هل الإدراك يخضع لعوامل ذاتية أم موضوعية؟ طرح المشكلة الإدراك هو عملية عقلية معقّدة تتم فيها ترجمة وتفسير المؤثرات الحسية يستعين بها الإنسان لمعرفة العالم الخارجي والتكيف معه باعتباره عملية مكملة لدول الإحساس ومتجاوزة له، فهل الإدراك يتوقف على الشيء المدرك أم الذات المدركة؟ وبعبارة أخرى هل يعود لعوامل ذاتية أم موضوعية؟ الموقف الأوّل: يعتقد أنصار النظرية الجشطالتية أمثال: كوهلر فيرتيمر، أن الإدراك مرتبط بالشيء المدرك ولا علاقة له بالذات المدركة، والغضب لا يوجد في العينين أو الشفتين بل في الوجه ككل، ومنها فالعلاقة العامة أو الصيغة الكلّية هي أساس الإدراك وقد وضع الجشطالتيون قواعد خاصّة للإدراك، وأهمّها: قانون الانتظام: والمقصود به أنه كلما كانت الأشياء منتظمة سهل علينا إدراكها، قانون البروز: أي أنه كلما كان الشيء المدرك بارزا كلما سهل علينا إدراكه فلا يمكننا إدراك قطعة قطن في الثلج لتشابه اللونين، والإنسان عند دخوله لمدينة ما يستطيع إدراك البنايات المرتفعة قبل غيرها والكتابة كلما كانت بخط عريض كلما سهل علينا إدراكها. قانون التشابه: ويعني ذلك أن الإنسان يدرك الأمور المتشابهة قبل غيرها فالأرقام الهاتفية كلما كانت متشابهة كلما سهل إدراكها. فالأشياء الناقصة تثير فينا توتر لا يزول إلا بإتمام الشكل أو سد الفجوات. النقد: بالغت هذه النظرية حيث لم تميّز بين الإحساس والإدراك فالأوّل يشترك فيه الحيوان مع الأشياء والثاني مقتصر على الإنسان فقط كما أن هذه النظرية أهملت الذات الإنسانية. وانطلق أنصار النظرية الظواهرية من نقد النظرية الجشطالتية وأكدوا على أنّ الإدراك يعود إلى الذات المدركة لا إلى الشيء المدرك وعملية الإدراك تتجلى في التأثير المتبادل بين الذات والموضوع أي بين الشعور وموضوع الشعور، وإذا كان الشعور يتميّز بالاستمرار والتغيير فإنّ إدراكنا للأشياء الخارجية لابد أن يتغير بتغير شعورنا معنى هذا أنّ إدراكنا لأيّ شيء يختلف باختلاف أحوالنا وظروفنا وموقفنا فإدراكي للأسد في السيرك يختلف وعن إدراكي له في حديقة الحيوانات أو في الغابة، وفي هذا يقول وليام جيمس في كتابه مختصر علم النفس:" إن شعورنا بالأشياء يتبدّل بين عشية وضحاها. النقد: إن الاقتصار على العوامل الذاتية ليس كاملا لعملية الإدراك لأنّ هذه العوامل قد لا تكفي وحدها فالشخص لا يدرك دوما الأشياء التي يرغب فيها، كما أنّ هذه النّظرية أهملت دور وتأثير العوامل الموضوعية في تفعيل العملية الإدراكية. التركيب: بما أن الإدراك عملية إنسانية فهو يتألف من مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية وبعض المدركات توجهها العوامل الموضوعية والبعض الآخر تتحكم في توجيهه العوامل الذاتية، وبالتالي فهو من جهة مرتبط بالشخص المدرك ومن جهة بالذات المدركة، ولا نستطيع أن نفصل بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي في الإدراك. حل المشكلة: إن الإدراك يعود إلى التداخل والتكامل الموجود بين العوامل الذاتية والموضوعية، وإدراك الإنسان للأشياء تابع لظروفه وأحواله النفسية،