عيني ترقب ساعد السماك وهو يسحب حبال (اللنج) سمراء داكنة، لصالح هؤلاء تكون الكتابة حقيقية تذكرت كلام أمي، سيصبح لك شأن عظيم يا خليل، هكذا يقول قلبي وهذا لا يكذب أبداً. لم أفتش عن الورق والقلم، لم أطلب من أمي فنجان القهوة المعتاد، يأخذ لقمة عيشه من فم جبار لا يلين ولا يهدأ، البحر العنيد يواجهه سماك شديد المراس. «سيكون لك شأن عظيم». يدي الملساء تقبض على القلم بعنف، تذكرت كلام أمي «سيكون لك شأن عظيم». أجل الذين يكتبون عن المتعبين يستحقون المجد العظيم، وإلا ماذا تعني عظمة الرجال في أعمالهم الخالدة. طلبت فنجان القهوة، أشعر بلذة فائقة عندما ترمقني بعينها ذات الشعاع الحاني. أمي تريد أن أكون عظيماً، خرجت من البيت في طريقي إلى مقر الجريدة، أنتظر جوابه في قلق بالغ، ثم وضع إصبعه على جملة جاءت ضمن المقال. قال في هدوء «هذه الجملة لا تتماشى مع مضمون المقال»، قلت في دهشة: تقصد أنها تحتوي على خطأ لغوي؟ هز رأسه، قال في هدوء: لا أقصد ذلك. المهم أن المقال يأخذ طريقه إلى النشر. المهم أن يصل إلى القراء شيء مما أريد. القراء يستنبطون ما بين السطور تهمهم الكلمات غير المباشرة، عدت إلى البيت وأنا أكرر كلام أمي، لو كتبتها سوف يكون لها وقع خاص في نفوس القراء. وجمل المقال تتدحرج في رأسي كالزئبق: السماك، صوت البحر وهو يدغدغ شعرات ساق السماك، بالقرب من البيت قابلت جارنا سعيداً، كان التعب بادياً على وجهي، لفت نظري كيس علقه بيده، كتابة مطبعية تسود حتى لون الخبز،