تتناول هذه المحاضرات ظهور الإنسان وتطوره، بدءًا بشرح ظاهرة التطور للكائنات الحية عمومًا، باعتبار الإنسان جزءًا منها. ولئن اشتهر داروين بنظرية التطور، إلا أن مفكرين إغريقًا وعربًا ومسلمين سبقوه، كأرسطو وإخوان الصفا وبن مسكويه وابن خلدون، فقد شرحوا عملية التطور عبر ملاحظاتهم للعلاقات بين الكائنات وترتيبها، دون الخوض في اشتقاق الأنواع بعضها من بعض. أما في أوروبا، فقد هيمن تاريخ الإنسان القائم على النصوص الدينية حتى القرن السابع عشر. يُعرّف التطور بأنه عملية تعديلات بنيوية للكائنات عبر الزمن نتيجة تفاعلها مع البيئة. من أهم النظريات التطورية: نظرية لامارك (1802م)، التي تُرجع التطور إلى التأثير البيئي ووراثة الصفات المكتسبة؛ والنظرية الداروينية، التي تُبرز "صراع البقاء" و"الانتخاب الطبيعي" و"الانتخاب الجنسي" كعوامل أساسية للتطور، مع التركيز على تطور الإنسان من أصول حيوانية في كتاب "أصل الأنواع" و"نزول الإنسان واختياره الجنسي"، مع الإقرار بوجود "هوة سحيقة" بين أدنى البشر وأرقى القردة. أما نظرية التطور الشاملة ("الداروينية الحديثة" أو "النظرية التركيبية الحديثة")، فهي تضيف "الطفرات" كعامل لتغيرات مفيدة، مع اعتبارها آلية مُنتقِدة من قبل الباحثين لعدم قدرتها على تفسير التطور التدريجي. ينتمي الإنسان إلى الرئيسيات، وهي حيوانات ثديية غالبيتها شجرية، ظهرت في نهاية العصر الجيولوجي الثاني. يتشابه الإنسان مع القردة العليا (الغوريلا، الشمبانزي، الأورانجوتان) التي ظهرت قبل حوالي 11 مليون سنة، لكنه انفصل عن الأصل المشترك وتطور بشكل مستقل. يُعتقد أن االختلاف بدأ بين 10 و5 ملايين سنة. اكتشافات في مصر (أوليجوبيثيك، إيجببتوبيثيك، بروبليوبيثيك) تعود لـ36 مليون سنة تمثل سلفًا بدائيًا للقردة الحالية المشابهة للإنسان (بروكونسول، دريوبيثيك). تطورت دريوبيثيك في أوروبا وآسيا وإفريقيا، منها سيفابيثيك ورامابيثيك (الذي كان محل جدال حول نسبته كجد للإنسان، قبل تصنيفه ضمن سلالة الأورانجوتان). مع نهاية الميوسين وبداية البليوسين، ظهرت الأسترالوبيثيكوس (رئيسيات غير شجرية، قادرة على الاستقامة)، وتنقسم إلى نوعين: النحيف (Gracile) والخشن (Robustus)، اللذان عاشا في تنزانيا، إثيوبيا، وجنوب إفريقيا، ويُعتقد أن النوع النحيف هو الذي صنع أدوات حجرية وتطور نحو الهومو هابيليس. الهومو هابيليس ("الإنسان الصانع") يعتبر أول كائن حقق الشرطين الأساسيين للإنسنة: الانتصاب وصناعة الأدوات الحجرية، اكتشفت بقايا له في جنوب إفريقيا، تنزانيا، وإثيوبيا، وأقدمها في حضر (جيبوتي) وتركانا (كينيا)، يُقدّر عمرها بـ 2-2.5 مليون سنة. حجمه حوالي 150 سم، حجم دماغه 650-750 سم مكعب، أكثر انتصابًا من الأسترالوبيثيكوس، وسار على قدميه بشكل يشبه الإنسان الحالي، استخدم أدوات حجرية (حضارة الحصى أو حضارة ألدوفاي). تطور الإنسان بيولوجيًا تدريجيًا خلال البليستوسين، مع ظهور الهومو سابينس ("الإنسان العاقل") قبل انتهاء العصر. مراحل تطور الإنسان: الأسترالوبيثيكوس (اكتشفه ريمون دارت في كهف تونغ، 1925م)، يمتلك صفات قردية وبشرية، قامة قصيرة، مخ صغير (450-550 سم مكعب)، فك عريض، أسنان بشرية، أطراف بشرية، كان يعيش في مناطق عشبية. أقدم أنواعه راميدوس (4.4 مليون سنة)، يليه أنامنسيس (4.2 مليون سنة)، أشهرها العفاري (3.5 مليون سنة)، Garhi، وقد دخل مرحلة متطورة قبل 3 ملايين سنة. الهومو إريكتوس ("الإنسان المنتصب") ظهر منذ 1.5 مليون سنة، حجم دماغه 800-1000 سم مكعب، أكثر انتصابًا، جمجمة أكثر تدورًا، ابتكر الثقافة الأشولية (الفؤوس اليدوية)، استخدم النار، كان صيادًا ماهرًا. نياندرتال (ظهر منذ 150 ألف سنة)، جمجمة كبيرة، حاجبان كبيران، جبهة متراجعة، فك بارز، أسنان كبيرة، قامته منحنية، حجم مخه 1000-1200 سم مكعب، أنشأ الثقافة الموستيرية، كان معاصرًا للهومو سابينس، وانقرض بنهاية العصر الباليوليتي المتوسط. الهومو سابينس ("الإنسان العاقل") ظهر منذ حوالي 30 ألف سنة، حجم مخه 1450 سم مكعب، قبة جمجمة مقببة، وجه صغير، قامة طويلة، طور أدوات فنية، اهتم بالفن والنحت، علم تدجين الحيوانات، اكتشف الزراعة، بنى القرى والمدن. يُذكر أخيرًا المراجع المُستَخدمة في هذه المحاضرات.