها تستخدم تنظيم الإذاعة استخداما كاملا مع الإنترنت. ويبدو أن تنظيم الإذاعة هو أكثر التنظيمات مناسبة للتطبيق على الإنترنت على أساس أن معظم الدول تعامل البريد الإليكتروني كنوع منفصل من الاتصال ومتميز عن الإنترنت. ويتبنى بعض الباحثين مثل روبرت اليكسون ) مدخلا يطلق عليه مدخل الرقابة المخففة Light handed approach بوصفه أكثر المداخل مناسبة لتفسير درجة الرقابة التي تفرضها غالبية حكومات العالم على الإنترنت. بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا وبرامج الحظر والمنع مثل الحائط الناري firewall وأجهزة الرقابة مثل خادمات البروكسي proxy servers). « ويشير محمد عثمان العربي إلى ارتفاع أسعار الاشتراك في خدمات الإنترنت في المملكة العربية السعودية التي تعد أعلى الأسعار في منطقة الخليج. يؤكد تاريخ وسائل الإعلام في العالم أن ظهور وسيلة إعلام جديدة يثير على الفور رغبة السلطات في تقييد حريتها بما في ذلك حرية التنظيم والعمل وحرية جماهير الشعب في استخدام هذه الوسيلة الجديدة. فبعد اختراع الطباعة الذي أحدث ثورة كبيرة في توزيع المعرفة في المجتمعات الأوربية في منتصف القرن الخامس عشر أصبحت الكتب والنشرات الأدوات الرئيسية للمطالبة بالإصلاح الديني، إن نقطة التمايز والاختلاف بين الوسائل التقليدية والصحافة الإليكترونية على صعيد الحريات التي تدعو لها كل منهما تتمثل في أن الوسائل التقليدية كانت وما زالت تركز على الحريات الجماعية أو بالأصح الجماهيرية. إلى حد أن اعتبرها البعض حريات على المستوى المصغر micro liberties تتصل بأسلوب الحياة وحرية الانتماء إلى جماعات معينة على أساس نوعي أو عرقي أو ديني أو لغوي، ومن أكثر المستفيدين من هذه الحرية الجديدة التي رسختها الصحافة الإليكترونية هي المنظمات التطوعية التي أصبح لها تواجد قوى على الإنترنت وتستخدم مواقعها الإدارة مشروعات تخدم التجمعات التي تعبر عنها، ومثلما الحال في الوسائل التقليدية فإن تطور الحريات الجديدة التي رسختها الصحافة الإليكترونية تواجه بموجة من الانتقادات تصل إلى حد الرعب الأخلاقي وإجراءات عقابية شديدة فالإمكانات الاتصالية التي وفرتها الصحافة الإليكترونية ينظر إليها على أنها تهديد للنخب السياسية التي تشعر أنها تتعرض لهجوم من جانب هذا التدفق المعلوماتي المستمر الذي لا يتوقف. وضع الحكام في البلدان التي دخلتها المطبعة استراتيجيات محددة لضمان عدم تهديد إن تطور الصحافة الإليكترونية ووسائل الإعلام الرقمية بوجه عام تقدم موقفا مماثلا تقريبا لما كان عليه الحال بعد اختراع الطباعة وظهور الصحف الشعبية في أوروبا. لعل أكثر الإجراءات التشريعية شيوعًا واستخداما على مدار تاريخ وسائل الإعلام الحديثة هي قوانين الرقابة التي جعلت من غير القانوني أن يكتب الناس أو ينشروا أو يوزعوا آراءهم التي يمكن وصفها بأنها محرضة على إثارة الفتنة في المجتمع وفق رؤية السلطات المعنية. وقد شملت وسائل تنفيذ قوانين الرقابة التهديد والتحذير وتعطيل الصحف بشكل مؤقت أو دائم و ومنع التوزيع وفرض الغرامات والسجن و الحرمان من العمل في الصحافة والنفي والتشويه والموت. تميل أغلبية الدول العربية إلى المبالغة في التشريع الخاص بتنظيم حرية الصحافة إلى درجة تحد من هذه الحرية». وانتهت ليلي عبد المجيد في دراستها لتشريعات الصحافة في الوطن العربي إلى أن الممارسات الفعلية في العديد من الدول العربية تكشف عن انتهاكات مستمرة لهذه الحرية . والواقع أن قدرة الحكومة على تعيين قيادات المؤسسات الإعلامية التي تديرها الدولة يمثل قيدا مهما على هذه المؤسسات وطريقة من طرق الحد من استقلاليتها. ويمثل انتشار مثل هذه الإجراءات الإدارية نوعا من القيود الشديدة خاصة بالنسبة للمعارضين السياسيين الذين تحرمهم هذه الإجراءات من إنشاء وإدارة وسائل إعلامية تحمل أفكارهم إلى الجماهير. إذ تمنح السلطات الفرصة باتخاذ قرارات متحيزة وغير موضوعية وتطبيق معايير مزدوجة على الصحافة الحكومية وصحافة المعارضة. وكان هدف الحكومة من هذه الضريبة هو إبعاد الصحافة - عن طريق إجبارها على رفع ثمن بيعها عن الطبقات الشعبية وإبعاد هذه الطبقات عن قراءة الصحف للحيلولة دون انتشار الأفكار الثورية بين طبقات العمال، خطوتين أساسيتين الأولي هي التصنيف وتقوم على تصنيف محتوى الإنترنت طبقا لفئات مثل العنف والعري والجنس وهكذا. فإنها تقوم بصفة عامة على نفس البروتوكول» وهو Platform for Internet Content Selection المعروف باسم إطار اختيار محتوى الإنترنت أو من خلال طرف ثالث مثل جماعات وشركات متخصصة في التقويم والتصنيف. مزودي خدمات الإنترنت باستخدام تكنولوجيا الفلترة على خادماتها لمنع وصول المحتوى الذي ترى السلطات الحكومية المسئولة أنه غير قانوني أو عدائي. وفي سنغافورة تجبر اللجنة الاستشارية الخدمات الإنترنت القومية المواقع التي تعمل من داخل الدولة على استخدام الأطر الدولية لتصنيف المواقع الإليكترونية بما يمكن السلطات العامة من حظر كل المواقع غير المصنفة. فإذا كانت الإنترنت كوسيلة اتصال قد نشأت وتطورت داخل المجتمع الأمريكي الذي يعلي من شأن حرية التعبير وحرية الصحافة ويحيط الحق في التعبير بضمانات دستورية لا توجد في أية دولة أخرى في العالم، ففي فبراير 1998 أقرت لجنة التجارة بمجلس الشيوخ قانونا يلزم المدارس والمكتبات التي تتلقى تمويلاً حكوميا لتوفير خدمات الإنترنت بها، وتجدر الإشارة إلى أن استخدام هذا النمط من الرقابة الإليكترونية على محتوى الإنترنت قد أثار استياء ورفض جهات عديدة أهمها جماعات الدفاع عن الحريات المدنية والدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة خاصة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. أولها عدم كفاءة نظام التصنيف والفلترة وعدم قدرته على التعامل مع الكميات الهائلة من المعلومات الموجودة على الإنترنت. وبالتالي تنقيته وللدلالة على ذلك فإن أكبر شركات التصنيف الأمريكية وأكثرها نشاطا على شبكة الإنترنت والمعروفة باسم the American RSACI صنفت ما يقل عن مائة ألف موقع فقط من ملايين المواقع الموجودة على شبكة الإنترنت. فاستخدام فئات محددة للتصنيف والفلترة يؤدى إلى حظر كميات هائلة من المعلومات والآراء التي تناسب كل المستخدمين تقريبا ولا تتعارض مع الآداب والأخلاق العامة. وقد أظهر مسح أجراه مركز معلومات الخصوصية الإليكترونية the Electronic Privacy Information Center أن محرك البحث في واحد من أكثر برامج الفلترة شهرة ومن أقلها حظرًا للمواقع، 8% من الوثائق التي توصل إليها محرك البحث التافيستا Altavista باستخدام الكلمة المفتاحية الصليب الأحمر الأمريكي American Red Cross. ومن الأمثلة الأخرى ما كشف عنه اتحاد الحريات المدنية الأمريكي من أن وجود الحروف الثلاثة معا التي تشكل كلمة Sex فيها يتم البحث عنه يحجب المواقع التي تتضمن كلمات مثل استكشاف المريخ Mars exploration . حيث يمتلك الناشرون الأكثر قوة القدرة على استخدام إجراءات التصنيف الذاتي وحماية أنفسهم من التصنيفات غير المرغوبة. ويبرز هنا نموذج ألمانيا التي استخدمت التشريعات القائمة لجر شركة كمبيو سرف CompuServe الأمريكية إلى المحاكم بتهمة إتاحة وصول المستخدمين في ألمانيا إلى مواد إليكترونية غير قانونية. وفي عام 1998 أقر الكونجرس أيضًا قانون حماية الأطفال على الإنترنت الذي جعل قيام مواقع الويب التجارية بوضع مواد تبدو ضارة بالصغار جريمة يعاقب عليها القانون . ولكن هذه القوانين لم تصمد أمام المحاكم من الناحية الدستورية في الدعاوي التي رفعتها جماعات الحقوق المدنية الأمريكية بشأنها وفي دول أخرى من العالم تجمع الحكومات بين أكثر من شكل من أشكال الرقابة على الإنترنت بهدف الحد من حرية التعبير