نشأت مدرسة شيكاغو في خضم ظروف فكرية واجتماعية خاصة جدّا، تمثلت بالأساس في احتضان مدينة شيكاغو، والأنثروبولوجيا بشكل خاص، وفي توجه رواد هذه المدرسة منذ البداية إلى البحث الميداني لرصد ود ا رسة مختلف التحولات الديموغ ا رفية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها مدينة استطاعت في ظرف خمسين سنة استقطاب أزيد من ثلاثة ملايين من المهاجرين القادمين من مختلف مناطق أمريكا ومن وهذا الأمر ينطبق على الجيل الأول للمدرسة )طوماس ، كما ينسحب كذلك على الجيل الجديد فالمدينة شهدت هجرة قوية أفضت إلى اختلاط سكاني، الحياة، ايطاليون . ومتمايزة جدا على مستوى العادات واللغة عن الإيرلنديي ن وتحولت أحياء المدينة التي احتضنت تلك الفسيفساء الإثنية إلى غيتوهات غير قابلة للولوج نسبيا، وساعدت عوامل أخرى على نشأة مدرسة شيكاغو، فعلاوة على العامل الإبستيمولوجي-المعرفي المتمثل في الأسس والمنطلقات الفكرية والفلسفية والمنهجية التي قام عليها هذا التقليد السوسيولوجي بفضل استثمار الت ا رث في أمريكا كالفلسفة الب ا رغماتية )جون ديوي ووليام جيمس( وتيار التفاعلية الرمزية مع جورج هربرت ميد، هناك العامل المؤسساتي، المرتبط بتوفر الشروط للد ا رسات العليا، على يد ألبيون سمول بطلب من الذي يتجلى في الطلب الاجتماعي، النابع مع واقع المجتمع الأمريكي وواقع حواضره بالخصوص وما عرفته من تحولات اجتماعية هائلة في بداية القرن العشرين ، وبخص وص مسألة التسمية التي أثارت نقاشا مستفيضا، وصل إلى حد التشكيك في وجود المدرسة نفسه أو في المضمون الذي تأخذه، فتعبير "مدرسة شيكاغ و " طرف أساتذة وطلبة جامعة شيكاغو خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1915 ولا يتعلق الأمر دائما بتيار فكري متجانس يعتمد مقاربة نظرية مشتركة، نوعا من الوحدة ومكانة خاصة ومميزة في حقل السوسيولوجيا الأمريكية، ويمكن وجودها أو في حقيقة توفر الوحدة والانسجام بين الأعمال والأسماء الممثلة لها، ومثلما يؤكد هاورد بيكر، المدرسة من علماء الاجتماع المعاصرين، ولويس وورث نفسه الذي يعد أحد ممثلي هذه المدرسة، لا ينفي في نظر بيكر، الاختلافات الكبرى في ط ا رئق البحث القائمة بين أساتذة كان لرواد مدرسة شيكاغو إذن شرف ومن حالة النظر الانطباعي للظواهر والوقائع الاجتماعية إلى حالة النظر العلمي الاستكشافي، من خلال التقنيات المنهجية التي ما زلنا نستعملها إلى اليوم، وبالخصوص تلك التي تنعت بالكيفية، ميتودولوجيا ومدرسة للاشتغال والعمل أكثر مما هي تيا ا ر نظريا أو مدرسة فكري ة حتى وإن تواطأ مؤرخو علم الاجتماع على تسميتها بمدرسة شيكاغو. أنجزت سلسلة من الد ا رسات حول لكنها كرست على الخصوص عددا من أعمالها لمشكل سياسي واجتماعي مركزي، كان يهم آنئذ كل المدن الكبرى الامريكية ويتجاوز مجال سوسيولوجيا المدينة، تغي ا رت كمية وكيفية مهمة، فشكلت تتميز إلى جانب تخصصها ال حضري باختيار منهجي خاص، ينتصر للبحث الإمبريقي الكيفي، التي تبلورت وتطورت في خضم الممارسة البحثية والانشغال بد ا رسة مختلف وخاصة ظاهرتا بالانطلاق من وجهة نظر الفاعل الاجتماعي، ود ا رسة علاقاتهم بالواقع المحيط بهم، ومن أجل ترجمة هذا التصور على أرض الواقع، تسمية المنهج السوسيولوجي الكيفي التي ستصبح متداولة فيما بعد، ويتضمن استغلال الوثائق الشخصية والسير الذاتية والم ا رسلات الخاصة ومذك ا رت وحكايا الحياة، تقنيات د ا رسة الحالة يعتبروها غير صالحة، بل يمكن أكدوا بشكل بل على أن الجمع والتفاعلية الرمزية، فإن هذا الت ا رث السوسيولوجي الحي والفاعل، والقابل للاستثمار، يبقى غير متملك بعد بالنسبة لبعض البلدان النامية . 