كل من العقلانيين والماديين يعتقدون ان التاريخ يسير في خط مستقيم وان تطور العالم قد بدأ من الصفر فالتاريخ بإستثناء بعض الحركات الالتوائيه والانتكاسات المؤقته يلتزم بحركه متصله الى الامام ويتبع ذلك, ونستطيع ان نفهم هذا الموقف عندما نتذكر ان التاريخ عند الماديين هو التطور المادي للحياة الانسانيه, فهم معنيون بتاريخ الاشياء او تاريخ المجتمع لا بتاريخ الانسان نفسه, فعندما تحرر المجتمع الانساني لأول مره من الطبيعه لم يكن يتميز عن اي قطيع من الحيوانات التي كانت حوله, ولكنه في اللحظه نفسها كشف عن سمات انسانيه خاصه به وقيم اخلاقيه معينه تحير العقل, إن "لويس مورجان" في وصفه للعشائر القديمه التي يبدو انها كانت بمثابة الخلايا الاولى للمجتمعات قبل التاريخيه في كل العالم- يسرد خصائص حياة هذه المجتمعات الاجتماعيه والاخلاقيه فيما يلي: - الزواج والعلاقات الجنسيه محرمه فيما بين اعضاء العشيره وهذا التحريم يلتزم به الجميع واعين ولا يكاد احد يجرؤ على انتهاكه - تبادل المساعدات والحمايه فيما بين اعضاء العشيره لدجه تصل الى حد التضحيه بالنفس - شجاعة الجنود وحسن المعامله للأسرى - قبول عضو جديد في العشيره يتم عن طريق احتفال ديني والشعائر الدينيه تاخذ في اغلبها شكل رقات وتمثيل والاصنام غير معروفه في مجتمع العشيره - يتالف مؤتمر العشيره من ممثلي بطونها او ما يسمونه "ساشيم" ويتخذ المجلس قرارات علنيه في الامور ذات المصلحه المشتركه في حضور جميع اعضاء العشيره, وتتخذ القرارات بالاجماع. هذه التركيبه العشائريه في كل بساطتها الطفوليه! لا جنود ولا شرطه ولا نبلاء ولا ملوك ولا اوصياء ولا حكام ولايات ولا قضاة ولا سجون ولا قضايا وكل شي يسير في طريقه المعتاد, جميع النزاعات والخلافات يحسمها المجتمع المصاب بأسره فيما بين بطون القبيله او رؤساء العشائر انفسهم. بمن فيهم النساء ولا مكان هنالك للعبيد. إن حقيقة هذا النوع من الرجال والنساء الذي تربى في احضان هذه المجتمعات يبرهن عليها اعجاب جميع البيض الذيت تعرفوا من قريب على مجتمعات الهنود وهي لا تزال في حالتها العذريه. اعجابا بنبلهم الشخصي واستقامتهم ويقوة الشخصيه التي يتمتعون بها وبشجاعة هؤلاء البرابرة. ولا شك ان "رالف والدو إمرسون" ايضا كان في ذهنه الامريكيون الهنود عندما كتب يقول : "لقد رأيت الطبيعه الانسانيه في جميع صورها انها هي نفسها في كل مكان الا انه كلما كانت في طبيعتها العذراء كلما اشتملت غلى فضائل اكثر" كانت الافكار الاجتماعيه عند "تولستوي"متأثره بالاوضاع التي لمسها في حياة الفلاحين الرةس البسطاء الذين لم تفسدهم الدنيا بعد هناء وفي كل مكان تسير القيم الخلقيه والانسانيه جنبا الى جنب مع المستويات البسيطه من التطور المادي والاجتماعي. انه في الدول الافريقيه كان جميع الاجانب سواء كانوا بيضا او ملونين يتمتعون بكرم الضيافه وبحقوق المولطنين المحليين نفسها. في حين كان الاجنبي في روما القديمه او في بلاد الاغريق يتحول الى عبد عندهم. ولنا هنا ان نتساءل عن طبيعة القيم المماثله التي وجدت بين الامريكيين الهنود, او الفلاحين الروس البسطاء وحتى بين ادنى الطبقات الاجتماعيه في الهند, لقد انهى "مورجان" كتابه الشهير بهذه الكلمات :" ان ديمقراطية الحكم والاخوه في المجتمع والمساواة والتعليم العام سوف يوصلنا الى مستوى اعلى من المجتمع الذي طالما استهدفته الخبره والعقل والعلم. او لهما: ان الحريه والمساواة والاخاء في المجتمعات البدائيه لم تأت بواسطة الخبره والعقل والعلم. بأي حال من الاحوال,