عبرها وتقييد وصول الناس إليها. وعلى سبيل المثال فقد حكم على «لين هاي» بالسجن لمدة عامين في ديسمبر 1998 لاتهامه بتزويد مجلة للمعرضة الصينية في الولايات المتحدة بالعناوين الإليكترونية لنحو 30 ألف صيني وإلى جانب ذلك تستخدم الحكومات الرقابة الاقتصادية من خلال احتكار الشركات الحكومية للتزويد بخدمة الإنترنت ووضع أسعار مبالغ فيها لهذه الخدمة خارج حدود إمكانات المواطن العادي وذلك للحد من الطابع الجماهيري لهذه الوسيلة الجديدة. مشيرة إلى قيام شركة ميكروسوف Microsoft في عام 2004 بتقديم معلومات إلى السلطات الإسرائيلية عن الخبير النووي موردخاي فانونو بدون علمه أو موافقته. وسوف تجمع تلك التوقيعات وتقدم إلى اجتماع كبير تعقده الأمم المتحدة عن مستقبل الإنترنت في نوفمبر 2006 . بعد أن ضاقت بها أوطانها نظرا للقمع الشديد الذي تواجه به قد لجأت للمنفى وراحت توظف كل الإمكانيات المتاحة لها بالبلدان التي لجأت إليها في محاولة حشد مؤيديها وفضح ممارسات الحكومات من خلال التوسع في النشر على الإنترنت التي أصبحت وسيلة مهمة في النضال السياسي. قوى الإسلام السياسي أو ما يُعرف باسم التيارات الإسلامية التي عانت لفترات طويلة من التضييق والتهميش من جانب الحكومات والأنظمة العربية التي تسعى جاهدة إلى منع الإسلاميين من التواصل مع مجتمعاتهم والدعوة إلى أفكارهم وإغلاق جميع منافذ التعبير أمامهم. أي أنه كانت هناك حالة من حالات العطش والظمأ لدى الإسلاميين فيما يختص بالإصدارات التي تخاطب الجماهير وقد وجدوا في الإنترنت علاجا لهذه المشكلات لذلك كثرت وتكاثرت مواقع الإسلاميين على الإنترنت. من خلال تبادل الآراء والأفكار مع الآخرين في أشكال الاتصال الشخصي على الإنترنت كالبريد الإليكتروني والمحادثة الفورية وغرف الدردشة والمدونات، كما رسخت الإنترنت حريات أخري تتصل بحرية التعبير مثل حرية التجمع الفكري والعقائدي والسياسي في مواقع افتراضية تلبي الحاجة إلى المشاركة مع الآخرين المتوافقين فكريًا أو عقديًا أو سياسيا. ضمن قائمة تضم خمس عشرة دولة في العالم توصف بأنها أكبر أعداء الإنترنت من منطلق أنها أكثر الدول عنفا تجاه حرية التعبير على الإنترنت وأشدها رقابة على الصحف الإليكترونية والمواقع الإخبارية المستقلة ومواقع المعارضة، فلجأت إلى جميع أساليب الرقابة التي سبق لها أن استخدمتها مع وسائل الإعلام التقليدية القانونية منها والاقتصادية والعنيفة بالإضافة إلى الرقابة الإليكترونية عبر الاستخدام الواسع لبرامج الفلترة الإليكترونية التي تتيح التحكم في الإنترنت من المنبع. ويترتب على هذا الاحتكار الذي يمنع الشركات الخاصة من تقديم الخدمة مغالاة الشركة المحتكرة في أسعار الخدمة الأمر الذي يحول دون دخول أعداد كبيرة من المواطنين إلى الإنترنت. ويبرز في هذا المجال نموذج دولة الإمارات التي تحتكر فيها شركة «اتصالات» التزويد بخدمة الإنترنت على المستوى القومي. وفي الأردن مازالت أسعار الاتصالات مرتفعة مقارنة مع الدول المتقدمة مما يحول دون انتشار الإنترنت حيث يبلغ متوسط ساعات استخدام الإنترنت في الأردن ما بين 40 ساعة شهريا بكلفة تتراوح ما بين دينارا وهو ما يفوق مقدرة الأردنيين الاقتصادية ويبقي استخدام الإنترنت مقتصرا على القادرين على الدفع . وتتولى جهتان فقط تقديم خدمة الإنترنت في سوريا هما المؤسسة العامة للاتصالات والجمعية السورية للمعلوماتية، هي الشركة العامة لخدمات الشبكة الدولية للمعلومات لتقوم بتقديم الخدمة للعراقيين الذين كانوا شبه معزولين عن العالم بسبب الحصار الدولي. « وحتى نهاية عام 1999 كان معدل استخدام الإنترنت في العراق منخفضًا للغاية نتيجة حظر الحكومة استخدام جهاز الاتصال بالإنترنت المودم» بدون ترخيص، فضلا عن ندرة أجهزة الكمبيوتر بشكل عام وارتفاع أسعارها بما يفوق القدرة الشرائية للغالبية العظمي من المواطنين،