2 - وليام إسحاق طوماس والمقاربة الاثنوغ ا رفية للتحضر والهجر ة ينتمي وليام إسحاق طوماس الى الجيل الأول من الباحثين الذين ينتمون لمدرسة شيكاغو حيث التحق بالجامعة كأستاذ مساعد منذ سنة 1897 ثم أستاذا مشاركا في سنة 1900 واستاذا من 1910 الى 1918 ، وقد جاء الى السوسيولوجيا عن طريق الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي حيث سبق له ان درس هذه المواد في جامعة برلين وتأثر بالمناخ الفكري السائد آنذا ك في الجامعة الألمانية مثله مثل روبرت بارك المنتمي كذلك لجيل المؤسسين، وقد تأث ر خلال سنوات تكوينه بهربرت سبنسر وتظهر النزعة النفسية الاجتماعية في اعماله الأولى التي تناول فيها قضايا تهم النوع والاختلافات الجنسية ومدى تأثيره ا في السلوك، الاجتماعي هو الذي سيدفعه لاحقا لاستعمال المنهجية المعتمدة على السيرة الذاتية وق ا رءة الوثائق والم ا رسلات الشخصية كوسيلة لاستخ ا رج المعلومة والحصول على معطيات أساسية وموثوقة، وقد استعمل هذه المنهجية بنجاح في البحث الواسع الذ ي اشرف على إنجازه حول المهاجرين ذوي الأصول البولندية بمساعدة الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي فلوريان زناننكي والذي تم نشره تحت عنوان الفلاح البولندي وهو ما بين 1918 و 1920 هذه الد ا رسة تناولت المحاور التالية: -التنظيم الاجتماعي للأسرة البولندية، عاداتها وقيمها. - أوجه إعادة تنظيم المجتمع على أسس فر دية )الاسرة النووية( . - است ا رتيجيات الزواج ما بين أمريكا وبولندا)الاختلافات(. لقد تطرق كل من طوماس وزنانيكي في د ا رستهما هاته لوضعية الفلاحين البولونيين في موطنهم الأصلي وثم وضعيتهم بعد هجرتهم الى أمريكا، من أجل التعرف على نمط عيشهم في بولونيا ثم ما ط أ ر من تغيير على نمط عيشهم وأوضاعهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعد هجرتهم الى أمريكا، ومن خلال اعتمادهما على تقنيات جديدة في البحث السوسيولوجي كحكايا الحياة ود ا رسة الحالة )المنهج البيوغ ا رفي(، استطاع كل منهما تحليل وفهم كل ا لإشكالات المرتبطة بهجرة الفلاح البولوني، واعادة التنظيم الذي يعني ضعف وت ا رجع تأثير القواعد الاجتماعية بين أف ا رد الجماعة، الذي يعرفه المجتمع، الحضري، وذلك نتيجة للارتفاع السريع للكثافة السكانية، ص ا رعات داخل الأسرة وارتفاع نسبة الج ا رئ م، غير أن هذه الحالة من سوء التنظيم لا تستمر الى ما لا نهاية، فكما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الأنومي عند دوركايم، فإن سوء التنظيم هو حالة مؤقتة بحيث سرعان ما تسعى جماعة المهاجرين الى تنظيم نفسها من خلال إنتاج قواعد وقيم جديدة تتلاءم مع واقعها الجديد حتى يستطيع المهاجر الاندماج في المجتمع الأمريكي . وتعتبر هذه الد ا رسة التي تم تمويلها من طرف مؤسسة كليفر الخاصة اول بحث ميداني رصين في السوسيولوجيا الامريكية مستخدما العناصر المنهجية التالية: - الوقوف على الطريقة التي يتم من خلالها إد ا رك الاف