فإن الجهالة الجهلاء، والضَّلالة العمياء والغي الموفي بأهْلِه على النار، ويشتمل عَلَيْهِ حُلَمَاؤُكُم مِن الأمور العظام، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكبير لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول. أتكونون كمن طرفتُ عينيه الدنيا، واختار الفانية على الباقية؟، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر ، ألم يكن منكم نهاةً تمنع الغواة عن ذلج الليل، تَعْتَذِرُونَ بِغَيْرِ العُذْرِ ، فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونه حتى انتهكوا حرم الإسلام، حرام على الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هذمًا وإحراقا. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يَصْلُحُ إلا بما صلح به أوله: لين في غَيْرِ ضَعْفٍ، وإني أُقسم بالله لأَخَذَنُ الولي بالمولى والمقيم بالطاعن والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حَتَّى يَلْقي الرجل منكم أخاه، فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، فإذا تعلقتُم على بكذبة فقد حلَّتْ لكم مَعْصِينِي، فَإِذَا سَمِعْتُمُوهَا مِنِّي فَاعْتَمِزُوها في واعْلَمُوا أن عندي أمثالها. مَنْ نُقبَ مِنكُم عَلَيْهِ فَأَنا ضَامِنٌ لِما ذهب له، فإني لا أُوتِي بِمُدْلِج إلا سَفَكتُ دمة، وقد أجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم، فإنِّي لا أجد أحدًا دعا بها إلا قطعت لسانه. فَمَنْ عرق قوما عرفناه، ومن ثقب بَيْتاً نقبنا عن قلبه، ولا تظهر من أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضَرْبتُ عُنفه. وقد كان بيني وبين أقوامٍ إِحَنُ فَجَعَلْتُ ذلك دُبَرَ أُذُنِي وتحت قدمي، فمَن كانَ مِنكُم مُحْسِنَا فَلْيَزْدَدْ إحسانًا، ومن كان مِنكُم مُسِيئًا فَلْيَنْزِعُ عَن إِسَاءَتِه. ولم أَهْتِك له سِتْرًا حَتَّى يُبْدِي لي صفحته؛ فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم وأعينوا على أَنفُسِكُم، فَرُبَّ مُبْتَئِسٍ بِقُدُومِنَا سيسر، فَاسْتَوْجِبُوا عَدْلَنَا وَفَيْتَنَا بِمُناصَحتِكم لنا. واعْلَمُوا أبي مهما قَصْرْتُ فَلَنْ أقصر عَنْ ثَلاثٍ: لستُ مُحْتَجِبًا عن طالب حَاجَةٍ مِنكُم، ولا تشربوا قلوبكم بعضهم فيشتد لذلك غيظكم، أسأل الله أن يُعين كلاً على كُل، وإِذا رَأَيْتُمُونِي أَنْفِذُ فيكم الأمر فانفذوه على إذلاله، م الخطبة وخطبة بالضم، قال الجوهري : خطبت على المنبر خطبة بالضم، واختطب فيهما، وإليه ذهب أبو إسحاق، وفي التهذيب: الخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر (۱) وخطب يسير"، وهي من الخطاب والمخاطبة، وخطب الخطيب على المنبر، فهي الكلام المنثور المسجوع، وهو مثل الرسالة التي لها أول وآخر (۲). أي اسم لما يخطب من الكلام، وقيل هي الكلام المنشور المسجع ولون من ألوانه، وقد عرفها بعض الدارسين بأنها : فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته، ولا بد من جمهور يستمع، ولا بد من الإقناع، وذلك بأن يوضح الخطيب رأيه للسامعين، ثم لا بد من د ناصر محمد دحان أحمد وهي من الفنون التي عرفت عند العرب منذ عصر ما قبل الإسلام، وهي من الوسائل البيانية المهمة للتعبير عما في شؤون حياتهم العامة، وتطورت الخطابة السياسية تطوراً واضحا وجليا في العصر الأموي بسبب ظهور الأحزاب السياسية، وتعدد الفرق الإسلامية، وظهور كثير من الخطباء السياسيين المفوهين أمثال زياد بن أبيه والحجاج بن يوسف الثقفي، وسواهما. وقد تكاملت في العصر الأموي عوامل ازدهار الخطابة السياسية، فتشعبت معانيها لتعبر عن آراء الفرق والأحزاب في أحقية الخلافة، أو التناقش شؤون الأمة الداخلية والخارجية، وكان على الأموتين وولاتهم أن يدافعوا عن أحقيتهم في الخلافة، ويطالبوا الرعية بالطاعة والولاء ملوحين بالتهديد والترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى. فجعلت منه رجل الخطابة الأول في عصره؛ فقد كان خطيبًا مفوها ينشر الدعوة لبني أمية،