رسالة إلى حاج مشعل بن عبد العزيز الفلاحي وهاهم الراحلين إلى بيت الله يتجهون إلى هناك ، أو كأني بهم اليوم في شعاب مكة ، أو حتى يعيش أيام التشريق مع جموع الناس هناك . وتحدو في روحي بحادي الشوق ، أن أشاركها هذه الشعارات الربانية في حجها المبارك لهذا العام ، وقبل أن أبدأ حديثي معك أخي الحاج أدعو الله لك بالتوفيق والسداد وهنيئاً أيها الحاج بالحج. ويبارك لك في عمرك . ولتسمح لي يارعاك الله بهتاف أجترته مشاعر سفرك إلى أرض مكة هناك . أخي الحاج : إن الرحلة تشرُف كثيراً بمن سترحل إليه ، ورحلة الحج بالذات إنما هي رحلة إلى رب العالمين ، رحلة إلى بيت لا أعظم منه على وجه الأرض ! رحلة إلى مآثر الأنبياء ومواطئ أقدام الرسل هناك . رحلة هي النجاح بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، وحينما ترحل إلى هناك تكون بإذن الله تعالى في عداد من بلغهم صوت النبي الكريم إبراهيم الخليل عند ندائه بالحج من على مشارف مكة . وأنت مع كل ذلك وقبله وبعده من وفد الله تعالى وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وفد الله ثلاثة وذكر منهم الحاج والمعتمر ) . فمن ياتُرى أحسن حالاً منك في هذه الأيام المباركة . والصحراء متباعدة ، والقوم في ذلك الزمان يبحثون عن أرض معشبة فمن يحج هذا البيت ياترى ؟ فجاء التوجيه الرباني لإبراهيم : (( وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )) قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (( أي ناد في الناس بالحج ، داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه ، فذكر أنه قال : يارب وكيف أبلّغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ فقال : ناد وعلينا البلاغ ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر وشجر ومدر ، وليس هذا فقط حفظك الله فلقد جاء رسولك صلى الله عليه وسلم بذكر شيء من الفضائل لهذه الرحلة المباركة فقال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ، رجع كما ولدته أمه ) متفق عليه من حديث أبي هريرة . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة ) متفق عليه . وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة . فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ) . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تابعو بين الحج والعمرة ، لذا حق لمن يسّر الله تعالى له الحج أن يعد ذلك نعمة من نعم الله تعالى . أخي الحاج : في كل طريق تسعاه من المهم جداً أن تختار رفيق السفر المبارك ، ويكون عوناً لك على لأواء السفر ، ورحلة الحج بالذات تحتاج منك إلى دقة في اختيار رفيق الرحلة ، وتمعّن في اصطفاء الأوفياء والصالحين ، وتكفير السيئات ، وعود الإنسان من تلك الديار كيوم ولدته أمه ، وفضل مثل هذا ينبغي أن تحرص فيه على رفيق صالح يدلك على الخيرات ، ويعينك على أداء هذه العبادة على وجهها الصحيح . أخي الحاج : تذكر وأنت على مشارف السفر أو في ثنايا طريق الرحلة أو حتى في جنبات مكة أنه ينبغي التخلّص من حقوق المخلوقين أياً كانت هذه الحقوق سواء كانت حقوقاً مالية ، أو حقوقاً معنوية . وتقاطع طويل ، وتهاجر تعاقبت عليه الأزمان دون أن تنجح في تغيبه من واقع الحياة . إن من يريد الحج اليوم لمغفرة الله تعالى هو أحوج ما يكون إلى مراجعة نفسه قبل أن يحزم حقائب السفر . وليتذكّر في سفره حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، أو قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهيده وقال هم سواء ) رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله . أو حديثه صلى الله عليه وسلم : هجر المسلم سنة كسفك دمه ، وسدادها ، أخي الحاج : هاهو بيت الله تعالى بين ناظريك فتمعّن في هذا البناء ، وانتظار يوم العمر في عرفات ، والمبيت بمزدلفة ، والعودة إلى منى من جديد تذكّر رحلة نبيك صلى الله عليه وسلم حينما حج حجة الوداع ، فأي رحلة أعظم من رحلة على آثار ومواطئ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . إن هذا البيت يارعاك الله بيت الله ، وهذه الرحلة التي تشهدها اليوم إنما تسير فيها على مواطئ الأنبياء وقد حجوا هذا البيت مثلما تحج أنت هذا العام ، فلكأنك اليوم تسير على أقدام القوم . قال: "كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطًا من الثنية، وهنيئاً بهذه القدوة ، وهذه الآثار ، أخي الحاج : لك أن تتأمّل في من حولك من الحجيج أمم من أقطار الدنيا كلها ولك أن تتساءل تُرى ما الذي جاء بالقوم من هناك ؟ ولماذا اجتمعوا هنا جميعاً ؟ هاهي أرض مكة اليوم بمشاعرها المقدسة تحتظنكم جميعاً دون أدنى فارق ، بل لا ترعي الفوارق أي اهتمام مهما كانت . ولك أن تدرك أن هذه الجموع كلها إخوانك على الطريق ، جاءوا للغاية التي جئت أنت من أجلها فيالله العجب ما أعظم الهدف ! وما أرقى الغايات التي تتنافس على الحج إلى بيت الله تعالى ! ولتعي أن بين هؤلاء فقير تلمس في عينيه حاجته إلى الطعام والشراب ، أو تعين منكوباً ، ويكتب أجرك . وهنيئاً إن شاء الله بالعود كيوم ولدتك أمك . آملاً أن نلتقي وإياك في رحاب مكة ، ولن أنسى لك هذا العمل العاجل .