ويحكى أنه ذات مرة خرج مع وزيره “جعفر” وسيافه “مسرور” متخفين متجولين بشوارع بغداد، ساروا حتى وصلوا لإحدى الأزقة بأسواق بغداد، جذب انتباه الخليفة “هارون الرشيد” إليه، لقد كان ذو تأثير بليغ في قلوب ثلاثتهم، فسأله أمير المؤمنين: “ما الذي يحزنك بهذا القدر أيها الشيخ فجعلك حزينا تنشد شعرا آسرا للقلوب يصيبها بالحزن والهم؟ وما الذي يجعلك تسير بهذا الوقت المتأخر في هذ”. حملت شبكتي وذهبت للنهر باحثا عن رزقي، فقال له الخليفة هارون الرشيد: “هلا رجعت بنا لنهر دجلة، وأي شيء خرج بها ولو كان سمكة واحدة اشتريتها منك بمائة دينار؟!” لقد سر الصياد المسكين كثيرا بسماعه ذلك الكلام من الخليفة شخصيا، وإذا بها يجذبها فيجدها ثقيلة للغاية، وعندما تمكنوا من إخراجها وجدوا ما أدهشهم جميعا، لقد خرجت الشبكة وبها صندوق ضخم للغاية محكم الغلق! أعطى الخليفة “هارون الرشيد” المائة دينا للصياد كما وعده، وأمر وزيره وسيافه بحمل الصندوق المغلق للقصر، وأول ما وصلوا القصر أمر الخليفة “هارون الرشيد” وزيره جعفر وسيافه مسرور بفتح الصندوق، لقد بكاها “هارون الرشيد” بحرقة، وأقسم ليأخذن بحقها ويقتص ممن قام بقتلها وفعل بها ما فعل. صرخ في وزيره جعفر قائلا: “لابد أن أقتص لهذه الصبية وأقتل من قتلها لقتلها، اذهب وأحضر لي من قتلها حتى أقتله وإن لم تأتني بالقاتل قتلتك مكانه”. فرد عليه وزيره جعفر: “سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين لك كل ما تريد، ولكن أطلب منك أن تمهلني في أمري ثلاثة أيام حتى أتمكن من البحث عن القاتل وأتمكن من إحضاره إليك يا مولاي”. قال “هارون الرشيد”: “أمهلك ثلاثة أيام كما طلبت”. وعلى الفور هم الوزير “جعفر” بمغادرة القصر، وقد كان حاله حزينا مهموما لا يدري ما الذي من الممكن أن يفعله بهذه المصيبة التي حلت على رأسه، لقد صار يتحدث إلى نفسه: “ومن أين لي أن أحضر له قاتل الصبية؟!، وإن أحضرت له شخصا خاطئا مكانه أمر بقتله وصار دمه معلق برقبتي ليوم الدين، مكثها بالمنزل حيث أنه لا يدري كيف يحضر قاتل الصبية وهو لا يعلم عنه أي معلومة على الإطلاق. وبعد انقضاء الثلاثة أيام وباليوم الرابع أرسل الخليفة “هارون الرشيد” في طلبه. هارون الرشيد: “أين قاتل الصبية الذي أحضرته يا جعفر؟!” فرد عليه جعفر مترددا في القول: “يا أمير المؤمنين وهل كنت أعلم الغيب حتى أعلم قاتل الصبية؟!” وعلى الفور أمر بصلبه على بوابة قصره وبعد انقضاء الثلاثة أيام وباليوم الرابع أرسل الخليفة “هارون الرشيد” في طلبه. هارون الرشيد: “أين قاتل الصبية الذي أحضرته يا جعفر؟!” فرد عليه جعفر مترددا في القول: “يا أمير المؤمنين وهل كنت أعلم الغيب حتى أعلم قاتل الصبية؟!” كان كل الحراس على استعداد لتنفيذ أمر الخليفة بمجرد أن يأذن لهم بذلك، لقد جهزوا كل شيء وحتى الناس في انتظار ذلك. ولكن بينما كان الشاب واقفا مع الوزير إذا بشيخ كبير في السن يشق الزحام حتى وصل لهما، إنني قاتل الصبية الحقيقي وليس هو، وراح كل منهما الشاب والشيخ الكبير ينفي تهمة ارتكاب جريمة القتل عن الآخر ويلحقها بنفسه، بل ويطالب