فالأحكام الفقهية ليست كلها محل اتفاق بين أهل العلم، إذ النصوص الشرعية ليست كلها قطعية لا تحتمل الخلاف، وهذا التفاوت الواقع في الأدلة هو من أهم أسباب وقوع الاختلاف بين الفقهاء، وأنالأحكام الشرعية ليست كلها في مرتبة واحدة من جهة القطعية والاتفاق، وأصبح من العرف السائد أن يكون لأهل كل بلد مذهب معين شائع بينهم وتكون فتاواه هي المنتشرة، وإنم ايقع التذكير بها للإشارةإلى نمط معين يراها لُمذِّكرلكيفية التعامل مع الأحكام المختلف فيها، فثم مذاهب واجتهادات معتبرة، فليس ترجيح هذا الملزم باختياره بأولى من ترجيح من خالفه، وهو رد صحيح على من يغلو في تعطيل الخلاف الفقهي وعدم الاعتداد به، ولذا فهو حين يقول: في المسألة خلاف، فإنما يريد أن يتخذ من هذه المقولة تكأة في فتح باب التخيير في الأقوال الفقهية فينتقي منها ما يناسبه، وهذا لا شك مخالف لمنهجية النظر الفقهي في الخلاف، فإن العلماء مع وقوع الخلاف بينهم إلا أنهم متفقون على تحريم تتبع الرخص بهذه الطريقة، وهو أن الترخص بهذه الطريقة يخالف روح الاجتهاد الفقهي الذي هو بحث عن المراد الشرعي إلى تتبع مرادات الهوى والبحث عن حظوظ النفس، ومن هنا قال سليمان التيمي عبارته الشهيرة: «إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله». قال ابن عبد البر معلق ًا: «هذا إجما ٌع لا أعلم فيه خلاف ًا»(2(. فقد قال الأوزاعي: «من أخذ بنوادر العلماء وقالإسماعيل بن إسحاق القاضي:«دخلت على المعتضد، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب فهيأحكامشرعيةمأخوذةمنالشارع قطعًا أو ظنًا. وأما تتبعرخص الفقهاء فهوالبحث عناختيارات الفقهاءواجتهاداتهم في فهم ّ وهو يقوم على عملية انتقائية عبثية ُي َل َّف ُق من خلالها بين مذاهب الفقهاء وأقوالهم للخروج بمزيج مضطرب متناقض وفق معيار تطلب الأسهل، فلا تكون الهمة منصرفة إلى البحث عن الدليل، فقد يندفع آخرون بدعوى قولهم: (في المسألة خلاف) إلى القبول بأي خلاف فليسكلمايحكىمنخلافيكونمعتبرًا، بلكلقوٍلمخالٍفللإجماعأوالنصالظاهرالذيلامعارضلهفليسبخلاف معتبر، وبناءعليهفلايجوزردالحكمالشرعيالبّينبدعوىوجودمثلهذاالخلاف، فالخلاف عند العلماء على قسمين: -خلا ٌفمعتبر:وهوالذيتتسعلهالدلائل، أو إجماع معتبر متقدم على وقوع الخلاف. - خلا ٌف غير المعتبر: وهو الذي قد خالف نص ًا أو إجماع ًا فلا يجوز اتباعه. فهل يسعهم ذلك؟ قال: فقلت له: الاختلاف على وجهين: أحدهما محرم، فالقول:بأنفيالمسألةخلافقديكونعندبعضالناسشام ًلاللخلافغير المعتبر، فالواجب على المسلم هو اتباع كلام الله وكلام رسوله ، الحكم على ما ليس فيه خلاف بأن فيه خلاف، بسبب عدم معرفة طبيعة الخلاف فبعض الأقوال تكون متعلقة بشروط أو أحوالأوموانعلايحسنهاكلأحد، بأي خلاف قد يتهاون في توظيف أي قول في سياق مخال ٍف له. 3) توهم أن الخلاف بحد ذاته حجة: يتوهم من يستدل بقاعدة (فيه خلاف) أن الخلاف حجة بذاته في ترك الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ، وهذا باطل بالإجماع، بل كلهم متفقون