فقد فسره النبي ﷺ في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة، فقال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتُؤْمِنَ بالقدر خيره وشره . وقد ذكر الله في كتابه الإيمان بهذه الأصول الخمسة في مواضع، كقوله تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بما أنزل إليه من ربه والمُؤمِنُونَ كُلُّ آمَن بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُله ﴾ [البقرة : ٢٨٥]. وقال تعالى : ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكتاب والنبيِّين) الآية [البقرة : ٢٧٧]، وقال تعالى : الذين يُؤْمِنُونَ بِالغَيب ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُم يُنفِقُونَ . والذين يُؤْمِنُونَ بما أنزل إليك وما أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يُوقنون ﴾ [البقرة : [٣-٤ والنار. وقد أدخل في الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره، ولأجل هذه الكلمة روى ابن عمر هذا الحديث محتجاً به على مَنْ أَنكَر القدر، وزعم أَنَّ الأمر أنف : يعني أنه مستأنف لم يسبق به سابق قدرٍ مِنَ الله عز وجل، وأخبر أنه لا تقبل منهم أع . الم - بدون الإيمان بالقدر. وشر، ومَنْ هُم منهم من أهل الجنة، ومن أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، والطاعة، وشاءها منهم ، وينكرها القدرية، والدرجة الأولى أثبتها كثير من القدرية، ونفاها غُلاتُهم ، وكعمرو بن عبيد وغيره وقد قال كثير من أئمةِ السَّلفِ : ناظرُوا القدرية بالعلم ، فإن أقروا به خُصِمُوا، فيكفر بذلك، وأنكروا أن الله خلق أفعال عباده، وشاءها، فقد خصموا ، وفي تكفير هؤلاء نزاع مشهور بين العلماء . فنص الشافعي وأحمد على تكفيره، وكذلك غيرهما من أئمة الإسلام . فإن قيل : فقد فرق النبيُّ ﷺ في هذا الحديث بين الإسلام والإيمان، وجعل الأعمال كلها من الإسلام ، لا مِنَ الإيمان، وجعله قولاً مُحدثاً : سعيد بن جبير، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والزهري، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الأمصار: أما بعد، فإنَّ للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً] وسنناً، فمن استكملها، استكمل الإيمان. ومن لم يستكملها، لم يستكمل الإيمان، ذكره البخاري في صحيحه»(۱). أولئك هم المُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال : ٢-٤] وإيتاء الزكاة، عن النبي ﷺ ، أو بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان، وفي الصحيحين (۳) عن أبي هريرة ، عَن النَّبيِّ ﷺ ، قال : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ» . فلولا أن ترك هذه الكَبائِرَ مِنْ مُسمَّى الإيمان، لما انتفى اسم الإيمان عن مرتكب شيء منها ؛ وأما وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان، وإدخاله الأعمال في مُسمى الإسلام دونَ مُسمَّى الإيمان، وهو أنَّ مِنَ الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره، صار دالا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها، فإذا أفرد أحدهما، دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر، دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات، والآخر على باقيها ، فهكذا اسم الإسلام والإيمان : إذا أفرد أحدهما، دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإذا قُرِنَ بينهما، وقد صرح بهذا المعنى جماعةً مِنَ الأئمة . قال أبو بكر الإسماعيلي (1) في رسالته إلى أهل الجبل : قال كثيرٌ مِنْ أهل السنة والجماعة : إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله إذا ذكر كل اسم على عدته مضموماً إلى الآخر، فقيل : المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردين، أريد بأحدهما معنى لم يُرد بالآخر (٢) ، وإذا ذُكِرَ أحد الاسمين ، وتبعه عليه جماعة من العلماء من بعده . كما في مسند الإمام أحمد (4) عن عمرو بن عبسة، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ ، فقال : يا رسول الله ، وأن يسلم المسلمون مِنْ لِسانِكَ ويَدكَ ، قال : وما الإيمان؟ قال : «أن تُؤْمِن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت». قال : فما الهجرة؟ قال: «أن تهجر السُّوءَ»، فجعل النبي ﷺ الإيمان أفضل الإسلام ، وأدخل فيه الأعمال . وبهذا التفصيل يظهر تحقيق القول في مسألة الإسلام والإيمان : هل هما أو هما مختلفان؟ . وأيوب فيه ضعف . منهم قتادة، وداود بن أبي هند، وأبو جعفر الباقر، والزهري ، وحماد بن زيد، وابن أبي ذئب، وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الاختلاف، فيُقالُ : إذا أفرد كلُّ مِنَ الإسلام والإيمان بالذكر، فلا فرق بينهما حينئذ، وإنْ قُرن بين الاسمين، كان بينهما فرق . - ۱۰۷ - وإقراره، والإسلام : هو استسلام العبد لله ، وانقياده له ، وهو الدين، وهذا أيضاً مما يدل على أن أحد الاسمين إذا أفرد دخل فيه الآخر، وإنَّما يفرق بينهما حيثُ قُرنَ أحد الاسمين بالآخر.