في رواية عند مسلم: فأصبنا إبلاً وغنما. هكذا رواه مالك بالشك والاختصـار وإبهام الذي نفلهم. وقد وقع بيان ذلك في رواية بن إسحاق عن نافع عند أبي داود ولفظه: فخرجت فيها فأصبنا نعماً كثيراً وأعطانا أميرنا بعيراً بعيراً لكل إنسـان، ثم قدمنا على النبي صلى الله علـيه وسلم فقسم بيننا غنـيمتنا، ونفل أهل السريـة بعيراً بعيراً، فكـانت سهمانهـم ثلاثة عشر بعيراً ثـلاثة عـشر بعيراً. وأخـرجه ابن عبـد البر من هـذا الوجـه وقال في روايـته أن ذلك الجيـش كان أربعـة آلاف. قال ابن عـبد البر: اتفق جمـاعة رواة المـوطأ على روايته بـالشك إلا الـوليد بن مـسلم فإنه رواه عن شـعيب ومــالك جميعاً فلم يـشك، وكـأنه حمل روايـة مـالك على روايـة شعيـب. قلت: وكـذا أخرجـه أبو داود عن الـقعنبي عـن مالك واللـيث بغير شك، فكـأنه أيضاً حمل رواية مـالك على رواية الليث. قال ابن عبد البر: وقال سائر أصحاب نافع اثني عشر بعيراً بغير شك، واختلف الرواة في القسم والتنفيل: هل كانا جميعاً من أمير ذلـك الجيش أو مـن النبي صـلى الله عليه وسلم؟ أو أحـدهما مـن أحدهمـا؟ فروايـة ابن إسـحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم مـن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي روايـة عبد الله بـن عمر عنـده أيضاً: ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً، قـال النـووي: معنـاه أن أمير السريـة نفلهم فـأجازه الـنبي صلى الله علـيه وسلم، وليس المراد الجيـش القاعد في بلاد الإسلام، بل قـال ابن دقيق العيد أن الحـديث يستـدل به على أن المنقطع مـن الجيش عن الجيـش الذي فيه الإمـام ينفرد بما يـغنمه. وقال إبراهيم النخعي: للإمام أن يـنفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا. ومعـناه تخصيص من لـه أثر في الحرب بشيء من المال لكنه خصه عمرو بن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده. نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كـأن يحرض على القتال ويعـد بأن ينفل الربع إلى الثلـث قبل القسم، واعتل بأن القتـال حينئذ يـكون للدنـيا. وقـد اختلف العلماء: هل هـو من أصل الغنـيمة أو من الخـمس أو من خمس الخـمس أو مما عـدا الخمـس على أقـوال والثلاثـة [ثلاثـة] الأول: مـذهـب الشـافعـي والأصح عنـدهم أنهـا مـن خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم. وقد زاده ابـن المنير إيضـاحاً فقال: لـو فرضنـا أنهم كانـوا مائة، وقد نطق الحـديث بأنهم نفلـوا بعيراً بعيراً، قال: وقـد ألجأ هـذا الإلزام بعـضهم فادعـى أن جميع ما حـصل للغانـمين كان اثـني عشر بعيراً، فقيل له: فيكون خمـسها ثلاثة أبعـرة ! فيلزم أن تكـون السرية كلهـا ثلاثة رجال. قال ابن المنير: وهـو سهو على التـفريع المذكـور، بل يلزم أن يـكون أقل من رجل بنـاء على أن النفل من خمس الخـمس. وقال ابن التين: قـد انفصل من قال من الـشافعية بـأن النفل من خمس الخمـس بأوجه منها: أن الغنـيمة لم تكـن كلها أبعـرة، ثانيها: أن يكون نفلهم من سهـمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا، قال: وقـد جاء أنهم كانـوا عشرة وأنهم غنموا مـائة وخمسين بعيراً، فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس. قال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم: النفل من أصل الغنيمة. وقال مالك وطائفة: لا نفل إلا من الخمس. وقال الخـطابي: أكثر مـا روى من الأخبار يـدل على أن النفل من أصل الغنـيمة. فكأنه أشار إلى أن ذلـك قد تقـرر لهم استحـقاقه مـن الأخماس الأربعـة الموزعـة عليـهم، قلت ويؤيده ما رواه مـسلم في حديث الباب من طـريق الزهري قال: بلغني عـن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعـثها قبل نجد من إبل جاؤوا بها نفلاً سوى نصيبهم من المغنم، لم يسق مسلم لفظه وساقه الطحاوي، ويؤيده أيـضاً ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مـالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمـس، وروى مالك أيـضاً عن أبي الـزناد أنه سـمع سعيد بـن المسيب قـال: كان الـناس يعطـون النفل من الخمـس. وقـال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمـة، وهذا الشرط قال به الجمهور. بل هـو راجع إلى ما يـراه الإمام مـن المصلحـة، وحديث الـباب من روايـة ابن إسحاق يـدل لما قـالوا، واستـدل به على تعين قـسمة أعيـان الغنيمة لا أثمانها، وعند المالكية فيه أقوال ثالثهـا التخيير، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مـصلحة لم ينقضها الإمـام. الرابع: حديثه كان ينفل بعـض من يبعث من الـسرايا لأنفـسهم خاصـة سوى قـسم عامـة الجيش، وليس فيه حجة لأن النفل مـن الخمس لا من غيره، نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض. قال ابن دقيق العيـد: للحـديث تعلـق بمسـائل الإخلاص في الأعمال وهـو موضع دقـيق المأخـذ، لكن ضبط قانونهـا وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جداً. الخامس: حديث أبي موسى في مجـيئهم مـن الحبشـة، إلا أصحاب سفينـتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم. قال ابن المنير: أحاديـث الباب مطابقة لما ترجم به إلا هذا الأخير فإن ظـاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغـنيمة لا من الخمس، فلأن ينفـذ اجتهـاده في الخمس الـذي لا يسـتحقه معين وإن استـحقه صنف مخصـوص أولى. وقال ابن التين: يحتمل أن يـكون أعطاهم بـرضا بقية الجيـش، وهذا جـزم به موسى بـن عقبة في مغازيه، وبهذا جـزم أبو عبـيد في كتاب الأموال، وهـو الموافق لترجمة البخاري. وأما قول ابن المنير: لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص، ويحتمل أن يكـون أعطاهم من جميع الغـنيمة لكونهم وصلـوا قبل قسمة الغنـيمة وبعد حوزهـا، ولأن سياق الكلام يقـتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لـغيرهم كما تقدم،