على وجوب العمل بالدليل متى ما لاح للإنسان أنه هو المراد الشرعي، وخلافهم في البحث عن هذا المراد، لا أن يتوقف العمل بأي دليل حتى يتفق عليه، فهذا قل ٌب للميزان، يقول الإمام ابن حزم: «وبالجملة فهذا مذهب لم يخلق له معتقد قط، يقول القائل بالنص حتى يوافقه الإجماع، ولهذا، اختلف العلماء في كيفية التعامل مع الخلاف المعتبر، وذلك أنهم متفقون على وجوب اتباع الدليل، فإذا وقع خلاف فماذا يفعل العامي والمجتهد؟ وهذا الخلاف ناشئ من اتفاقهم على وجوب اتباع الدليل ورفض جعل الخلاف بذاته حجة، وإنما البحث عن الطريقة الأقرب في كيفية التعامل مع الخلاف، وهو بالنسبة للعالم المجتهد يحصل باستفراغ وسعه وبذل الجهدالواجبفيتطلبالحقمنخلالنظرهفيالأدلةالشرعية، ويكونمأجورًا بكل حال إن فعل ذلك أصاب الحق أو أخطأه؛ يقول النبي : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(2(. ويتجرد من دواعي الأهواء أن تحرفه عن تطلب الحق، ويسلك فيذلكطريقًاشرعيًايناسبهللتعرفإليهفيحالوقوفهعلىالخلاف، أو الأورع، فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين»(1(. وهو ثمحكمعلىهذهالطريقة بأن هذا: «عين الخطأ في الشريعة، ويكشف ابن تيمية عن مصادمة هذه الطريقة للشرع والإجماع، أولايكون، وهذامخالفلإجماعالأمة، وهومعلومالبطلانبالاضطرار بما يؤدي إلى الوقوع في المحرماتوالتهاونفيها؛ فالاحتجاج بالخلاف مع التقصير في هذين الأمرين يؤول به في النهاية إلى تضييع الواجب الشرعي عليه، وهو يتعلق بـ: - بواعث تبني الرأي في هذا اللون من الخلاف، فالواجب تطلب الحق وإرادة تحقيق مراد الله لا تلمس هوى النفس وما يناسب الإنسان، - سلوك الطريق الشرعي الصحيح للترجيح في هذا اللون من الخلاف بحسب طبيعة الناظر ومعرفته وعلمه على ما تقدم. يقال: لكن لا إنكار في مسائل الخلاف. وطبيعة الإنكار المقصود، يقول عليه رحمة الله: «وقولهم: مسائل الخلاف لا إنكار فيها، ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلىالقولبالحكمأوالعمل، أماالأول:فإذاكانالقوليخالفسنةأوإجماعًاقديمًا وجبإنكارهوفاقًا، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أوإجماعوجبإنكارهأيضًابحسبدرجاتالإنكاركماذكرناهمنحديثشارب النبيذ المختلف فيه، فيسوغ له - إذا عدم ذلك فيها - الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة، وليس في ذكر كون المسألة قطعية طع ٌن على من خالفها من المجتهدين، فهذامنه-رحمهالله-تحقيقعلميعاٍليحلإشكاًلايطرأعندبعضالناس، بتوهمأنالإنكارمعنىصلبجامدلايقبلالتفاوت، فكلما قوي جانب العلم بحقيقة المسألة والراجح فيها، وإدراك هذا يفسر لك سبباً من أسباب تشدد بعض أئمة السلف في مسائل قد تبدو في عين المتأخر مسألة خلافية معتبرة، فمثلهأولىأن -مراعاةنظرالناسوردودأفعالهم، ومدىتأثرهمسلبًابالمسألةنفسها، مسألة. وباب التأثيم، فباب الإنكار والنصيحة أوسع بكثير من باب التأثيم والحرج، الذين يقعون في مخالفة نص ظاهر، فينكر عليهم، فلا تلازم بين الإنكار والتأثيم، فالإنكار متعلق بالمسألة،