طلب السيد حسن المصمودي من التهامي الوزاني (1903-1972) كتابة مقال، يلخص حياته في مجملها وذلك بغية نشره في مجلة المعرفة التي كان يصدرها في تطوان. نُشر المقال بعنوان «التهامي الوزاني بقلم التهامي الوزاني» (عدد24- مارس1950)، وفيه تطرق الكاتب إلى التقلبات التي عرفتها حياته، إلى أن قال: «وكنت أظن أن الزمان سيوجهني توجيها صوفيا، ثم رأيته يحوّلني تحويلا سياسيا، إلى أن استقر اليوم في توجيهي توجيها أدبيا».سأحاول في هذه المقالة تأمل تحولات أحد المثقفين المغاربة في تطوان إبان النصف الأول من القرن الذي ودعناه، مع تشخيص العوامل التي أعتقد أنها كانت السبب في حدوث تلك التحولات والتي كانت نتيجة تجارب مفصلية. يتعلق الأمر برجل ذي جذور اجتماعية بالغة العمق، لكونه ينتمي إلى طبقة الخاصة الذين كان عليهم، مع تغير السياق الاجتماعي والسياسي، أن يعيدوا تأويل أدوارهم بمقتضى المهام التي أناطتها بهم التقلبات التاريخية. إنه بالأحرى مثقف عضوي، لكنه متمرد على بعض مصائرها. تلجأ غالبا إلى استفتاء رأي الخاصة. ومن المؤكد أن الحواضر ضمت طائفة هامة من هؤلاء، الأمر الذي أهلهم للقيام بدور نافذ في صياغة مصير المجتمع الذي كانوا يوجدون به. كان عنصرا بالغ الفعالية في تحديد الفروق الاجتماعية وصياغتها. فالشرفاء كانوا يحظون بالتقدير بسبب شرف أنسابهم أو بالنظر إلى امتلاكهم المفترض للبركة والكرامة. يتوجهون إليهم لحل نزاعاتهم أو للتوسط في هذه النزاعات. ولم يكن السلاطين المغاربة، رغم شجرة أنسابهم، يترددون في دعوة الشرفاء للقيام بوساطات في بعض القضايا المستعصية على الحل.وتتوفر الطوائف الدينية والزوايا وكذا شيوخهما على نفوذ اجتماعي كبير. وكانت أهمية هاتين المؤسستين قائمة على السلطة الأخلاقية للشيخ وعلى وجود آلاف المريدين المنتشرين سواء في بنية الدولة ودواليبها أو في الهرم الاجتماعي. لكن الملاحظ أن نفوذهم لم يكن مقتصرا على المجال الديني، بل كان الشيوخ الصوفيون يقومون بدور الحكم في حل بعض النزاعات، كما كانت زواياهم ملاجئ آمنة لمن كان يتعرض لملاحقة ظالمة. كان لبعض الزوايا تأثير كبير على الحياة السياسية إلى درجة أن شيوخها كانوا يتدخلون علانية في النزاعات التي كانت تحدث داخل السلطة، الأمر الذي أثار حفيظة بعض المسؤولين السياسيين. وعندما استقرت الزاوية الوزانية بضواحي تطوان في أواسط القرن التاسع عشر،