ا رد للأوضاع التي يتواجدون فيها وكيف يفهمون هذه الأوضا ع وقد صاغ وليام طوماس في هذا السياق المبدأ السوسيولوجي المشه ور: ان كل وضعية يعتبرها الفرد موجودة تكون موجودة فعلا في امتداداتها، بعبارة أخرى ان تصو ا رتنا حول الواقع تؤثر في سلوكنا وطريقتنا في البحث عن حلول للمشاكل التي نواجهها حتى لو كان - الباحث السوسيولوجي يحتاج في نفس الوقت لد ا رسة الوقائع الاجتماعية والقيم اولقواعد الخارجة عن الاف ا رد بالمعنى الدوركايمي، ويدرس في نفس الوقت السلوك الشخصي المقابل لهذه القيم والقواعد والوقائع الاجتماعية . المعمقة ود ا رسة السيرة الذاتية من خلال السرد البي وغ ا رفي وق ا رءة الم ا رسلات ود ا رسة الوثائق الإدارية واعتماد الاحصائيات الاجتماعية مع التركيز على 3 - روبرت ار ا ز بارك والمقاربة الايكولوجية للتحض ر طوماس، الذي أجبر على تقديم استقالته بسبب فضيحة أخلاقي ة، حيث سيتمكن من خلال إنجا زه العديد من وفي هذا السياق اعتمد بارك وهذا ما ميز سوسيولوجيته، تابع "بارك " مساره الد ا رسي بقسم الفلسفة وسيدرس الفلسفة الب ا رغماتية عند جون فيه ما جعله مؤهلا لاستخدام تقنيات وأدوات كفيلة بجمع المعطيات الميدانية السيرة الذاتية، والمقابلة( واكتس ب ما يكفي من الخبرة لاقتحام موضوعات نمط من التنظيم الاجتماعي لا مجرد ظاهرة جغ ا رفية، لكن ه لم يمكث طويلا في عالم الصحافة، حيث سيستأنف د ا رسته بشعبة الفلسفة من جديد بجامعة هارفارد حيث سيلتقي فيها بوليام جيمس الذي اثر فيه كثي ا ر لينتقل بعدها الى المانيا لاستكمال تكوينه حيث سيلتقي بجورج سيمل وسيحضر أطروحة للدكتو ا ره حول الجمهور والاشهار تحت اش ا رفه وعند عودته الى أمريكا سيتقلد عدة مناصب بالجمعيات الإصلاحية التي كانت تهتم بأوضاع السود في أمريكا وافريقيا. المعنون مدخل لعلم السوسيولوجيا والذي اعتبره طلابه إلى حدود 1943 "الإنجيل من اهم ما انجزه، ومن خلال هذين العملين سيدخل بارك تاريخ السوسيولوجيا . ان التحضر بالنسبة لروبرت بارك ه و ظاهرة إيكولوجية بمعنى أنها مثلها مث ل باقي الظواهر الطبيعية الاخرى تخضع لنفس القوانين التي تحكم هذه الأخيرة ، وكي يعمل على إحداث القطيعة مع التصور غير العلمي الذي كان سائدا إلى تبني نموذج مع رفي جديد كفيل بالمساعدة على معرفة الواقع الحضري معرفة علمية اولتمكن من فهم هذا الواقع والسيطرة عليه، فما المقصود بالإيكولوجيا وكيف وظفها بارك في مقاربة ظاهرتي التحضر والهجرة ؟ على الظواهر الحضرية، سنحاول تسلي ط الضوء على المقاربة الإيكولوجية كعلم طبيعي وعلم للبيئة، يهتم بالكيفية التي تتوزع بها الكائنات الحيوانية والنباتية في معينة ويجعل مجموعة أخرى تغادرها أو تغيرها ؟ بمعنى أن الإيكولوجيا هي مقاربة تسلط الضوء على العلاقات بين الكائنات الحية ومحيطها الطبيعي، البيولوجي إرنست هيجل (Ernst Haeckel) أول من أستخدم مفهوم الإيكولوجيا، وقام بتطبيقه على طبيعة العلاقة التي ينسجها الحيوان مع بيئته العضوية وغير العضوية، ولكن يرجع أصل هذا المفهوم لتشارلز داروين الذي أصدر سنة 1859 أهم الأعمال المؤثرة في العلم الحديث وأحد ركائز علم الأحياء التطوري وهو مؤلفه الشهير "في أصل الأنواع ، حيث قدم فيه داروين نظريته الذائعة الصيت استناد ا على ب ا رهين علمية جمعها في رحلته البحرية في ثلاثينات