سلطنة الخلفاء الراشدين، وعلى رأسهم المأمون، المنصور، والرشيد، تميزت بتكريمهم للعلماء، ومشاورتهم، وحثهم على البحث، ووضع الأنظمة القانونية. كان المأمون يُقيم المناظرات العلمية في مجلسه، بينما طلب المنصور من الإمام مالك تأليف "الموطأ"، مُقترحاً اعتماده دستورًا للدولة، لكن مالك رفض. كَرّر الرشيد هذا الطلب، كما عيّن القاضي أبا يوسف، صاحب أبي حنيفة، قاضيًا للقضاة، وطلب منه وضع كتاب "الخراج" الذي يُحدد موارد بيت المال ومصارفه، ولا يزال مرجعًا أساسياً حتى اليوم. يُبرز كلام أبو يوسف للرشيد في مقدمة الكتاب، مثالاً يُحتذى به في إخلاص النصح من العلماء للحكام، حيث حثّه على إقامة الحق، وعدم اتباع الهوى، والعدل بين الناس، والحرص على ما استُحفظ به، مُذكّراً إياه بمسؤوليته أمام الله.