لَيْسَ مِنَ الغَريبِ أَنْ يَتَناوَلَ الإِنْسانُ مَوضوعًا كَالفُكاهَةِ وَصِناعَةِ الضَّحِكِ مِنْ بَيْنِ مَوضوعاتٍ أُخرى لَها أهمِّيَّتها وَوَزْنُها، فَقَدِ اهْتَمَّ بِها مُنْذُ القَديمِ فَلاسِفَةٌ وأُدَباءُ بارِزونَ أَمْثالُ: الجاحِظِ وَأَفْلاطونَ، أَمّا في الزَّمَنِ المُعاصِرِ فَيَتَمَثَّلُ الرَّأْيُ الغالِبُ في عِلْمِ النَّفْسِ في النَّظَرِ إِلى الفُكاهَةِ عَلى أَنَّها أَحَدُ أَهَمِّ أَسالِيبِ المُواجَهَةِ، فَفي السَّنَواتِ الأَخيرَةِ أُسِّسَتِ الكَثيرُ مِنْ "أَنْدِيَةِ الضَّحِكِ" في أَماكِنَ عِدَّةٍ مِنَ العالَمِ، فَيَلْتَقي أَعْضاءُ هذِهِ الأَنْدِيَةِ دَوْرِيًّا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْضوا الوَقْتَ في الضَّحِكِ، وَأَصْبَحَتْ بَعْضُ شَرِكاتِ الطَّيرانِ تُعَيِّنُ بَعْضَ المُهَرِّجينَ لَلتَّرويحِ عَنِ الرُّكّابِ وَإِضْحاكِهِم، وَهَدَفُها مُساعَدَةُ الأفَرادِ الّذينَ يُعانونَ مِنَ الانْهيارِ العَصَبِيِّ عَلى تَجاوُزِ آلامِهِمُ النَّفْسِيَّةِ، وَمِنَ الغَريبِ الطَّريفِ قِيامُ هذِهِ الجَوْقَةِ بِتَسْجيلِ اسْطوانَةٍ مُدْمَجَةٍ لأَغْراضِ العِلاجِ النَّفْسِيِّ، هَلْ تَمْلِكُ حِسًّا فُكاهِيًّا؟ إِنَّ حِسَّ الفُكاهَةِ هُوَ قُدْرَةُ المَرْءِ عَلى أَنْ يُلاحِظَ وَيَسْتَجيبَ انْفِعالِيًّا لِلْجَوانِبِ المُضْحِكَةِ مِنَ الأَحْداثِ، فَهذِهِ الصِّناعَةُ لا تَتَطَلَّبُ مِنْكَ أَنْ تَتَعَلَّمَها أَو تَتَدَرَّبَ عَلْيَها، بَلْ هِيَ جانِبٌ خاصٌّ يُمَيِّزُ شَخْصًا عَنْ آخَرَ في القُدْرَةِ عَلى إِنْتاجِ البَهْجَةِ، وهُناكَ ثَلاثَةُ مَعانٍ يَتَضَمَّنُها قَوْلُنا عَنْ شَخْصٍ ما إِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِ "حِسِّ فُكاهَةٍ": أ. المَعْنى الاتِّفاقِيُّ: نَقْصِدُ أَنَّ هذا الشَّخْصَ يَضْحَكُ مِنَ الأَشْياءِ نَفْسِها الّتي نَضْحَكُ نَحْنُ مِنْها. ت. المَعْنى الإِبْداعِيُّ: نَقْصِدُ أَنَّ هذا الشَّْخصَ هُوَ "روحُ" و "حَياةُ" اللِّقاءِ أَوِ الحَفْلَةِ أَوِ التَّجَمُّعاتِ، لِذا فَالوُصولُ إِلى الإِتْقانِ في صِناعَةِ الضَّحِكِ لَيْسَ بِالأَمْرِ السَّهْلِ أَبَدًا، فَصُنّاعُ الضَّحِكِ في العالَمِ مِنْ حَوْلِنا يَتَمَتَّعونَ بِقُدْرَةٍ تُمَيِّزُهُم عَنْ غَيْرِهِم في مُلاحَظَةِ وَاكْتِشافِ التَّناقُضاتِ في الواقِعِ المُحيطِ بِهِم، إِنَّ هذِهِ القُدْرَةَ المُمَيَّزَةَ في فَنِّ الإِضْحاكِ تَرْتَبِطُ بِالفُروقِ الفَرْدِيَّةِ بَيْنَ الأَشْخاصِ في امْتِلاكِهِم حِسَّ الفُكاهَةِ، بَلْ إِنَّها تَأْخُذُ في أَحْيانٍ كَثيرَةٍ الاتِّجاهَ الضّاحكَ السّاخِرَ تِجاهَ الحَياةِ وَنَقائِضِها، وَمِنْ أَشهرِ صُنّاعِ الضَّحِكِ الَّذينَ عَرَفَتْهُمُ الثَّقافَةُ الحديثَةُ الكوميدِيُّ الإِنجِليزيُّ "شارْلي شابْلِنْ" الَّذي احْتَرَفَ هذا الفَنَّ، أَظْهَرَتِ الدِّراساتُ والبُحوثُ العِلمِيَّةُ أَنَّ لِلضَّحِكِ آثارًا وَفوائِدَ اجْتِماعِيَّةً وفِسيولوجِيَّةً عَلى الإِنْسانِ، لأَنَّ لَهُ صِفَةَ الانْتِشارِ خِلالَ عَمَلِيّاتِ الاتِّصالِ الصَّوْتِيِّ الاجْتِماعِيِّ، فَهُوَ بِذلكَ يُقاوِمُ الاكْتِئابَ والقَلَقَ والغضبَ الشَّديدَ عندَ الإنسانِ، إِذْ يُمْكِنُ مِنْ خِلالِها تَلْطيفُ غضَبِ الآخَرينَ وهجومِهِمُ السَّلبيِّ، أ. يعملُ الضَّحكُ على زيادةِ النشاطِ في المخِّ والجهازِ العصبِيِّ لِلْإِنسانِ. ولكنَّ هذا يحدثُ لفترةٍ قصيرةٍ يعقُبُها استرخاءٌ عضلِيٌّ وشعورٌ بتحسُّنِ الحالِ.