القرن التاسع عشر، من بين اهم الخلاصات التي توصل إليها فيها، هي الكائنات الأقل قدرة على البقاء على قيد الحياة، الأكثر تأقلما مع البيئة التي توجد فيها، قيد الحياة والأكثر تكاث ا ر، الى الأجيال القادمة. مفهوم ا لإيكولوجيا المشتق من علم الأحياء )البيولوجيا(، لفهم عملية اندماج الأف ا رد داخل المدينة وكذلك عملية عدم اندماجهم. لأنه يعتبر أن لأنها تنشأ وأن السكان يتأثرون وهذا التأثير هو ما يجعلهم متميزين عن غيرهم بناء على ما سبق يرى بارك أنه بنفس المبدأ الذي يتم به د ا رسة علاقات يمكن د ا رسة علاقة الإنسان بيئته الحضرية، ومن أهم الأسئلة التي يرى أنه من الضروري الإجابة عنها داخل السوسيولوجيا انطلاقا 10 من المقاربة الإيكولوجية هي: ما الذي يحكم تواجد جماعة اجتماعية في مجال حضري معين؟ وما الذي يدفع جماعة أو فرد للهروب من مجال والحلول في آخر؟ وما نوع التفاعلات التي تنشأ بين الناس والوسط الطبيعي؟ وكيف يتفاعل الاف ا ر د إن ما يهم بارك في المجال الاجتماعي هو المجموعة أكثر من الإنسان الفرد، والعلاقات بين الناس أكثر من علاقاتهم مع الأرض التي يعيشون عليها" وذلك على عكس كل من ماكس فيبر وجورج زيمل اللذان كان لهما اهتمام بالفرد أكثر من الجماعة، ولم يكتف بارك بهذا فقط بل اطلع على أعمال التطوريون الطبيعيون خصوصا أعمال داروين، ص ا رع بامتياز بين الأف ا رد مثلها مثل المحيط الطبيعي الذي تعيش كائناته على فالذين يصارعون من أجل استم ا ررهم يجدون أما الكائنات غير القادرة على الص ا رع فهي مهددة بالانق ا رض، المتميز بديناميته، وتطوره السريع والذ ي يفرض على الأف ا رد مسايرته والتأقلم وبهذا نجد ولذلك، فإن المنطلق بالعضوية الحية، وبالتالي، روبرت بارك مطبوعة بنزعة طبيعوية، ومنه فالمدينة من هذا المنظور ال ا رئد الثاني لشيكاغو إلى اعتبار المجال الحضري أهم ما يميز النظرية 11 السوسيولوجية الحديثة وأن ما يجعل المدينة المجال الأنسب لد ا رسة الحياة وتتطور بسرعة، وبالتالي فهي قابلة للملاحظة وللتجريب. فهي تمنح جوا خاصا لأف ا ردها فكل فرد وكيفما كانت أطواره يجد مجالا فيها ويمكنه من التعبير عن خصوصياته، هذا من ناحية، المدينة حسب المنظور الإيكولوجي هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر، ففي المدينة تطورت الفلسفة والعلم اللذان يجعلان الإنسان ليس حيوانا عاقلا فحسب، بل حيوانا رفيعا، وبالتالي فالفرد المديني تميز عن الحيوانات الدنيا وعن البدائيين ، العالم الذي أصبح محكوما على هذا الإنسان أن يعيش فيه ويواكب تطو ا رته . مزدوجة عن المدينة على الرغم من التقدم والرخاء والحرية ونمط العيش الأفضل الذي تتميز به المدينة، إلا أنها مجال المعدلات الأعلى في الجريمة والانح ا ر ف وسوء التنظيم الاجتماعي؛ فالمجال الحضري مجال غير متجانس لأنه عبارة وذلك ما يعبر عنه بارك من منظور وضعها ارنست بيرجس في مقاله "نمو المدينة" والتي سيشتغل عليها بارك من لكن ما يميز هذه المناطق عن فكل مدينة حلقتها الأولى هي مركزها ونواتها التي تكون مخصصة 12 للأعمال والتجارة ثم المناطق الصناعية سواء تلك المختصة في الصناعات الثقيلة أو الخفيفة، بالإضافة ولكل مدينة مناطقها الهامشية حيث تكون أكثر حرية وأكثر تشجيعا على إن هذه البنية الإيكولوجية للمدينة تتشكل بفعل الانتقاء والتميز من