المبحث الأول: المصالحة في الجرائم الجمركية أصبحت فكرة المصالحة الجمركية سائدة، حيث فرضت نفسها في ظل التطورات الاقتصادية التي شهدتها الجزائر تعود جذور المصالحة كإجراء جمركي إلى الحقبة الاستعمارية، واستمر العمل بها بعد تعديل قانون الإجراءات الجزائية لعام 1975، وإلى غاية يومنا هذا لا يزال العمل بها قائما إلى أنه وخلال هذه الفترة طرأت عليها جملة من التعديلات. فقد أولى المشرع الجزائري بشكل عام، وقانون الجمارك بشكل خاص، اهتمامًا خاصًا للمصالحة الجمركية، حيث تعتبر إدارة الجمارك طرفًا وحكمًا في إجراء المصالحة في آن واحد، مما يبعدها عن المسار العدالة. حيث أننا قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين خصصنا فيه المطلب الأول لتعريف الجرائم الجمركية، أما المطلب الثاني تناولنا فيه المصالحة في الجرائم الجمركية. لقد خصص هذا المطلب للنظر في التعريف الخاص للجريمة الجمركية من كل الجوانب، حيث تتميز بطبيعة مركبة تجمع عدة خصائص اقتصادية ومالية وعسكرية أو أمنية، وعادةً ما تتبع هذه الهيئة الوزارة المكلفة بالاقتصاد والمالية من حيث الوصاية . كما يُستخدم هذا المصطلح أيضًا للإشارة إلى الدوائر الجمركية العامة المسؤولة عن فرض هذه الضرائب، ومنع المستوردات والصادرات غير الشرعية، وملاحقة مرتكبيها . وكما عرفتها الاتفاقیة الدولیة لتبسیط وتنسیق الإجراءات الجمركیة بــ:" كلمة الجمارك تعني المصالح الإداریة المسئولة عن تطبیق التشریعات الجمركیة وتحصیل الرسوم والضرائب و التي هي أیضا مسئولة عن تنفیذ القوانین والأنظمة الأخرى المتعلقة بالاستیراد أو التصدیر أو نقل البضائع" . الفرع الأول: التعريف التشريعي للجريمة الجمركية نجد أن المادة 240 مكرر نصت على أن كل خرق للقوانين والأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها، حيث يعد مخالفة جمركية. من خلال هذه المادة، يتضح أن المشرع عمد إلى تجنب إعطاء تعريف محدد للجريمة الجمركية، والذي عرفها بأنها:" كل جريمة مرتكبة مخالفة أو خرقا للقوانين والأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها والتي ينص هذا القانون على قمعها". إن مصطلح الجريمة مأخوذ من الجرم أي الذنب، يقال أجرم، كما ورد في قوله تعالى:﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ . أي ادعى عليه ذنبا لم يفعلها و من هناك عدت تعريفات فقهية للجريمة نذكر منها: هي كل فعل أو امتناع يسبب ضررًا عامًا للمجتمع ويستوجب المسؤولية . هذا الفعل أو الامتناع مخالفة أو جنحة أو جناية" . كما أن الجريمة الجمركية هي:" كل خرق للقوانين والنصوص الصادرة عن مختلف الهياكل، والتي لها دور بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة الاقتصادية للدولة" . وهي اعتداء على المصلحة العامة، وتعد اعتداءً على الدولة والنظام العام أكثر من كونها اعتداءً على الفرد، حيث تُعرف بأنها النشاط غير المشروع، سواء من خلال فعل أو امتناع عن فعل، الذي يقرر له القانون عقوبة أو تدبير أمني، ويقوم به الشخص عمدًا أو بإهمال، ومن ثم فإن الجريمة الجمركية تتماشى مع هذا التعريف، الفرع الثالث : خصائص الجريمة الجمركية للجريمة الجمركية عدة خصائص تتمثل فيما يلي: يُعتبر التطور الاقتصادي والنمو من أهم العوامل التي تسعى الدولة دائمًا لتحقيقها، بهدف توفير نوع من الرفاهية الاجتماعية لشعبها، أو على الأقل للحد من المشاكل التي تعرقل هذا النمو، والتي تتجلى في الانحرافات والممارسات غير الشرعية . كما تخل بتنافسية السوق وتؤدي إلى آثار سلبية على عدة مستويات، بما في ذلك الاجتماعية والثقافية والصحية، وخاصة من الناحية الأمنية . فإن الحضارة والانفتاح التقني والاقتصادي قد أوجد أساليب جديدة للسلوك الإجرامي، مما يستدعي من الدول التصدي لها بكافة الوسائل، ففي السنوات الماضية، كانت الجرائم تتم بأساليب بسيطة وتلقائية، بينما أصبحت اليوم منظمة ومنسقة، ولا شك أن الثورة العلمية والتقنية ووسائل الاتصال والتنقل في العصر الحديث، بالإضافة إلى طرق تحريها وقمعها، المطلب الثاني: المصالحة في الجرائم الجمركية مما أثبت توافقها مع الأهداف التي تسعى التشريعات الاقتصادية لتحقيقها، وقد دفع ذلك المشرع الجزائري إلى اعتماد هذه الآلية كسبب لانقضاء الدعوى العمومية، حيث تُعد الوسيلة الأكثر فاعلية لإنهاء المتابعة القضائية بطريقة ودية ومختصرة، بعيدًا عن السلطة القضائية وما تتطلبه من إجراءات معقدة وطويلة، وبما أنها طريق استثنائي لحل بعض المنازعات الجمركية وفق نظام قانوني يعكس