بويع المعتصم بن الرشيد يوم وفاة أخيه المأمون في ۱٩ رجب سنة ٢۱۸هـ وهو في غزوت األخيرة لبالد الروم، ورفض الجند ان يقدموا لـه الطاعة في مبدأ األمر وأرادوا تولية العباس بن المأمون، ولكن العباس أسرع إلى مبايعة عمه بالخالفة احتراما لوصية أبيه فحذا الجيش حذوه بعد ذلك. سار المعتصم على سياسة أخيه المأمون، فى حمل الناس على القول بخلق القرآن، وخذ بسيرة أخيك فى القرآن وزاد على ذلك أن الحق األذى بكل من يعترف بغير ذلك من العلماء وأهل الرأى، فأهان أحمد بن حنبل إهانة بالغة وسجنه، وأصبح كل عالم أو قاض هدفا ألن يضرب بالسياط والتعذيب إذا لم يأخذ برأى المعتزلة في القول بخلق القرآن. التي تبعها الخلفاء العباسيون قبله عدا المأمون. فقد تخلص المعتصم من محمد الجواد بن على الرضا الذي كان المأمون قد زوجه ابنته أم الفضل، حتى ال تحدثه نفسه بالمطالبة بالخالفة على أساس أن أوالده من ساللة المأمون، وأن أباه عليا الرضا قد واله الخليفة المأمون العهد قبل وفاته، وبذلك تؤول الخالفة إليه بعد كذلك خرج محمد بن القاسم بن على بن عمر بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب على المعتصم، الخليفة في عدة مواقع، وأرسله إلى المعتصم فحبسه في سامرا حتى مات. اعتماده على األتراك : اعتمادا كليا على بعد أن كان اعتماد من سبقه من الخلفاء على الفرس، وال عجب في ذلك إذ كانت أمه تركية فأسقط العرب من ديوان العرب، وأهمل العنصر العربي والفارسي معا، وكان المعتصم يرى أن دولته الواسعة البد أن يقوم بحراستها جيش فاستكثر من األتراك، وكانوا يجلبون من أسواق الرقيق في بالد ما وراء النهر . واتخذ من حسن هندامهم وجمال منظرهم وشجاعتهم وتمسكهم بأهداب اإلسالم سببا لالعتماد عليهم، فوالهم حراسة قصره، وأسند إليهم أعلى المناصب، وخلع عليهم الهبات واألرزاق وأثرهم على الفرس والعرب في كل شيء. أخذ هؤالء األتراك، الذين كانوا بعيدين عن الحضارة والعلم، يندمجون في طبقات األمراء والمثقفين، فتعلموا العربية، ووقفوا على أحكام القرآن ودانوا باإلسالم، ودرسوا العلوم واآلداب، وكان كل من يصل منهم إلى مرتبة خاصة من التهذيب والتثقيف يتولى المنصب الذي يتناسب مع كفايته ومواهبه، ومن ثم تمكن كثير منهم من الوصول إلى أعلى المراتب فاندمجوا في سلك البالط وتقلدوا والية اإلمارات، وعظم نفوذهم واشتد ، تولية الخليفة وعزله أو حبسه ونفيه أو قتله . وما لبث عددهم أن زاد حتى أربى على الخمسين ألفا، فقويت شوكتهم، وتدللوا على الخليفة حتى ألبسهم حلل الديباج والمناطق المذهبة والحلى فداخلهم الغرور وارتكبوا كثير من أعمال العسف والشدة، حتى أنهم كثيرا ما أذوا، السكان وداسوهم بخيولهم فى األسواق والطرقات، وكانت النتيجة إهمال المعتصم للعرب واستعانته باألتراك واجزاله وقام عجيف القائد العربي بثورة على قواد الترك الذين أساءوا معامل ة العرب، وأخرى العباس بن المأمون بالخروج على قتل المعتصم، الماء عن العباس حتى مات ولحق به عجيف. وثار العرب على المعتصم في بالد الشام، كما أثار األكراد الفتنة ضده في الموصل، ولكن هذه الثورات باءت بالفشل في مهدها. على أن المعتصم ا العطاء وقع فى أيدى األتراك. وهؤالء كانت الرغبة في انتزاع السلطة من الخليفة قد تغلبت على نفوسهم، و ُعد عهد خالفة المعتصم وخالفة الواثق من بعده، فترة انتقال إلى حكم وسلطان الخلفاء االسمى منذ وفاة الواثق، واتضح بجالء في العصر العباسي الثانى خطر اعتماد العباسيين على األتراك. مدينة سامراء لم يكن بد من أن يعمل المعتصم على تالقى الشر قبل وقوعه، بعد لم يكن بد من أن استفحل خطر األتراك، وأثاروا سخط العامة وأذوا أهل بغداد . لذلك عول على اتخاذ موضع يبنى فيه مدينة جديدة، تسع جنده من األتراك، وهكذا بنيت سامرا ء شرقى نهر دجلة على مسيرة ثالثة أيام من بغداد وتبعد عنها ستين ميال من الشمال، وتقع في مكان طيب الهواء جيد التربة. يسهل منه الوصول إلى بغداد برا وبحرا، وشيد في طرفها مسجدا جامعا للمسلمين، وأفرد سوقا ألرباب الحرف والصناعات، ونقل إلى حاضرته وشيد المنتزهات، وأقام حتى سميت سر من رأى،