جهة، وعملية التنشئة والعدوى من جهة أخرى. هاتين العمليتين تجعل مناطق المدينة تتحول إلى مناطق متميزة عن بعضها البعض مجاليا وثقافيا، الاجتماعي والثقافي، الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي، فالسكن يحدد الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية للأف ا رد، وهذا سيساهم بشكل آلي وسيقلص من نسبة لأنه يتم وفق حلقات مغلقة حيث أف ا رد المركز يتواصلو ن فلكل مجال في المدينة خصوصياته، فمثلا كلما ابتعدنا عن مركز المدينة ابتعدنا عن التنظيم والقانون، وأيضا العودة إلى المركز تفرض على الأف ا رد أن يكونوا مجبرين على التصنع، المركز إلى المحيط نجد العنف والعدوانية، ومنه فالمجال بثقافته يفرض على الطبيعي، وهذا معناه أن هذه المجالات تشكلت بطريقة اعتباطية وتلقائية بمعنى وهي تخص الأحياء 13 المركز على الأف ا رد والإقصاء والتهميش الذي تتعرض له فئات عريضة داخل المجال الحضري ، وهذا يعني أن المركز له خصوصياته وله قالبه الخاص، وهو الذي تتوفر فيه الأنشطة الاقتصادية ، وهذا ما يجعله نقطة جذب بالإضافة إلى أن الانتماء إلى المركز يتطلب مكانة اقتصادية مريحة، عن الانتقاء، وبالنسبة إليه هذا المجال الهامشي يصبح مع مضي الوقت مجالا خاصا له تقاليده وعاداته وقيمه الخاصة، المشترك الذي يقوم على ذاكرة جماعية ومشاعر خاصة بها، إن المجال الطبيعي يتكون من أف ا رد غير متشابهين ثقافيا ما يجعلهم يعيشون بشكل مشترك هو وضعيتهم الاقتصادية وهذه الوضعية هي وضعية إجبارية وليست اختيارية . و"التوازن" و"التنافس"، و"التأقلم"، أن عملية اندماج المهاجرين وانخ ا رطهم في الحياة الاجتماعية داخل مجتمعات تمر بالضرورة عبر أربعة م ا رحل، - مرحلة التنافس، وهي مرحلة يتشكل التفاعل فيها بدون اتصال، حيث يواجه المهاجر كل مشاكل الحياة الاجتماعية الجديدة، 14 هذا التنافس يكون ضمنيا وغير معلن عنه من اجل الوصول الى خي ا رت المجال او الى السلطة، انه تنافس بين قيم المهاجر القديمة التي حملها معه من بلده الأصلي - مرحلة الص ا رع، الحصول عليم اثناء التنافس، اذ يكون اما الذات القديمة والذات الجديدة للمهاجر. - مرحلة التأقلم، البحث عن الانسجام والاعت ا رف، جزئي بالمهاجر، المستقبل، مجتمع البلد المستقبل، يتكلم لغتهم ويطبق ويخضع قيمه وسلوكاته وخطاباته لمرجعيتهم الثقافية. مرحلة الاستيعاب بشكل كلي عند الجيل الثالث أو ال ا ربع للمهاجرين وما لأن الجيل الأول لا يستطع الاندماج بشكل كلي على اعتبار ان 15 فكرة العودة إلى البلد الأصلي تظل ت ا روضه بشكل دائم، يحاول أن يعيد إنتاج ثقافة بلده الأصل في البلد المستقبل، التي يخضعون لها تتمحور حول التشبث بتقاليد وثقافة البلد الأصلي. حيث إنها، تتكون وتنمو بشكل لم يخطط له ولا يمكن السيطرة عليه، ولا شك أن هذا مع "النظرة الاجتماعية" ذات النزعة الطبيعية، والتي تفترض سوسيولوجيا الهج ا رت في مشروع بارك، هو أنها تنظر للهجرة والمهاجر من منظورين اثنين: منظور يعتبر المهاجر الفرد الأكثر نشاطا وإنتاجية وأداة لنقل الثقافة وتقدم الحضا ا رت. المهاجر نفسه أداة مساعدة على ظهور وانتشار سوء التنظيم الاجتماعي، كما يتمظهر في الفقر والإج ا رم والفساد الأخلاقي 4 - لويس وورث والثقافة الحضري ة أ ا رد لويس وورث الابتعاد والتميز عن باقي الاتجاهات التي كانت