التشريع الجمركي، حيث تتضمن قيودًا موضوعية وإجرائية، فمن حيث زمن الإجراء لا يمكن أن تتم بعد صدور حكم قضائي نهائي، إذ يُحدد موعدها القانوني بالفترة السابقة لهذا الحكم، كما أن مجال تطبيقها لا يشمل جميع الجرائم الجمركية، حيث تم استبعاد الجرائم المتعلقة بالبضائع المحظورة وجرائم التهريب من نطاق تطبيقها، وتنقسم الجرائم الجمركية إلى مجموعتين رئيسيتين هما: أعمال التهريب وأعمال الاستيراد بدون تصريح، والتي أشار إليها المشرع الجزائري في قانون الجمارك لسنة 1998 بمصطلح المخالفات التي تُضبط في المكاتب الجمركية أثناء عمليات الفحص والمراقبة، بالإضافة إلى مخالفات أخرى. بوصفها ممثلة للدولة، معفاة من المصاريف القضائية، الفرع الأول: أشكال المصالحة في الجرائم الجمركية أولا: المصالحة المؤقتة: ولا تُعتبر نهائية إلا بعد تصديق السلطة المختصة، تُعتبر المصالحة تعهدًا من جانب المخالف بقبول القرار الإداري الذي سيصدر لاحقًا، وذلك من خلال تسديد المبلغ الذي تحدده إدارة الجمارك عند أول طلب، ويتم ذلك عبر وثيقة مكتوبة تتضمن اعتراف المخالف بارتكاب المخالفة، وقبول المصالحة ودفع الغرامات المسجلة عليه . ثانيا: المصالحة النهائية: تُعتبر المصالحة اتفاقًا نهائيًا يهدف إلى إنهاء النزاع بين الطرفين بطريقة ودية وفقًا للشروط المنصوص عليها فيه، مما يؤدي إلى توقف المتابعة الجزائية أمام القضاء بانقضاء الدعوى العمومية. وتتمثل هذه المصالحة في إنهاء المنازعة وفقًا للعقد المتفق عليه بين مرتكب المخالفة والسلطة المختصة، حيث يتم إنهاء النزاع نهائيًا وتسديد المبالغ المتفق عليها . الفرع الثاني: الوجه الخصوصي لنطاق المصالحة الجمركية : حدد المشرع الجزائري في التشريع الجمركي، الحالات التي يجوز فيها إجراء المصالحة، 1- الحالات المستبعدة من نطاق المصالحة الجمركية ورغم أن القاعدة تشير إلى أن جميع الجرائم الجمركية قابلة للمصالحة، حيث يتم استبعاد بعض الجرائم من إجراءات المصالحة، مثل الجرائم المتعلقة بالاستيراد والتصدير المحظور، 1- المنتجات المادية: بالإضافة إلى البضائع التي يكون منشؤها بلدًا خاضعًا لمقاطعة تجارية، أو محظور تجاريًا . وأي ما يخالف القواعد العامة المطبقة على عمليات استيراد وتصدير البضائع . والتي تشيد بالعنصرية والخيانة أو تشجع على العنف والانحراف ، كما تشمل جميع الكتب والمؤلفات المطبوعة، بغض النظر عن دعائمها، وأيضًا تلك التي تمس الأخلاق أو القرآن الكريم . 3- السلع المشبوهة بالتقليد محل التعليق من رفع اليد أو محل حجز: إذا تم التصريح بها بغرض وضعها في الاستهلاك أو للتصدير، ب-البضائع المحظورة حظرا جزئيا: تتمثل البضائع التي علق المشرع الجزائري استيرادها أو تصديرها على الحصول على ترخيص من السلطات المختصة أو شهادة أو إتمام إجراءات خاصة عند جمركتها ، مثل العتاد الحربي والأسلحة وذخيرتها ، المواد المتفجرة والمخدرات وتجهيزات الاتصال بالراديو . أما بالنسبة لحظر المصالحة في جرائم التهريب الجمركي، كما توجد أعمال تهريب مرتبطة بالإقليم الجمركي، الفرع الثالث: هيئات المصالحة الجمركية و اختصاصات مسؤوليها: عملا بأحكام المرسوم التنفيذي رقم 99/ 195 الذي يحدد إنشاء وتشكيل وسير لجان المصالحة يتضح لنا أنه ذكر نوعين من اللجان: * لجنة وطنية للمصالحة تنشأ بالمديرية العامة للجمارك بالعاصمة * لجنة محلية للمصالحة في مقر كل مديرية جهوية 1-اللجان المختصة بالمصالحة : أ- تشكيلة اللجنة الوطنية للمصالحة:  المدير العام للجمارك أو مثله رئيسا عضوا  مدير الأنظمة الجمركية،  مدير الرقابة اللاحقة، عضوا عضوا  مدير المنازعات، عضوا مقررا . مقر هذه اللجنة هو المديرية العامة للجمارك، ب- تشكيل اللجنة المحلية للمصالحة: تتشكل اللجنة المحلية للمصالحة حسب ما تنص عليه المادة 4 من المرسوم التنفيذي رقم 99/195 من الأعضاء الآتية ذكرهم: رئيسا  المدير الجهوي المساعد للشؤون التقنية، عضوا  رئيس مفتشية الأقسام المختص إقليميا، عضوا  رئيس المكتب الجهوي لمكافحة الغش، عضوا عضوا تنشأ هذه اللجان في مقر كل مديرية جهوية، -2اختصاص مسؤولي الجمارك في مجال المصالحة : أجازت المادة 265 من قانون الجمارك إجراء المصالحة لإدارة الجمارك مع الأشخاص المخالفين للتشريع الجمركي، إلا أن قانون الجمارك لم يحدد المسؤولين المؤهلين لإجرائها، بل أحال إلى نص تنظيمي يتمثل في قرار صادر عن الوزير المكلف بالمالية، حيث حددت المادة الثانية منه قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء المصالحة مع المخالفين ،