الوزير أيضا بالإسراع في تنفيذ حكم الإعدام حتى يستريح. لذلك أخذهما للخليفة حتى يرى من أمرهما العجيب، ويحكم بينهما وفي أمرهما. الوزير جعفر: “يا مولاي لقد أحضرت لك اثنين يدعي كل منهما أنه من قتل الصبية التي وجدناها بالصندوق في نهر دجلة”. نظر إليهما “هارون الرشيد” بتمعن وقال بأسلوب جاف يبعث الخوف للنفس: “أي منكما قتل الصبية؟!” أصر كل منهما أنه من قتل الصبية، ومره أن ينفذ حكم الإعدام في كليهما”. صرخ الشاب وبدا الصدق بوضوح في كلامه: “أقسم بالله الذي رفع السماء بغير عمد، وبسط الأرض على ماء جمد أنني من قتلت الصبية”، وبدأ في وصف ملامحها والملابس التي كانت ترتديها والأشياء التي كانت بحوزتها أثناء وضعها بالصندوق حتى أنه أعطى علامات تميز الصندوق الذي وجدوها به دونا عن غيره من بقية الصناديق. أيقنا أنه بالفعل من قام بقتل الصبية، ومن شهر مضى مرضت زوجتي مرضا شديدا وأصابها الإعياء، وأحضرت لها العديد من الأطباء وأذن لها الله سبحانه وتعالى لها بالشفاء. وعندما استفاقت من مرضها وشفيت اشتهت التفاح، فقالت لي إنني أشتهي أن آكل التفاح، ولكني لم أعثر ولا حتى على تفاحة واحدة على الإطلاق لأشتريها لها وأحقق أمنيتها بأكله؛ إنني في الأساس يا مولاي من بغداد، لذلك قمت بالسفر لمدينة البصرة و…” الشاب قاتل الصبية الحقيقي: ” وعندما استفاقت من مرضها وشفيت اشتهت التفاح، فقالت لي إنني أشتهي لقد بحثت طويلا في الأسواق بالمدينة وفي كل البساتين التي بها، ولكني لم أعثر ولا حتى على تفاحة واحدة على الإطلاق لأشتريها لها وأحقق أمنيتها بأكله؛ حيث أن التفاح لا يتواجد بمثل هذا الوقت إلا بقصر الخليفة القائم بالبصرة، وجدت أن إعياءها قد اشتد بها مجددا، وأن حمة قد أهدت جسدها، تركتهن كما وضعتهن بجانبها. مكثت بجانبها عشرة أيام حتى تعافت من إعيائها، ومن بعدها ذهبت لمتجري لأعمل، هرعت إليه وسألته: “من أين اشتريت هذه التفاحة حتى أشتري مثلها؟!” قاطعه الخليفة قائلا: “أكمل وماذا حدث بعد ذلك؟!” أغلقت متجري وهرعت لمنزلي، وما إن وصلت المنزل حتى نظرت للتفاحات الثلاث ولكني لم أجد سوى تفاحتين اثنتين فحسب، فسألت زوجتي عن التفاحة الثالثة، بإجابتها هذه تحققت من كل كلمة أخبرني بها العبد الأسود، وعندما رجعت منزلي وجدت ابني الكبير يبكي بحرقة، ونزلت بها للشارع لألعب مع أصدقائي وألهو معهم، ومر عبد أسود فاقتلع التفاحة من بين يدي، وسألني قائلا: “من أين أحضرت هذه التفاحة”، وقد اشتريتهن بثلاثة دنانير من الذهب، وأنا الآن خائف من والدتي لتضربني” وانهالت دموع غزيرة من عينيه، فجئت لتعجل بي حكم الإعدام وتريحني أيها الخليفة”. فلما سمع الخليفة بقصته أمر قائلا في غضب: “أقسم بالله ألا أقتل غير العبد الخبيث، الذي تسبب بكذبه وخبثه في قتل إنسانة بريئة”. نظر إلى وزيره جعفر قائلا: “أريدك أن تحضر لي ذلك العبد الخبيث حتى أقتله وأقتص للزوجة البريئة التي قتلت ظلما بسببه، أمهك ثلاثة أيام”. أصاب الوزير جعفر الهم والحزن مجددا، انتهت الأيام الثلاثة وجعفر لم يضع يده على أثر للعبد الأسود، وباليوم الرابع جاءه رسول الخليفة،