سائدة في مدرسة شيكاغو، ويتجلى هذا الابتعاد من خلال تجاهله ورفضه للنموذج وركز اهتمامه على شكل المجموعات الحضرية أي شكل التجمعات السكانية في علاقتها بسياقاتها التاريخية المختلفة، وهذا ما يقف عليه كل مهتم بت ا رث جورج زيمل السوسيولوجي وخصوصا ما له فقد سعى من خلالها الى البرهنة على اصالة أفكاره في علم الاجتماع مجسدا 16 إياها بوضوح في د ا رسته الشهيرة حول الغيت و، حي ث سيقف فيها على رسم وتتبع تاريخ تشكل الحي اليهودي ابتداء من سنة 1516 مفندا بذلك الطرح وفي تعريفه للمدينة استبعد اعتبارها مجرد وحدة فيزيقية او طبيعية واستبعد أيضا اعتبارها تشكل قطيعة مع العالم القروي، فالمدينة في نظره هي أساس عملية التح ول الذي لا يحدده فقط التواجد في مجال ما او عدد معين من السكان )المعيار الكمي( او معايير إدارية او قانونية معينة، مقالته الشهيرة الظاهرة الحضرية كنمط للحياة الصادرة سنة 1938 حيث اعتبر ان التحضر هو عبارة عن نمط حياة يعاش في المدينة، الحضري، وبناء عليه فالمدينة من وجهة نظر سوسيولوجية هي تجمع سكاني كبير الحجم كثيف نسبيا ودائم بأف ا ر د غير م تجانسين اجتماعيا، التعريف ان المدينة تتسم بخصائص ثلاث هي الحجم، ومن هذه الخصائص حدد وورث نموذجه المثالي للحياة الحضرية اذ اختزله في الاتي: خاصية التجاهل، تجزيئي عقلاني ونفعي، وتمتاز أيضا بتعدد الأدوار والانتماءات مما يجعل كما تعوض العلاقات الجماعية الأولية بعلاقات جديدة مرتبطة بتنظيمات اجتماعية كالأندية والجمعيات ذات الأساس العقلاني، آليات المماثلة والتمثل يسمح للأف ا رد بالانفتاح والابداع ومنه تبرز الف ردانية. التجزيء والتقسيم الشديد، حاجياتهم الضرورية وتبعا لذلك فهم يرتبطون بأكبر عدد من الجماعات المنظمة، لكنهم في نفس الوقت أكثر استقلال عن الأشخاص واقل تبعية لهم، هذا ما يدل على ان المدينة تطبع سلوك اف ا ردها بعلاقات ثانوية أكثر منها علاقات أولية، وعرضية تمتاز بالتحفظ والحذر وباللامبالاة. يتحدد المجال الحضري حسب لويس وورث من ثلاث متغي ا رت أساسية، تتظافر فيما بينها لتنتج نمط حياة خاص هو نمط العيش ال حضري بمعنى ان للمدينة المنافسة محل التضامن، وتتصاعد الفردانية والهامشية وتتقوى سطحية العلاقات ومختلف أنواع التفكك، انتشار الام ا رض العقلية والنفسية وتصاعد معدلات الجنوح والجريمة . الانتماءات اللاشخصية، وتوصل وورث الى ان حجم المدينة يؤثر على العلاقات الاجتماعية، حيث انه كلما كبر الحجم كبرت الاختلافات بين الامر الذي يؤدي الى تلاشي العلاقات التعاونية الجماعية لتعوض بمكانيزمات جديدة ويؤدي تعدد التفاعلات ونسق التفاعل كذلك الى تفتيت وتجزئ العلاقات الاجتماعية واف ا رز وتقوية هذه الوضعية تؤدي الى تباين في الأدوار والى تخصص مهني ووظيفي دقيق يتجسد في تقسيم العمل واقتصاد كما يطرح العدد الكبير من الاف ا رد مشكل اتخاذ الق ا رر وتدبير المشاكل ومنه فالدفاع عن عليهم في اتخاذ الق ا ر ا رت. 18 يعتبر وورث انه اذا كانت الكثافة السكانية تعني التقارب الفيزيقي والتمركز المجالي، الاف ا رد، فمن المفارقات الغريب ة انه كلما كان الاف ا رد متقاربين فيزيقيا وجسديا الفردية والعلمانية في المدينة وهكذا فان التساكن والتكدس المجالي للأف ا رد يؤدي الى نشوء ظواهر جديدة مثل الفصل او العزل والتنافس على المجال، بحيث