لم يكن اختلاف دين النجاشي بمانع المهاجرين إليه اللائذين به من أن تتعلّق به قلوبهم محبةً له وعرفانا بجميله، ولا بمقتض السلوك السلبي تجاه قضايا وطنه ومجتمعه، والإسهام في ما يحقق ذلك بحسب الإمكان. يدل على ذلك أنهم لما علموا بخبر رجل كان ينازعه الملك اهتموا بذلك أيما اهتمامًا؛ والتمكين له في بلاده. وهلاك عدوه. ولولا ذلك لما كان منهم ذلك الاغتمام، ولا ذلك الاجتهاد في الدعاء بالنصر للنجاشي، رغم ما بينهم وبينه من الاختلاف في الدين. إن مفهوم المواطنة الإيجابية لا ينحصر في نطاق أهل الدين الواحد بحيث يكون مقصورًا على أهل الإسلام فيما بينهم، بل إنه مفهوم أخلاقي يترجم معنى الوفاء، وليس من الوفاء ولا من محاسن الشيم أن يتفيأ المرء ظلال الأمن والرخاء في بلد، ويتنكر له بالتزامه السلبية في التعامل مع قضاياه وإنما الواجب عليه أن يهتم بمختلف شؤونه، والشرائع شتى. وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) (سورة الشورى: (13) . في معراجه إلى السماوات العلى، فكلها دلالات على ما بين الإسلام وبين غيره من الأديان من الاتساق والائتلاف. وفي تحيته إياهم وتحيتهم إياه بالسلام إشارة إلى أن الأديان جميعًا في جوهرها رسائل سلام تحمل بشائر الرحمة والمحبة والسعادة للعالمين. فدعواتهم كلها كانت فيما بين أرضين: أرض الطهارة والقدس وأرض الحرمة والأمان، ومعناها وفرة الخير. فكان الإسراء تذكيرًا بهذه الصلة بين الأنبياء والمرسلين، وبهذا الاتساق بين دعواتهم، وإيذانًا بأخذ النبي الخاتم مشعل النبوة والدين من حيث ترك في زمن عيسى عليه السّلام، وهو الذي انتهت دعوته برفعه مما حول بيت المقدس. اختصت بفرضها ليلة الإسراء، فجاءت جامعة لمختلف ما يتعبد به أهل الديانات السماوية من أفعال التلاوة والترتيل والقيام والركوع والسجود والجلوس والدعاء . فكان الجمع سمة لسائر ما نزل بعد فرضية الصلاة من الشرائع والأحكام،