دخل الحاجب على الملك نجم الدين وهو في مخدعه بقلعة دمشق، أبى أن يصرح بما جاء من أجله، ولم يرض إلا بمقابلة الملك نفسه، سوى رسالة من ملك تلك البلاد! - وما شأن التجار والرسائل الملكية؟! فقد يكون كبيرا من رجال ذلك الملك، ويكون بعيدا عن مواطن الشبهات» - قال الملك وقد ارتاحت نفسه لهذا الرأي: «إذن يكون قد جاء لأمر مهم نافع، فليس بيننا وبين ملك صقلية غير المودة والعلاقات الطيبة، وهم يحترمون المعاهدة المعقودة بيننا وبينهم كما نحترمها نحن. فلما مثل هذا المبعوث الصقلي بين يديه وحياه، ونجم الدين يقرأ في عجب: حملة فرنسية ضخمة متجهة إلى مصر، اشترك فيها الكثير من الفرنج الطامعين في بلادكم، مزودة بالسلاح والرجال والعتاد، يقودها لويس التاسع ملك فرنسا بنفسه، واثنان من إخوته: «روبرت ارتوا» و«شارل» كونت آنجوا، فجعل الملك نجم الدين يتململ في فراشه والغضب يهزه، بعدما كان الاتجاه إلى بيت المقدس لتخليصه من أيديكم، فقد أجمع من معه على أن مصر أحق بالغزو، فهي بموقعها تحمى ظهر العرب ضد الفرنج بفلسطين والشام، وحدد بعضهم الاتجاه إلى دمياط بالذات، وهى مع كل ذلك ورقة رابحة، كما عرضه الكامل من قبل، فوق أن الاستيلاء عليها يمد البيوت التجارية الأوربية الكبيرة بمساعدة الحملة على النصر؛ فقد تمكن من مفتاح الشرق كله، وانتزاع ما بقي من بلاد الشام. وقد أحببت أن أخطركم بها، ولجأ بعدما استنفد وسائل الخداع إلى التهديد ولكن هيهات! وبعث معه برسالة تقدير للملك، ثم أمر بأن يطير الحمام توا بالخبر إلى مصر، بل سألت عن الوسيلة التي أسير بها! ولن يعوقني الداء مهما عظم! ولماذا خلق نجم الدين؟! خلق للجهاد في سبيل الله، أعز أمانيه أن يموت شهيدا بين الأسنة، فطعم الموت بينها أحلى من طعمه في الفراش، ولو كان لي جناح لطرت إلى مصر، يريدون -اعداء الله- ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره -رغما عنهم- ولو كره الكافرون . فسوف تكون سريرا ناعما، ويجعل الملح الأجاج عذبا سلسبيلا. لا بد أن أشهد المعركة على رأس جيشي، ولن يحرمني ربي من ذلك المنظر البهيج». ولمحه نجم الدين فقال باسما: «كنت خائفة أن يتخلف نجم الدين حتى يبرأ، نجم الدين ولد على صهوة جواد، لا تخافي فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين». ولم يشرق الصباح حتى كان نجم الدين في محفة على الأكتاف، ومن هناك يدير المعركة ضد العدوان.